الباحث : أمل ناص كجك
اسم المجلة : مع الشباب
العدد : 9
السنة : السنة الثانية - ربيع2020م / 1441هـ
تاريخ إضافة البحث : July / 18 / 2020
عدد زيارات البحث : 983
ينتابنا شعورٌ دائمٌ، بالحاجة إلى ملء ذلك العطش الكبير في داخلنا للجمال. الجمالُ جزءٌ مكوّن من طبيعتنا الإنسانيّة، خاصّةً نحن النساء. أن تكوني امرأةً، يعني أن تكوني جميلةً، هذا أمرٌ فطريٌ طبيعيٌّ، ولولا ذلك لما استمرّت الحياة على ما هي عليه إلى الآن. هل تخيّل أحدٌ مثلًا، الشعرَ دون امرأة؟ والموسيقى دون امرأةٍ؟ المنازل دون امرأة؟ الحياكة دون امرأة؟ الليل والنهار دون امرأة؟ الألوان والأزياء دون امرأة؟
ثمّة علاقة جذب واكتمال بين الأشياء الجميلة والمرأة. كلّ شيء جميل دون المرأة ناقص جدًّا، والمرأة دون كلّ شيءٍ جميل لا تكتمل. والغريب، أنّ هذه العلاقةَ، من القوّة، والتدفّق، والضرورة، لا يمكن إلا أن توجدَ مهما كانت العوائق؛ لأنّها حاجة فطريّةٌ مغروسة في الجذر الأعمق للطبيعة الإنسانّية، ألم يُقلْ «وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض»؟ وهل كان خلق الله إلّا جميلًا كالفطرة الإلهيّة؟
ورغم ذلك، تبقى هذه المسافة بين المرأة والجمال، مسافة تأويليّة تقبلُ الاختلافات والترميز بشكلٍ غير مسبوق. تعتقد كلّ ثقافة وحضارةٍ، أو حتى مجموعةٍ بشريّةٍ، بأنَّ لها الحقَّ بأنْ تملأ هذه المسافة بتصوّراتها عن الجمال الأنسب للمرأة؛ لذلك نرى أنّ الثقافات الإنسانيّة المختلفة عبر العصور برعتْ في إنتاجِ الأزياء والملابس، والأدوات التجميليّة، والأثاث، والموسيقى والشعر والأدب، الذي تقدّر أنّه سيظهِر الأنثى بأجمل صورها.
نعم، الأمر بقدر ما هو جذّاب، بقدر ما هو دقيق وخطِرٌ.
قلتُ لصديقتي: الحاجة إلى الجمال حاجةٌ ذاتيّةٌ. يمكن للمرأةِ، أن تلبسَ أجمل ما لديها، حتى لو كانت وحدها في المنزل! الجلوس أمام المرآة، وتزيين الشعر، في ذاته متعةٌ نفسيّة ومعنويّةٌ كبيرة جدًّا، ولوْ أضفتِ عليه نكهة التقرّب إلى الله تعالى عبر الاهتمام بجمالكِ، فهو أمرٌ فائق الروعة؛ لأنّ تدريب النفس على الاهتمام بهذا الجمال، سيمرّنها على الاهتمام بكلّ جمال بإتقان.
ولكن، كيف يمكن لي أن أحدّد المدى الذي ينبغي أن أصل إليه في الاهتمام بالجمال..؟ هنا كلّ القضيّة.
ربما لو عرفتِ أنَّ سوق الأزياء في العالم تبلغ قيمته حوالي 1.78 تريليون دولارٍ سنويًّا، وأنّه يستهدف المرأة بشكل أساسٍ، حتى أنَّ أزياء الرجال كما بحثت بعض الدراسات، تعتمد في تصميمها وفلسفتها على جذب المرأة جماليًّا، فالمرأة محور هذا السّوق الاستهلاكيّ الضخم جدًّا. ومن هنا، فإنَّ الفلسفة الكامنة خلف الأزياء، والإعلانات والدعايات المواكبة لها، وكذلك تسويق ذلك عبر الأفلام والسينما والمواد الدعائيّة، ولا ننس سوق أدوات التجميل والتزيين، تجتمع كلّها بشكل موحّد في اتّجاهٍ مؤثّر جدًا على كيفيّة تلقّي المرأة لمنظومة الجمال وحدوده وإطاره العامّ.
