الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيديّ الأزديّ اليحمديّ، ولد في البصرة، سنة 100هـ/ 718م، وتوفي فيها سنة 170هـ/ 786م. كان فقيرًا صابرًا، متواضعًا، مغمورًا في الناس، عُرف بزهده حتى قيل إنّ بعض الملوك طلبه ليؤدّب له أولاده فأتاه الرسول، وبين يديه كسر يابسة يأكلها، فقال قل لمرسلك ما دام يلقى مثل هذه فلا حاجة به إليك، ولم يأتِ إلى الملك[1].
وهو يعدّ الفراهيديّ من الشخصيّات الرائدة في ميدان اللغة والأدب، لُقب بـ «شيخ النحاة»؛ لأنّه أوّل مَن هذّب النحو وتوسّع فيه وبيّن علله، ومنه أخذ «سيبويه»، و«النضر بن شميل»، و«علي بن نصر» وغيرهم.
تتلمذ الخليل الفراهيديّ إلى جانب يونس بن حبيب، وأبي محمّد علي بن المبارك الزيديّ على يد أبي عمرو بن العلاء، المعروف بكونه عَلَمًا في القراءة والعربيّة[2].
سيد أهل الأدب:
كان من أفضل الناس في الأدب، وقوله حجّة فيه، وهو أوّل من ضبط اللغة، وجمع ألفاظها وأحكامها، وقواعدها وشروطها، شبّه الخليل بن أحمد الفراهيديّ اللغة بــ «دار محكمة البناء عجيبة النظم والأقسام»[3].
ولذلك عُرف بأنّه سيّد أهل الأدب في تصحيح القياس، واستخراج مسائل النحو وتعليله[4].
قال السيرافيّ: «كان الخليل الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه»، وقال ابن النديم في الفهرست: «كان الخليل غايةً في استخراج مسائل النحو، وتصحيح القياس». ونقل ابن خلكان عن حمزة بن الحسن الأصبهانيّ أنّه قال: «صنع الخليل ما لم يصنعه أحد في تأليف كتاب العين الذي يحصر لغة أمّة من الأمم»[5].
وقال القلقشنديّ: «أوّل من عمل العروض الخليل بن أحمد، وهو أوّل من ضبط اللغة مرتّبةً على حروف المعجم...»[6].
ألّف الفراهيديّ أوّل معجم إحصائيّ شامل لمواد اللغة العربيّة، وهو كتاب العين. استخرج علم العروض، وحصر أقسامه في خمس دوائر يُستخرج منها خمسة عشر بحرًا. وضبط أوزان الشعر، ووقعها على المقاطع والحركات[7].
مؤلّفاته:
للخليل الفراهيديّ مجموعة من المؤلَّفات، أهمّها[8]:
كتاب «العين»: وهو أوّل معجم لغويّ شامل لألفاظ اللغة العربيّة، لم يُكتب له التداول بين النسّاخ والقرّاء لأسباب متعدّدة، أهمّها حملة التشكيك التي قادها أبو حاتم السجستانيّ وبالغ في ترويجها الأزهريّ.. فظلّ الكتاب مهملًا تقلّ نسخه جيلًا بعد جيل على الرغم من وجود نصّه في تهذيب الأزهريّ وبارع القالي وغيرهما من المعجمات[9].
وقد سمّى الفراهيديّ كتابه باسم أول حرف اعتمده وهو حرف العين، ثمّ جاء بعده من حذا حذوه، ومنهم تلميذه النّضر بن شميل الذي سمّى كتابًا له بـ «الجيم»[10].
لكتاب العين قيمة علميّة كبيرة؛ وقد اعتمد فيه الفراهيديّ منهجًا خاصًّا اتّسم بما بالآتي[11]:
رتّب المواد بحسب مخارجها.
نظّم الكلمات تبعًا لحروفها الأصليّة (الجذور) دون مراعاة الأحرف الزائدة فيها، أو الأحرف المنقلبة عن أحرف أخرى.
اتّبع نظام التقليبات الذي ابتدعه بنفسه.
جعل معجمه أقسامًا على عدد الحروف، وسمّى كلّ قسم أو كلّ حرف كتابًا، وبدأ معجمه بكتاب العين .
كان يأتي بالشواهد في معظم ما يفسّره، وكانت هذه الشواهد مستمدّة من القرآن و الشعر والحديث والأمثال.
ـ معاني الحروف
ـ جملة آلات العرب
ـ تفسير حروف اللغة
ـ كتاب العروض
ـ كتاب النقط والشكل
ـ كتاب النغم
ليس له مؤلّف في النحو، ولكن انتقلت كثير من آرائه النحويّة إلى تلامذته. ويمكن استنباط آرائه النحويّة من كتاب تلميذه سيبويه المعنوَن: «الكتاب»، فقد ذكره فيه 376 مرة. ويرى جمهور المحقّقين أنّ ما نوّه به سيبويه في كتابه بعبارة «سألته» إنّما هي راجعة إلى الخليل؛ لأنّ الخليل مؤسّس النحو العلميّ وواضع أسسه[12].
--------------------------
[1]- يراجع: الأمين، محسن: أعيان الشيعة، (لا ط)، دار التعارف، بيروت، (لا ت)، ج6، ص338.
[2]- يراجع: عكاوي، محسن:الخليل بن أحمد الفراهيديّ البصريّ صانع النحو وواضع العروض، ط1، دار الفكر العربيّ، بيروت، 2003م، ص 18.
[3]- يراجع: الأمين، محسن: مستدركات أعيان الشيعة، (لا ط)، دار التعارف، بيروت، 1409هـ ، ج5، ص148.
[4]- يراجع: زيدان، جرجي: تاريخ آداب اللغة العربيّة، راجعها وعلّق عليها: الدكتور شوقي ضيف، (لاط)، دار الهلال، (لام)، (لات)، ج2، ص 123.
[5]- يراجع: الأمين، أعيان الشيعة، (م. س)، ج1، ص163.
[6]- الجلالي، محمد حسين: فهرس التراث، ط1، (لا د)، (لا م)، 1422هـ، ج1، ص170.
[7]- يراجع: زيدان، (م.س)، ج2، ص 123.
[8]- يراجع: (م.ن)، (ص.ن).
[9]- يراجع: الفراهيديّ، الخليل بن أحمد: كتاب العين، تحقيق: د. مهدي المخزومي/ د. إبراهيم السامرائيّ، ط1، انتشارات اسوه، قم، 1414هـ ، ج1، ص 7.
[10]- يراجع: عكاوي، الخليل بن أحمد الفراهيديّ البصريّ صانع النحو وواضع العروض، (م.س)، ص 69.
[11]- يراجع: الزبيدي، محب الدين: تاج العروس، (لا ط)، دار الفكر، بيروت، 1414هـ، ج1، ص12
[12]- يراجع: الأمين، حسن: دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، ط5، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1418ه- 1997م، ج 10، ص403.