«علينا أن ندرك جيّداً أنّ «اللّه هو الحبّ»، وأن نحبّ ما نقوم به».
السيرة الذاتيّة للسيدة رباب الصدر:
السيّدة رباب الصدر شرف الدين، شقيقة الإمام المغيّب سماحة السيد موسى الصدر، وزوجة الأديب حسين شرف الدين. ولدت سنة 1944 في مدينة قم في إيران، حصلت على شهادة دكتوراه في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، ودكتوراه فخرية في الإنسانيات من الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة، إلى جانب كونها أمّاً لأربعة أولاد.
أبرز إنجازاتها تأسيس مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، إلقاء محاضرات في مواضيع مختلفة، وتنظيم عدّة مؤتمرات.
تتقن السيّدة الصدر اللغات الفارسيّة، العربيّة، والإنكليزيّة، وحاصلة على: ميداليّة تقدير من منظمة فرسان مالطا عام 1991، الميداليّة الذهبيّة من لجنة الأعمال الخيريّة والإنسانيّة في فرنسا عام 1992، وسام الأرز برتبة فارس عام 1993، وشهادة تقدير من الأمين العام للأمم المتحدة عام 2000. كانت السيّدة رباب، ولا تزال، ناشطة في الحقلين الإنسانيّ والاجتماعيّ، ومُنحازة دائماً للمرأة وحقوقها. وحالياً هي رئيسة «مؤسّسات الإمام الصدر» في مدينة صور.
مع الشباب: من المعلوم أنّ السيّدة رباب الصدر وُلدت في عائلة علميّة، وأنّ والدتك هي ابنة المجتهد السيّد حسين القمّيّ. هل يمكن أن تحدّثينا عن مسيرتك العلميّة، ونظرتك للعلم وانعكاسه في تطوّر المجتمعات ورقيّها؟
وصلت إلى صفّ البكالوريا، ثمّ تزوّجت، وأنجبت بعدها الأولاد، وعندما كبروا أكملت دراستي. وعندما كان ينتهي الأولاد من الدرس والعشاء ويخلدون إلى النوم قرابة الساعة العاشرة ليلاً، كنت أبدء رحلتي مع الدراسة. مرات عدة كنت أنام والكتاب بين يدي، لأستفيق بعدها وأتابع الدرس. أنهيت البكالوريا ودخلت إلى الجامعة، ثمّ أنهيت الدراسات العليا في اختصاص الفلسفة والحمد لله.
«العلم نور» ينوّر الحياة والطريق. وهو وسيلة لمعرفة اللّه سبحانه وتعالى، لأنّه يمكّننا من فهم الأمور الدينيّة والقرآنيّة، ومسؤوليّاتنا الحياتيّة. ولا شكّ أنّّ ذلك ينعكس على تطوّر المجتمع. فالمتعلّم يتعرّف إلى الواجبات والأخلاقيّات، ويصبح قادراً على مساعدة غيره ولو كان من غير دين أو طائفة، وعندما يعي كلّ فرد هذه الواجبات والخطوات، يتكوّن حينها مجتمع متميّز ومتكامل، يسوده التفاهم والتعاون والحب. وفي حال وجود المشاكل، يقوم جميع أفراد المجتمع بحلّها معاً. إذن، فالأمران الأساسيّان في حياة الإنسان هما العلم والدين، ووجود الأوّل مرتبط بالثاني والعكس صحيح. وعلى الفرد أن ينطلق من هذين المبدأين.
مع الشباب: يقول الإمام موسى الصدر: «إن أردتم مجتمعاً صالحاً وأولاداً صالحين هيّئوا لتربية صالحة، ولمجتمع صالح...». كيف يمكننا في هذا العصر أن نهيّئ عناصر التربية الصالحة والمجتمع الصالح، وما هي الأساليب والوسائل؟
نهيِّئ المجتمع الصالح مع مجموعة من المسؤولين المؤهّلين والمدركين لمسؤوليّاتهم، وأولئك الذين يريدون تغيير المجتمع نحو الأفضل، ويتحلّون بالعديد من الأخلاقيّات الحميدة مثل: الإيمان والإصلاح والفهم والتأهيل والحبّ والصدق والإخلاص وغيرها.