صديقتي، العالم الحاليّ، مكانٌ أكلته الثقافةُ الاستهلاكيّة المادّيّة. كلّ شيءٍ، إن كان يُكسبهم مالًا أكثر، فسيكون هدفًا. ولا شيء ينتج المالَ، بقدر القوّة المتنوّعة والمذهلة للجمال. ونحن كائنات الجمال، قوّتنا أنّنا نملك ميلًا عظيمًا نحو انتقاء الأجمل دومًا، هكذا تتمّ دراسة ما نحبّ، وتتمّ صناعة ما نحبّ، وهذا الأمر إلى هذا الحدّ ليس خطيرًا، الخطير هو أن يقوم أحدٌ بصناعة ميولنا الجماليّة، وهذه هي الكارثة الحقيقيّة.
هل سمعتِ هذا الحديث العظيم: «عقول النساء في جمالهنّ وجمال الرجال في عقولهم»؟! إنه سرّ التوازن الدقيق بين العقل والجمال، كمالُ عقل المرأةِ في أنّها تصنع الجمال، جمالها الخاصّ، وكلّما أتقنت ذلك، كلّما دلّ ذلك على توازنها العقليّ؛ لأنّها تكون قد قاربت فطرتها الأصليّة التي يحبّها الله تعالى.
الجمالُ عند المرأةِ حدّه، أن يحفظ عقل الرجل؛ فكلُّ جمالٍ لديها يُخرجُ عقلَ الرجل عن طوره، فهو مذمومٌ. هذا هو سرّنا الخاصّ، في خطّ الأنبياء.
أتعرفين، أنّ الأزياء، واللباس، والإكسسوارات، إن تعدّت حدّها، أخذت بعقل الرجل؛ لأنّ عقله يؤخذ بجمال المرأة وبكلّ ما يتعلّق بها. لذلك، كانَ التشديد على ثقافة الحياء، في اللباس والأزياء والتزيين، خارج إطار الزوجيّة، ثقافة الحياء الذي يخفي في داخله كلّ الجمال المادّيّ والمعنويّ، ويتركه خصّيصًا لبيت الزوجيّة، كي يتوازن عقل الرجل وينتج سلوكًا نحو الله.
لا تقولي يا صديقتي إنّ هذه أنانيّة عند الرجال ولمَ ينبغي أن نلبّيها؟ هذا هو الجانب الأوّل من الصورة. الجانب الآخر، هو أنَّ الحفاظ على ثقافة الحياء وما يناسبها من أزياء وملابس خارج المنزل، وداخل المنزل، هو بحدِّ ذاته مرانٌ لعقل المرأة. كيف؟ لأنّ انشغال المرأة بالأزياء خارج المنزل، إذا لم يكن مشفوعًا بالحياء والخفر والحذر، فهو سيكون كتداعي أحجار الدومينو؛ لأنَّ التنوّع الجماليّ في الأزياء لن ينتهي، وعشق المرأة لهذا الجمال غير محدود، وضبط هذا التداعي سيوازن الحياة العقليّة والمعنويّة للمرأة في المنزل وخارجه، ستكون الحياة جنونيّة لو خرجت الأزياء عن سيطرة الحياء!
يحتاج الجمال إلى ثقافة عليا توجّه قدراته العظمى. ثقافة عليا، حكيمةٌ، غير أنانيّةٍ وغير براغماتيّة، تريد صالح المرأة والرجل، دون تجاوزهما إلى منفعةٍ مادّيّة أو غير أخلاقيّة.
أتعرفين يا صديقتي، أنَّ الأجملَ، بالنسبةِ لي، هو الذي ينسجم مع عقلي الذي يتجمّل بالفطرة التي خلقها الله فيَّ..؟ هذا هو الشيء الوحيد الأجمل! فلمَ أسمح لأيّ شيء أن يحتلّ عقلي..؟
سيمكننا دومًا، أن نختار. وأن نجعل خياراتنا في اللباس والأزياء تشبهنا نحن اللواتي نريد أن نتّصل بنور الله الجميل!