المحتويات
بوصلة
فطرة تنشد الكمال ........... حسن أحمد الهادي
بقعة ضوء
الباحثون عن الله (2) ........... د. نور الدين أبو لحية
ملف العدد
نحو حياة زوجية طيبة ........... د. أحمد علي الشامي
سعادتكم رهن محبتكم ........... د. فادي ناصر
الحب في ميزان الواقعية ........... الشيخ عباس إبراهيم
العزوبية خيار الشباب أم المجتمع؟! ........... فاطمة نصر الله
عقبات على طريق المودة ........... بتول شاهين
ظاهرة الطلاق عند جيل الشباب ........... معتصم أحمد قوتة
ضيف وتجربة
مقابلة مع د. حسن خليل رضا ........... مريانا إبراهيم
تربية
كن مدبراً ولا تكن مسرفاً ........... فاطمة نعمة الله شعيتو
تنمية
كن مبدعاً في تفكيرك ........... سارة مصطفى صفا
أدب وفن
وسيم ........... فاطمة كريم
نطفة عائمة لا شرقية ولا غربية ........... زينب آل سيف
تكنولوجيا
إقرأ لغتهم : تقرأ أفكارهم ........... آلاء شمس الدين
مصطلح ومعنى
الجندر Gender ........... زينب فهدا
قضايا الشباب
ترددي يعيق اختياري ........... محمد باقر كجك
قراءة في كتاب
إياك أن..نقد الأساليب المضرة في التربية وفق معايير التربية الإسلامية ........... مصطفى مكي
إسهامات حضارية
سر من رأي : سر من عرف ........... سكينة مصطفى
ابن رشيد الأندلسي ........... زينب قرصيفي
بوصلة
فطرةٌ تُنشد الكمال...
من الأمور الفطرية التي خُلقنا عليها، ميل كلّ من الذكر والأنثى أحدهما إلى الآخر، لذلك لا يعدّ هذا الأمر مذموماً بذاته، بل هو منسجم مع طبيعة خلق الإنسان، وإن كانت منطلقات كثير من الشباب - ولا سيّما في مرحلة المراهقة - متّجهة نحو البحث عن مظاهر الحياة لا معانيها وسبر أغوارها، وقد لا يتعدّى اهتمامهم دائرة الميول العاطفيّة والشهويّة ومظاهر الحياة الفارغة التي يُسخّر في سبيلها الغالي والنفيس دون وجود أهداف واضحة.
ومن الطبيعيّ أن يتبدّل هذا السلوك، بل وينقضي هذا الميل عند هدوء قوى النفس واستقرارها، فيتوجّه الشباب حينها إلى التفكير الجدّيّ والواعي والموضوعيّ بالحياة الزوجيّة والأسريّة. ومن أهم فوائد هذه المرحلة أنّها تقدّم للمجتمع الصورة الأوضح والأكمل عن شخصيّة الشباب النموذجيّة التي تتغيّر أولويّاتها وتنصرف نحو إكمال الدراسة الجامعيّة أو الانهماك في البحث عن الوظيفة والعمل لتأمين متطلّبات الزواج والحياة.
وفي كلا المرحلتين يجب أن يلتفت كلّ من الأهل والشباب والمجتمع بمكوّناته كافّة إلى أنّ التربية الإسلاميّة وتحصين الشخصيّة وترشيدها بالأخلاق الحسنة المستندة إلى الإيمان القويّ والثابت هي الضمان الأقوى لصفاء النفس وسلامتها، بحيث يبقى للفطرة السليمة التي فَطَرنا الله عليها إلى جانب التربية والمعرفة الدور الفاعل في فهم مراحل الحياة وأدوار الإنسان وواجباته وحقوقه فيها، وبهذا نضمن حفظ الشباب من السقوط في أوحال الرذيلة والمعصية والمخالفة، وتتفتّح سُبُل الحياة بسلاسة ولطافة وينطلق فيها الشباب بوعي ومسؤوليّة وكفاءة.
والذي يعزّز هذا الفهم وهذه النتيجة هو أنّ التعاليم الإسلاميّة الاجتماعيّة في الزواج والأسرة وغيرها تقود إلى هيکليّة تستجيب لجميع احتياجات الشباب المادية، والنفسيّة والمعنويّة، وتعمل على تلبيتها، وتبيّن حقوق كلّ فرد من أفرادها وواجباته. فالأسرة تمثّل النظام الأمثل لتلبية الحوائج المادّية والنفسيّة والمعنويّة للإنسان؛ وذلك بما تُشكّله من أرضيّة مناسبة لتأمين الأمن والارتياح النفسيّ لأعضائها، وتربية الأجيال الجديدة، ودمجهم في المجتمع، وتلبية الحوائج العاطفيّة للأفراد؛ ولذلك يُلاحظ أنّ الفلاسفة والعلماء في العلوم الإنسانيّة منذ بداية التاريخ العلميّ المکتوب قد کتبوا عن الزواج والأسرة. وقدَّمت الديانات الإلهيّة تعاليم مهمّة في هذا المجال، وخاصّة الدين الإسلاميّ باعتباره آخر الأديان؛ حيث اعتبر أنّ الأسرة أحبّ موسّسة بشريّة عند الله وأعزّها، ورد في الخبر: «ما بني في الإسلام بناء أحب إلى الله من التزويج»[1] .