ولكي نبني المجتمع الصالح، علينا أن نبدأ من المنزل ثم ننتقل إلى الجيران، فالحيّ، بعدها المدرسة، ثم إلى المجتمع. وعلينا أن ندرك جيّداً أن «اللّه هو الحبّ»، وأنّ نحبّ ما نقوم به؛ لأنّه عندما لا يوجد الحبّ في أيّ مكان، يصبح هذا المكان فارغاً.
مع الشباب: قرأنا في أكثر من موضع لكم، كلاماً مؤثّراً عن العلاقة مع السيّدة الزهراءh تقولين: «أشعر بأنّ السيّدة الزهراءh تفكّ العقد عن شغلنا، وهي موجودة في شغلنا دائماً». هذا الكلام له بُعد فكريّ ووجدانيّ في شخصيّتك، من أين هذا اليقين؟
لديّ هذا اليقين من التربية والأهل. فقد تربّيت على حبّ النبيّs وأهل بيته والأئمة، والإسلام من دينيّ وقرآنيّ ومعتقداتيّ. وعندما كبرت، قمت بتنمية ذاتي وتقويتها، ما أثّر إيجاباً على حياتي.
أرى هذا اليقين وأرى بركات السيّدة الزهراءh وحضورها... دائماً. في الماضي قامت «إسرائيل» بقصفنا عدّة مرات، ولم يحدث أيّ شيء لنا. لدي يقين أنّها من قامت بحمايتنا وبركاتها علينا؛ لذا قمنا بتسمية المدرسة باسمها «مبرّة رحاب الزهراءh».
مع الشباب: من الواضح من خلال تتبّع النشاط الواسع والمتنوّع والحضور الفكريّ والتربويّ والاجتماعيّ للسيّدة رباب الصدر، أنّها من أقرب الشخصيّات وأكثرها تأثّراً في منهجها العلميّ للإمام السيّد موسى الصدر... فما هي أسرار هذه العلاقة التكامليّة مع سماحة الإمام، وكيف انعكست على شخصيّتك؟
أكثر الأشخاص الذين أثّروا في حياتي هو الإمام الصدر. الإمام أخي، وما يملكه من مميزات أملكها أنا حتماً؛ لأننا تربّينا في بيت واحد، لكن الإمام «طالع غير شكل».
أشكر اللّه دائماً أنّه أنعم عليَّ بعائلة مميّزة. على مدار ألف سنة، بيت الصدر فيهم العلماء والمجتهدون والمسؤولون والاجتماعيّون الذين يقدّمون الخدمات للناس. وبالتالي نراهم شهداء أو مخطوفين أو مقتولين. ترعرعت في بيئة تضجّ بحبّ الحياة وحبّ الإنسانيّة والعطاء والخدمة. وكلّما أخذ الإنسان أكثر من القيم والإيمان والحبّ، كلّما قام بالعطاء والبناء. وهذا ينعكس على شخصيّته وسلوكه ومعشره وكلامه وتفكيره ونظرته إلى الآخر. وعلى رأس عائلتي لديّ أئمّتي والسيّدة الزهراءh والسيّدة خديجة والسيّدة زينبh. وكلّ الأنبياء عانوا في حياتهم وهم نماذج لنا ونقتضي بهم.
