-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : الله موجود على ضوء منطق حساب الاحتمالات

الباحث :  ---
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  1
السنة :  السنة الاولى - شتاء 2018م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  May / 1 / 2018
عدد زيارات البحث :  1036
الفيلسوف العربيّ والمسلم، الذي كلّما أرّخنا للمواجهة الفكريّة مع المدّ الإلحاديّ الماركسيّ استحضرنا اسم كتابه: «فلسفتنا»، وقد غلب الحديث عن هذا الكتاب عند البحث في البُعد الفلسفيّ لشخصيّة السيّد الصدر، مع أنّ قمّة الإبداع الفلسفيّ (والمعرفيّ -المنطقيّ) عنده تجلّت في كتابه «الأسس المنطقيّة للاستقراء»، الذي عالج فيه مُشكلة أرّقت وما زالت تؤرّق الذّهن البشريّ أكثر من ألفي سنة، فيما عُرف بمشكلة الاستقراء
(Proglem of induction) حيث ابتدع منهجاً جديداً في المعرفة، مُقابل المنهجين الأرسطيّ والتجريبيّ، سمّاه المذهب الذاتيّ للمعرفة.
ولم ينطلق السيد الصدر في مُعالجة مشكلة الاستقراء من همّ فلسفيّ ومنطقيّ محض، كما فعل ديفيد هيوم أو برتراند رسل ورودولف كارناب وكارل بوبر وهانز ريشبناخ وغيرهم، بل من حيث كونه مهتمّاً بإصلاح العقيدة الإنسانيّة، في بيئة سيطرت عليها النزعة الإلحاديّة، وحاولت تصوير وجود تناقض جذريّ بين المنهج العلميّ - التجريبيّ والإيمان بالله.
هذا التحدّي الذي ما زال مطروحاً على شبابنا بقوّة في عالمنا المعاصر اليوم، في صدى نسمعه من كبار الملحدين، كعالم الفيزياء ستيفن هوكينج وعالم البيولوجيا التطوّريّة ريتشارد دوكنز. حيث يقول الأخير: «لقد طرد دارون الإله من البيولوجيا، ولكنّ الوضع في الفيزياء بقي أقل وضوحاً، ويُسدّد هوكينج الضربة القاضية الآن».
لقد استطاع السيّد الصدر، أن يُبرهن في دراسته نقطة في غاية الأهمّيّة من الناحية العقائديّة، وهي «أنّ الأسس المنطقيّة التي تقوم عليها كل الاستدلالات العلميّة المستمدّة من الملاحظة والتجربة، هي الأسس المنطقيّة نفسها التي يقوم عليها الاستدلال على إثبات الصانع المُدبّر لهذا العالم...
فالإنسان بين أمرين: فهو إمّا أن يرفض الاستدلال العلميّ ككلّ. وإمّا أن يقبل الاستدلال العلميّ ويُعطي الاستدلال الاستقرائيّ على إثبات الصانع القيمة نفسها التي يمنحها للاستدلال العلميّ».
وقد ارتأينا في مجلّة «مع الشباب»، أن ننشر الدليل العلميّ القائم على حساب الاحتمالات كما عرضه السيّد الصدر في كتابه: «المُرسِل والرسول والرسالة» مع بعض الاختصار والتصرّف، لأنّه يدخل في قلب ما يُعرف بالتّصميم الذكيّ.
الفيلسوف العربيّ والمسلم، الذي كلّما أرّخنا للمواجهة الفكريّة مع المدّ الإلحاديّ الماركسيّ استحضرنا اسم كتابه: «فلسفتنا»، وقد غلب الحديث عن هذا الكتاب عند البحث في البُعد الفلسفيّ لشخصيّة السيّد الصدر، مع أنّ قمّة الإبداع الفلسفيّ (والمعرفيّ -المنطقيّ) عنده تجلّت في كتابه «الأسس المنطقيّة للاستقراء»، الذي عالج فيه مُشكلة أرّقت وما زالت تؤرّق الذّهن البشريّ أكثر من ألفي سنة، فيما عُرف بمشكلة الاستقراء
(Proglem of induction) حيث ابتدع منهجاً جديداً في المعرفة، مُقابل المنهجين الأرسطيّ والتجريبيّ، سمّاه المذهب الذاتيّ للمعرفة.
