-----------

البيروني أبو الصيدلة العربية

{ خضر فرحات }

البيروني أبو الصيدلة العربية

بلغ من إعجاب الأوروبيين بالبيروني أن قال عنه المستشرق الألماني سخاو: «إن البيروني أكبر عقلية في التاريخ»، ويصفه آخر بقوله: «من المستحيل أن يكتمل أيُّ بحثٍ في التاريخ أو الجغرافيا دون الإشادة بأعمال هذا العالم المبدع».

عرَّفه جورج سارتون في كتابه (مقدمة لدراسة تاريخ العلم): «كان رحّالةً وفيلسوفًا، ورياضيًّا، وفلكيًّا، وجغرافيًّا، وعالمًا موسوعيًّا، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالَم».

أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي، فيلسوفٌ ومؤرخٌ ورحالةٌ وجغرافيٌّ ولغويٌّ وشاعرٌ، وعالِمٌ في الرياضيات والطبيعيات والصيدلة. وعلى الرغم من اطلاعه الواسع على مختلف مجالات المعرفة في عصره، فقد كان اهتمامه مركزاً أكثر على الرياضيات والفلك.

كان أبو الريحان البيروني على اتصالٍ بابن سينا الذي كان من أشهر علماء عصره، فكثرت الرسائل العلميّة بينهما، فأعجب به ابن سينا إعجابًا شديدًا واستمرت رسائلهما حوالي خمس سنواتٍ يتبادلان الرأي حول قضايا علميةٍ كثيرةٍ.

ويُعدُّ البيرونيُّ أبا الصيدلة العربية في العالم الإسلامي، فقد كتب عن الصيدلة كتبًا عديدةً جعلته يحتل هذه المكانة المهمة في تاريخ الطب الإسلامي. سجل في كتبه كثيرًا من فوائد النباتات الطبية والعقاقير والأدوية.

آمن البيروني بدوران الأرض، وأنكر أن تكون الأرضُ مسطحةً، فأنشأ مرصدًا خاصًّا به، وافترض أن الأرض ربما هي التي تدور حول الشمس. ورأى أن الأزمان الجيولوجية تتعاقب في صورة دوراتٍ زمانيةٍ. كما أنه اهتم أيضًا بدراسة التكوين الطبقي للصخور والأنهار والمحيطات، وابتكر نظامًا خاصًّا لرسم الخرائط رسمًا مجسَّمًا. وكانت له في حقلَي التأليف والترجمة  جهودٌ علميةٌ طيبةٌ في الترجمة عن لغاتٍ أخرى مثل: اللغة الهندية والفارسية وغيرها. وقَد قام بترجمة اثنين وعشرين كتابًا إلى اللغة العربية أهمها: كتاب (أصول إقليدس) وكتاب (المجسطي) لبطليموس الفلكي وغيرهما.

ولد أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني في شهر ذي الحجة سنة 362هـ/ 3 من سبتمبر 973م، في إحدى ضواحي خوارزم، وهي مدينة (كاث) التي تقع في جمهورية أوزبكستان. ولا تُعرف تفاصيلُ كثيرةٌ عن طفولته، وإن كان لا يختلف في نشأته عن كثيرٍ من أطفال المسلمين في ذلك الزمان. حيث يُدفعون إلى تَعَلُّمِ مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ودراسة شيء من الفقه والحديث لكي تستقيم حياتهم الدينيّة. ويبدو أنه مال منذ وقتٍ مبكرٍ إلى دراسة الرياضيات والفلك والجغرافيا، وشغف بتعلّم اللغات، فأتقن الفارسية والعربية، والسريانية، واليونانية.

ثم التقى أبو الريحان في بداية شبابه بمعلم أعشابٍ استطاع أن يتعلم منه شيئًا عن تحضير النباتات الطبية، وأن يعرف أسماء النباتات والزهور وفوائدها الطبية والعلاجيّة، الأمر الذي دفعه إلى الاهتمام بالعلوم الطبيعية.