مع الشباب: المعلوم أنّ السيّدة رباب أكملت المسيرة التربويّة والاجتماعيّة للإمام موسى الصدر، فما هي الأهداف والغايات الرئيسة التي عملتم وتعملون على تحقيقها في المجتمع، ولا سيّما فيما يتعلّق بشريحة الشباب؟
كان تركيز الإمام في بدايات عمله على عنصر الشباب. فكان يرتّب لقائين مع الشباب ولقاء مع الكبار شهريّاً. وركّز على هذه الفئة في أكثر حركاته الاجتماعيّة والنضاليّة ، فأحاط نفسه بالشباب لأنّه كان يعتبرهم جيل المستقبل، وكان يرى أنّ دورهم أساسيّ في تغيير المجتمع نحو الأفضل، وليس فقط عبر التحسين والتطوير بل أيضاً عبر التغيير الذي لا يتحقّق إلا على أيديهم؛ لأنّهم يتمتعون بالقدرة على الصبر والانتباه، فضلاً عن حبّهم الكبير للحياة أكثر من غيرهم.
أهم الأهداف التي نسعى لتحقيقها هي تأهيل الإنسان المميّز في جيل الشباب؛ لأن أملنا كلّه بهم. وبالتأكيد نسعى أيضاً للاهتمام بغيرهم من الأجيال ونقوم بخدمتهم.
مع الشباب: تقول السيّدة رباب «أرى اللّه عندما... أخدم إنساناً»ً، وهذا كلامٌ في غاية الأهميّة، له بعده العقديّ، ويبيّن الروح التي تحملونها في خدمة الناس والمجتمع»، ماذا تقدّمين للشباب من توجيه عن أهميّة الخدمة الاجتماعيّة للناس؟
يقول الإمام الصدر: «لدينا صلاتان؛ صلاة العبادات وصلاة الخدمات»، أي أنّه يشبّه الخدمة الإنسانية بالصلاة والعبادة. صلاة العبادات هي بين العبد وربه، ولكن صلاة الخدمات هي الشقّ العمليّ. وهذا العمل ينبغي أن يكون نابعاً من قلب صادق وخالص لله، لا ننتظر منه أيّ مقابل. وهنا نرى اللّه، ويردّ اللّه عملنا الصالح أضعافاً، وكلامي هذا نابع عن تجربة.
عندما يحصل معي هذا الفضل الإلهيّ، أشعر بالسعادة وأشكر اللّه على عطاياه. واللّه سبحانه أنعم عليَّ نعمة العمل وخدمة عباد اللّه، وهذا توفيق منه.
مع الشباب: التربية، التعليم، بناء المهارات، الفنون، التوجيه والإرشاد وغيرها، كلّها عناصر تقوم عليها المؤسّسات التي تديرونها... ماذا حقّقت وتُحقّق هذه المؤسّسات لأجيالنا وشبابنا؟
هذه المؤسسة عمرها أكثر من 55 سنة، وقد خرّجت أجيالاً. تأسست سنة 1963م، واستطاعت أن تحدث تغييراً اجتماعيّاً في هذه المنطقة؛ حيث كانت تسود الأمّيّة والتأخّر والعقليّات المتحجّرة، لكن -اليوم- اختلفت الأوضاع؛ فانخفضت نسبة الأمّيّة، وتطوّرت المرأة، ووقفت إلى جانب زوجها تساعده بكل رحابة صدر لتشاركه الشعور بالمسؤوليّة. وقد استطاعت المؤسّسة أن تؤهّل مجتمعاً نسائيّاً مميّزاً يتمتّع بالإيمان والأخلاق والقيم الاجتماعيّة.
مع الشباب: نتمنّى من السيّدة رباب الصدر الفاضلة أن تعود معنا إلى مرحلة الشباب وتحدّثنا عن مسيرة شبابها، وتحديّات الشباب في ذلك الزمان.