ولم ينطلق السيد الصدر في مُعالجة مشكلة الاستقراء من همّ فلسفيّ ومنطقيّ محض، كما فعل ديفيد هيوم أو برتراند رسل ورودولف كارناب وكارل بوبر وهانز ريشبناخ وغيرهم، بل من حيث كونه مهتمّاً بإصلاح العقيدة الإنسانيّة، في بيئة سيطرت عليها النزعة الإلحاديّة، وحاولت تصوير وجود تناقض جذريّ بين المنهج العلميّ - التجريبيّ والإيمان بالله.
هذا التحدّي الذي ما زال مطروحاً على شبابنا بقوّة في عالمنا المعاصر اليوم، في صدى نسمعه من كبار الملحدين، كعالم الفيزياء ستيفن هوكينج وعالم البيولوجيا التطوّريّة ريتشارد دوكنز. حيث يقول الأخير: «لقد طرد دارون الإله من البيولوجيا، ولكنّ الوضع في الفيزياء بقي أقل وضوحاً، ويُسدّد هوكينج الضربة القاضية الآن».
لقد استطاع السيّد الصدر، أن يُبرهن في دراسته نقطة في غاية الأهمّيّة من الناحية العقائديّة، وهي «أنّ الأسس المنطقيّة التي تقوم عليها كل الاستدلالات العلميّة المستمدّة من الملاحظة والتجربة، هي الأسس المنطقيّة نفسها التي يقوم عليها الاستدلال على إثبات الصانع المُدبّر لهذا العالم...
فالإنسان بين أمرين: فهو إمّا أن يرفض الاستدلال العلميّ ككلّ. وإمّا أن يقبل الاستدلال العلميّ ويُعطي الاستدلال الاستقرائيّ على إثبات الصانع القيمة نفسها التي يمنحها للاستدلال العلميّ».
وقد ارتأينا في مجلّة «مع الشباب»، أن ننشر الدليل العلميّ القائم على حساب الاحتمالات كما عرضه السيّد الصدر في كتابه: «المُرسِل والرسول والرسالة» مع بعض الاختصار والتصرّف، لأنّه يدخل في قلب ما يُعرف بالتّصميم الذكيّ.
تعريف الدليل العلميّ: هو كلّ دليل يعتمد على الحسّ والتجربة ويتّبع منهج الدليل الاستقرائيّ القائم على حساب الاحتمالات. وسنشرح أوّلاً خطوات هذا المنهج الذي نعتمد عليه في حياتنا اليوميّة، ويستخدمه العلماء في البحوث التجريبيّة، ثمّ ننظر هل يُمكننا تطبيق خطوات هذا الدليل على الظواهر الكونيّة، لنثبت وجود الصانع الحكيم؟ أم أنّ اتِّباعُ خطوات الدليل العلميّ تُوصلنا إلى أنّ الكون وُجد صُدفة ولا من شيء؟
يُمكن تلخيص هذا المنهج بخمس خطوات، هي:
أوّلاً: نُواجه في مجال الحسّ والتجربة ظواهر عديدة.
ثانياً: ننتقل بعد ملاحظتها وتجميعها إلى وضع فرضيّة صالحة لتفسير تلك الظواهر وتبريرها جميعاً، بمعنى أنّها إذا كانت ثابتة في الواقع فهي تتناسب مع وجود جميع تلك الظواهر التي هي موجودة فعلاً.
ثالثاً: نُلاحظ أنّ هذه الفرضيّة إذا لم تكن صحيحة في الواقع، ففُرصة وجود تلك الظواهر كلّها مجتمعة ضئيلة جدًّا، كواحد في المائة أو واحد في الألف وهكذا.
رابعاً: نستخلص من ذلك، أنّ الفرضيّة صادقة، ويكون دليلنا على صدقها وجود تلك الظواهر التي أحسسنا بوجودها في الخطوة الأولى.
خامساً: إنّ درجة إثبات تلك الظواهر للفرضيّة المطروحة في الخطوة الثانية، تتناسب عكسيّاً مع نسبة احتمال وجود تلك الظواهر جميعاً إلى احتمال عدمها على افتراض كذب الفرضيّة، فكلّما كانت هذه النسبة أقلّ كانت درجة الإثبات أكبر، حتّى تبلغ في حالات اعتياديّة كثيرة، إلى درجة اليقين الكامل بصحّة الفرضيّة.