ويوضح الدين الإسلاميّ الآثار الإيجابيّة للزواج على الرجل والمرأة والمجتمع؛ فهو الوسيلة للإنجاب وتكثير النسل، ورد عن النبي محمد (ص) : «ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً، لعلَّ الله أن يرزقه نسمة، تثقل الأرض بلا إله إلاّ الله»[2]. وهو ضمان لإحراز نصف الدين؛ لأنّه الحصن الواقي من جميع ألوان الانحراف والاضطراب العقليّ والنفسيّ والعاطفيّ، فهو يقي الإنسان من الرذيلة والخطيئة، ويخلق أجواء الاستقرار في العقل والقلب والإرادة، لينطلق الإنسان متعالياً عن قيود الأهواء والشهوات التي تكبّله وتشغله عن أداء دوره في الحياة وفي ارتقائه الروحيّ، وإسهامه في تحقيق الهدف الذي خُلق من أجله، وهو باب من أبواب الرزق بأسبابه الطبيعيّة المقرونة بالرعاية الإلهيّة، حيث ورد عن رسول الله (ص): «اتخذوا الأهل، فإنّه أرزق لكم»[3] .
وإنّ الزواج بالشكل الذي أقرَّه الإسلامُ حَفِظَ للمرأة كرامتَها ومكانتها، وللرجل شرفَه وعِرضَه، وجعل من هذه العلاقة سياجًا يحمي الطرفين من الخطأ، وجعل من هذه الأسرة نواةً لبناء مجتمع مسلم طاهر عفيف؛ لهذا لا بدّ أن تحقِّق إجراءات الزواج تلك الغايةَ، وقد راعى الإسلام ذلك، فجعل لإتمام الزواج مراحلَ ومراسمَ؛ فهناك الخِطبة، ثمّ عقد الزواج، فالزفاف، وكلّ هذه مراحل من باب تكريم هذا العقد بكلّ آثاره الحقوقيّة، وإعطائه قوةً ونفوذاً في المجتمع. وبالإشارة إلى بعض مقدمات الزواج نجد أنّه قبل الخِطبة لم يَعرِف الإسلام إجبارَ أحد طرفي الزواج عليه، بل لا بدّ من تحقُّق القَبول والموافقة التامة، المبنيَّة على المعرفة الكاملة والرضى التام.
توصية وتوجيه
يخوض الشاب مع الفتاة تجربة الزواج المثيرة ولدى كلّ منهما رؤاه وأحلامه وآماله العريضة، وعادة ما يعطي الخيال مساحة واسعة من معلومات كل منهما عن الطرف الآخر، وعلى هذا يبدآن بناء حياتهما المستقبليّة مع جهلهما بإمكاناتهما وقدراتهما، وما يحمل كلّ واحد منهما من قيم وثقافة.
ولهذا تحتاج الحياة الزوجيّة المشتركة إلى مجموعة من القواعد والضوابط التي لا يمكن استمرار الحياة بدونها، ذلك أنّ الحياة إنّما تقوم على المودّة والحب لكي يمكن العيش في ظلال من الطمأنينة والسلام، ويمكن من خلالها الوصول إلى الكمال المنشود؛ وذلك لأنّ الحياة دون حب وتضحية وتسامح لا معنى ولا قيمة لها، والحياة دون المودّة والاحترام المتبادل حياة مذلّة لا قيمة لها.
ومن القواعد المهمة التي يحتاجها المتزوّجون أو المقدمون على الزواج والتي تعزّز هذا البنيان وتمنحه المنعة والقوة من الاهتزاز أو التفكّك، تعزيز التكامل بين أدوار كلٍ من الزوج والزوجة في الأسرة ومشاركتهما معاً في التربية الأسريّة، وإحاطة الأسرة وجميع العلاقات بين أفرادها بالمودّة والرحمة والأنس والسكن، وإعطاء الرجل دوره الطبيعيّ في القيمومة على المنزل، وتحمّله مسؤوليّة الانفاق على الأسرة وإدارة شؤونها. وإعطاء القيمة اللائقة لوظيفة المرأة وتكليفها الأساس، والالتفات إلى الشأن الإنسانيّ والمحوريّ للمرأة وأدوارها المتعددّة في الأسرة، والعائلة، ولا سيّما على المستوى التربويّ، وحفظ دورها فيه، وهو بناء المجتمع الصالح الذي يبدأ من التربية الأسريّة. ومواجهة النظرة التي تعتبر الأمّ غير العاملة عاطلة عن العمل. وفوق ذلك كله لا بدّ من تكريس أهمّيّة الأسوة والقدوة من قبل الأبوين معاً.
رئيس التحرير
حسن أحمد الهادي
--------------------------