تربيت ففي بيت دينيّ ملتزم. ومن المعلوم أنّ رجال الدين والعلماء كانوا يعيشون ضمن بروتوكول معيّن. وأنا كنت أرفض ذلك في بعض الأحيان، وأطالب بالتقدّم الدائم ومعرفة المزيد. من هنا اهتمّ الإمام الصدر بتربيتي بعد وفاة أبي وأنا في الثامنة من العمر. وكنت أتقبّل كلامه خصوصاً عندما يرفقه بالمنطق والبرهان. وبفضل تربيته تعلّمت أشياء كثيرة، وتعرّفت على الحياة بمفاهيم وقيم مختلفة.
مع الشباب: تقول السيّدة رباب: «المجتمع الذي نعيشه مجتمع متغيّر، متقلّب، متناقض...»، برأيك أين دور المرأة والشابة في هكذا مجتمع، وما هي أولويّاتها؟
دور المرأة الأساس هو الأمومة، وعندما تكون المرأة أماً يجب عليها أن تشارك وتتدخّل في كلّ مراحل حياة أبنائها، وليس في مرحلة الطفولة فقط. عندما يرتكب الولد خطأً معيّاً، فإنّ على الأمّ أن تجالسه وتتكلّم معه، وتثبت لديه فكرة أنّه أخطأ وعليه أن يغيّر. ولكن في حال أهملته، سوف يكرّر الخطأ. بعض الأهل لا يحاسبون أبناءهم على الرغم من أن المحاسبة مهمّة جدّاً.
وحتى إن لم تكن أمّاً، فإنّه يمكن للمرأة أن تؤثّر في المجتمع، ولا سيّما على رفيقاتها. عندما يواجه مجموعة طالبات مشكلة، هي من يقوم بنصحهم وإرشادهم. فكلام الزميلة أحياناً مؤثّر أكثر من كلام الأمّ أو الأخت. على الشابة أن تمارس القيم في حياتها، وأن تتفاهم مع الآخرين في المجتمع والجامعة والعمل. باختصار، عليها أن تطبّق ما اكتسبته من قيم وأخلاقيّات.
مع الشباب: تملك السيّدة رباب نظرة استشرافيّة إيجابيّة ومتفائلة للمستقبل، وتتعامل مع الأمور بخطىً واثقة ومطمئنّة وهذه من الصفات القياديّة والإداريّة الواعية. نودّ الاستفادة من تجربتك في هذا المجال، وما هي نصيحتك لشباب اليوم في النظرة الإيجابيّة إلى الأمور؟
أنا بطبيعتي إنسانة متفائلة لأنّ إيماني باللّه كبير وعلى أمل أن يبقى هذا الإيمان لكي أتابع. وأيضاً أعمل بطريقة سليمة وواضحة. أقول رأيي بوضوح كما أقوم بدوري بوضوح. أوصي الشباب بالتفاؤل والإيمان والإخلاص، وأن يطبّقوا هذه القيم على الآخرين؛ وبذلك تصبح الحياة جميلة، ولا يؤذي الفرد غيره، ويعمّ الحب في المجتمع.
مع الشباب: ما هي نظرتك لحضور المرأة «الاجتماعيّ والعمليّ» ووجه الحاجة إليه، وما هي معيقاته، وهل الأولويّة للحياة الأسريّة أم للعمل، أم أنّه يمكن الجمع بينهما؟
لدينا في لبنان صنفان من النساء، فبعضهنّ فاعلات ولديهن حضور ويتقنّ عملهنّ، وبعضهنّ هن ممن يتولين مناصب ومسؤوليّات مهمّة. وبعضهنّ (وهن أكثر) يتلهين بالمظاهر المرتبطة بالألبسة والمجوهرات والاحتفالات وغيرها. ولو قمن بالتطوّع ساعتين للمجتمع، كان ذلك أفضل لهنّ، وهذا ما يحتاج له لبنان. أرى أنّ دور المرأة في المجتمع أهمّ من دور الرجل، خاصّة إذا أتقنت عملها. على المرأة أن تركّز على الجانبين؛ أي التربية الأسريّة والعمل. عليها أن تركّز على العمل والجمال والخدمات والسياسة وعلى كلّ شيء.