تطبيق خطوات هذا الدليل على الظواهر الكونيّة:
الخطوة الأولى:
نُلاحظ توافقاً مطّرداً بين عدد هائل من الظواهر المنتظمة، وبين حاجة الإنسان ككائن حيّ وتيسير الحياة له، على نحوٍ نجد أنّ أيّ بديل لظاهرة من تلك الظواهر يعني انطفاء حياة الإنسان على الأرض أو شلّها.
فيما يلي نذكر عدداً من تلك الظواهر كأمثلة:
تتلقّى الأرض من الشمس كمّيةً من الحرارة تمدّها بالدف‏ء الكافي لنشوء الحياة وإشباع حاجة الكائن الحيّ إلى الحرارة، لا أكثر ولا أقلّ. وقد لُوحظ علميّاً أنّ المسافة التي تفصل بين الأرض والشمس، تتوافق توافقاً كاملًا مع كمّية الحرارة المطلوبة من أجل الحياة على هذه الأرض، فلو كانت ضِعْفَ ما عليها الآن، لَمّا وُجدت حرارة بالشكل الذي يُتيح الحياة، ولو كانت نصف ما عليها الآن، لتضاعفت الحرارة إلى الدرجة التي لا تُطيقها حياة.
ونُلاحظ أنّ قشرة الأرض والمحيطات تحتجز - على شكل مركّبات - الجزء الأعظم من الأوكسجين، حتّى إنّه يكوّن ثمانية من عشرة من جميع المياه في العالم، وعلى الرغم من ذلك ومن شدّة تجاوب الأوكسجين من الناحية الكيمياويّة للاندماج على هذا النحو، فقد ظلّ جزءٌ محدود منه طليقاً يُساهم في تكوين الهواء، وهذا الجزء يُحقّق شرطاً ضروريّاً من شروط الحياة، لأنّ الكائنات الحيّة، من إنسان وحيوان بحاجة ضروريّة إلى أوكسجين لكي تتنفّس، ولو قُدّر له أن يُحتجز كلّه ضمن مركّبات لَما أمكن للحياة أن تُوجد.
وقد لوحظ أنّ نسبة ما هو طليق من هذا العنصر، تتطابق تماماً مع حاجة الإنسان وتيسير حياته العمليّة، فالهواء يشتمل على 21% من الأوكسجين، ولو كان يشتمل على نسبة كبيرة لتعرّضت البيئة إلى حرائق شاملة باستمرار، ولو كان يشتمل على نسبة صغيرة لتعذّرت الحياة أو أصبحت صعبة، ولَما توفّرت النار بالدرجة الكافية لتيسير مهمّاتها.
ونلاحظ ظاهرةً طبيعيّةً تتكرّر باستمرار ملايين المرّات على مرّ الزمن، تُنتج‏ الحفاظ على قدر معيّن من الأوكسجين باستمرار، وهي أنّ الإنسان والحيوان عموماً، حينما يتنفّس الهواء ويستنشق الأوكسجين يتلقّاه الدم ويُوزّع في جميع أرجاء الجسم، ويُباشر هذا الأوكسجين في حرق الطعام، وبهذا يتولّد ثاني أوكسيد الكربون الذي يتسلّل إلى الرئتين ثمّ يلفظه الإنسان، وبهذا يُنتج الإنسان وغيره من الحيوانات هذا الغاز باستمرار، وهذا الغاز بنفسه شرط ضروريّ لحياة كلّ نبات، والنبات بدوره حين يستمدّ ثاني أوكسيد الكربون يفصل الأوكسجين منه ويلفظه ليعود نقيّاً صالحاً للاستنشاق من جديد.
وبهذا التبادل بين الحيوان والنبات أمكن الاحتفاظ بكمّية من الأوكسجين، ولولا ذلك لتعذّر وجود هذا العنصر وتعذّرت الحياة على الإنسان نهائيّاً. إنّ هذا التبادل نتيجة آلاف من الظواهر الطبيعيّة التي تجمّعت حتّى أنتجت هذه الظاهرة التي تتوافق بصورة كاملة مع متطلّبات الحياة.
ونلاحظ أنّ النتروجين بوصفه غازاً ثقيلًا أقرب إلى الجمود، يقوم عند انضمامه إلى الأوكسجين في الهواء بتخفيفه بالصورة المطلوبة للاستفادة منه.