وتمكن (أبو الريحان) من أن يتصل بأبي نصر منصور بن علي، وكان عالمًا كبيرًا في الرياضيات والفلك، فأطلعه على هندسة إقليدس، وفلك بطليموس، فأصبح مؤهَّلاً لدراسة الفلك، كما اكتسب درايةً كبيرةً بالعلوم الهندسية والفلك والمثلثات من أبي الوفاء العالم الفلكي الشهير وصاحب مرصد بغداد. درس الرياضيات على يد العالم منصور بن عراق (970 – 1036) وعاصر ابن سينا (980 – 1037) و ابن مسكويه (932 – 1030). أبدع نظرياتٍ حول تكوين القشرة الأرضية، وما طرأ على اليابسة والماء من تطوراتٍ خلال الأزمنة الجيولوجية. وله بحوثٌ في حقيقة الحفريات، وكان يرى أنها لكائناتٍ حيةٍ عاشت في العصور القديمة.

وبحث في الوزن النوعي، وقدّر بدقةٍ كثافة 18 نوعاً من الأحجار الكريمة والمعادن، وتوصل إلى أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت.

وإلى جانب ذلك اشتغل بالفلك. وبحث في هيئة العالَم وأحكام النجوم، ووضع طريقة لاستخراج مقدار محيط الأرض تعرف عند العلماء الغربيين باسم « قاعدة البيروني»؛ ووصف ظواهر الشفق وكسوف الشمس وغير ذلك من الظواهر الطبيعية.

رحل البيروني إلى الهند وأقام فيها بضعَ سنين، نتج عنها كتابه المعروف بـ (تحقيق ما للهند من مقولةٍ مقبولةٍ في العقل أو مرذولةٍ) أودع فيه نتيجة دراساته من تاريخ وأخلاق وعادات وعقائد وآداب وعلوم الهند، ومن جملتها ما كان عندهم من المعرفة بصورة الأرض.

لقد كان ملمًّا بعلم المثلَّثات، وهو من الذين بحثوا في التقسيم الثلاثي للزاوية. كما أنه رغم اهتمامه بالعلم فإنه كان ذا باعٍ طويلٍ في الأدب؛ وقد كتب شرح ديوان أبي تمام، ومختار الأشعار والآثار.

وأما عن نباهة قدره وجلالة خطره عند الملوك فقد أراد شمس المعالي قابوس بن وشمكير أن يستخلصه لصحبته ويضمه إلى داره، على أن تكون له الإمرة المطاعة في جميع ما يحويه ملكه، ويشتمل عليه ملكه، فأبى عليه ولم يطاوعه.

ترك البيروني مؤلفاتٍ عديدةً، تزيد عن مائةٍ وخمسين كتاباً.

ومن أشهر مؤلفاته:

القانون المسعودي في الهيئة والنجوم، ألفه البيروني سنة (421هـ/1030م) بطلب من «مسعود بن محمد الغزنوي». وهو كتاب ضخم يشتمل على 143 باباً تناول فيه مختلف موضوعات الفلك والرياضيات. و طبع الكتاب في حيدرآباد بالهند.

في الجغرافيا: تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض، وتحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن.

في التاريخ: تصحيح التواريخ، والآثار الباقية عن القرون الخالية.

في الفلك: الاستشهاد باختلاف الأرصاد، واختصار كتاب البطليموس القلوذي.

في الرياضيات: كتاب استخراج الكعاب والأضلاع وما وراءه من مراتب الحساب، وكتاب الأرقام.

في الفلسفة: كتاب المقالات والآراء والديانات، ومفتاح علم الهند، وجوامع الموجود في خواطر الهنود، ورسالة في الميكانيكا.

لقد حدّد البيروني بدقة خطوط الطول وخطوط العرض، وناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وسبق في ذلك جاليليو وكوبرنيكوس، إضافةً إلى اكتشافاتٍ أخرى عديدةٍ.