ويلاحظ هنا أنّ كمّيّة الأوكسجين التي ظلّت طليقةً في الفضاء، وكمّيّة النتروجين التي ظلّت كذلك هما منسجمتان تماماً، بمعنى أنّ الكمّيّة الأولى هي التي يُمكن للكمّيّة الثانية أن تخفّفها، فلو زاد الأوكسجين أو قلّ النتروجين لَما تمّت عمليّة التخفيف المطلوبة.
ونلاحظ أنّ الهواء كمّيّة محدودة في الأرض، قد لا يزيد على جزء من مليون من كتلة الكرة الأرضيّة، وهذه الكمّيّة بالضبط تتوافق مع تيسير الحياة للإنسان على الأرض، فلو زادت نسبة الهواء على ذلك أو قلّت لتعذّرت الحياة أو تعسّرت، فإنّ زيادتها تعني ازدياد ضغط الهواء على الإنسان، الذي قد يصل إلى ما لا يُطاق، وقلّتها تعني فسح المجال للشُّهب التي تتراءى في كلّ يوم لإهلاك‏ من على الأرض واختراقها بسهولة.
ونلاحظ أنّ قشرة الأرض التي كانت تمتصّ ثاني أوكسيد الكربون والأوكسجين محدّدة على نحوٍ لا يُتيح لها أن تمتصّ كلّ هذا الغاز، ولو كانت أكثر سماكةً لامتصّته، ولهلك النبات والحيوان والإنسان.
ونُلاحظ أنّ القمر يبعُد عن الأرض مسافةً محدّدةً، وهي تتوافق تماماً مع‏ تيسير الحياة العمليّة للإنسان على الأرض، ولو كان يبعُد عنّا مسافةً قصيرةً نسبيّاً، لتضاعف المدّ الذي يُحدثه وأصبح من القوّة على نحوٍ يُزيح الجبال من مواضعها... وغير ذلك
من الظواهر التي لا تُعدّ ولا تحصى، والمثبتة بالتجربة في العلوم الطبيعيّة المختلفة.
الخطوة الثانية:
نجد أنّ هذا التوافق المستمرّ بين الظاهرة الطبيعيّة ومهمّة ضمان الحياة وتيسيرها في ملايين الحالات، يُمكن أن يفسّر في جميع هذه المواقع بفرضيّة واحدة، وهي أن نفترض صانعاً حكيماً لهذا الكون، قد استهدف أن يوفّر في هذه الأرض عناصر الحياة ويُيسّر مهمّتها، وهذه الفرضيّة تستبطن كلّ هذه التوافقات.
الخطوة الثالثة:
نتساءل: إذا لم تكن فرضيّة الصانع الحكيم ثابتةً في الواقع؟ فما هو مدى احتمال أن توجد كلّ تلك التوافقات بين الظواهر الطبيعيّة ومهمّة تيسير الحياة، من دون أن يكون هناك هدفٌ مقصود؟ من الواضح أنّ احتمال ذلك يعني افتراض مجموعة هائلة من الصُّدَف، لأنّ افتراض المشابهة في ألف صفة ضئيل بدرجة كبيرة في حساب الاحتمالات، فما ظنّك باحتمال أن تكون هذه الأرض التي نعيش عليها بكلّ ما تضمّه، من صُنع مادّة غير هادفة ولكنّها تُشابه الفاعل الهادف الحكيم في ملايين ملايين الصفات؟
الخطوة الرابعة:
نرجّح بدرجة لا يشوبها الشكّ أن تكون الفرضيّة التي طرحناها في الخطوة الثانية صحيحةً، أي إنّ هناك صانعاً حكيماً.
الخطوة الخامسة:
نربط بين هذا الترجيح وبين ضآلة الاحتمال التي قرّرناها في الخطوة الثالثة. ولمّا كان الاحتمال في الخطوة الثالثة يزداد ضآلةً كلّما ازداد عدد الصُّدف التي لا بدّ من افتراضها فيه - كما عرفنا سابقاً-، فمن الطبيعيّ أن يكون هذا الاحتمال ضئيلًا بدرجةٍ لا تُماثلها احتمالات الخطوة الثالثة في الاستدلال على أيّ قانون علميّ، لأنّ عدد الصُّدف التي لابدّ من افتراضها في احتمال الخطوة الثالثة هنا أكثر من عددها في أيّ احتمال مُناظر، وكلّ احتمال من هذا القبيل فمن الضروريّ أن يزول‏.