-----------

دمشق مدينة الهاشميين

{ سكينة حسن }

دمشق  مدينة الهاشميين

صباح الخير يا دمشق..

بل صباح الياسمين..

صباح الياسمين المنبعث عطرًا في الحارات القديمة والأسواق العتيقة وبين الباعة المتجوّلين..

صباح الياسمين إذا عانقت رائحة المطر مدينة الياسمين..

هل أسمّيكِ دمشق؟ أم أقول الشام، كما يحلو لأهلك أن يدلّلوكِ؟

ورغم دلالك لا تزالين عصيّةً على الطامعين..

لنا في الشام حكاياتٌ تُروى وتاريخٌ عريقٌ، بل وحاضرٌ مجيد.

لنا في الشام رجالٌ، منهم شاهدٌ وشهيد.

لنا في الشام بضعةٌ من خير خلق الله، زين أبيها، عقيلة الهاشميّين..

 دمشق، عاصمة الجمهوريّة العربيّة السوريّة، وهي إحدى أقدم مدن التاريخ التي ما زالت آهلةً بالسكان، كما دلّت عليه الحفريّات والتنقيبات الأثريّة التي أرجعت عمر الاستقرار البشريّ فيها إلى الفترة الواقعة قبل الألف السابع قبل الميلاد، أي ما يُعرف «بالعصر الحجريّ الحديث الأوّل»[1].

تقع في الجنوب الغربيّ من سوريا في سهلٍ خصبٍ يرويه نهر بردى، ويمتدّ جزءٌ منها على سفوح جبل قاسيون.

ثمّة أقوالٌ كثيرة في أصل اسم دمشق؛ إذ ذهب بعضهم إلى أنّه عربيّ، سمّيت به المدينة لأنّ أهلها «دمشقوا» في بنائها؛ أي أسرعوا، ومنهم من أعاد الاسم إلى اللغة اللاتينيّة، واشتقّه من «دومسكس» أي المسك والرائحة الطيّبة، وأرجعه آخرون إلى أحد أحفاد «سام بن نوح» واسمه «دماشق»، أمّا المؤرّخون اليونانيّون، فيرون أنّ أصل الاسم يعود إلى القائد اليونانيّ الذي أسّس المدينة، بينما يردّ بعض الباحثين الغربيّين الكلمة  إلى أصولٍ آراميّة، ومسندهم في ذلك ورودها بالهيروغليفيّة ومعناها «الحديقة الغنّاء». ولعلَّ أوفر النظريّات انتشارًا أنّ اللفظة ساميّة قديمة، ومعناها «الأرض المسقيّة»[2].

تُعرف دمشق أيضًا بأسماء عديدة منها: الشام، الفيحاء، مدينة الياسمين؛ وذلك لانتشار أشجار الياسمين في أحيائها بشكلٍ كبير.

وقد اقتصرت تسمية دمشق على المدينة القديمة حتى القرون الوسطى حين أخذت بالتوسّع شيئًا فشيئًا. كما أنّ لموقعها الجغرافيّ مكانةً كبيرة جعلها محطةً مهمّة في طريق القوافل التجاريّة، ومحورًا ذا شأنٍ في شبكة التجارة الدوْليّة.

دمشق في التاريخ:

تعاقبت على دمشق كثيرٌ من الحضارات، وقيل الكثير عن تاريخها الممتدّ من أقدم العصور حتى يومنا هذا؛ إذ أثبتت الحفريّات أنّه في مطلع الألف الثامن قبل الميلاد كانت دمشق مهد الثورة الزراعيّة؛ إذ ابتكرت المجتمعات الإنسانيّة فيها نمطًا اقتصاديًّا جديدًا؛ فتحوّلت من الاقتصاد الاستهلاكيّ القائم على التقاط الحبوب وصيد الحيوانات البرّيّة إلى إنتاج هذه الخيرات من خلال الزراعة والتدجين، وهذا ما سُمِّي «ثورة إنسان العصر الحجريّ الحديث». وما قبل تلك الفترة من الانقلاب الحضاريّ شديد الغموض في تاريخ المدينة؛ بل في تاريخ الشرق الأوسط عمومًا، وإن قيل إنّه قد عثر في هذه المنطقة القديمة إضافةً لآثار الإنسان العاقل على آثار لإنسان نياندرتال (إحدى التسميات للإنسان القديم). أمّا هذه الفترة فقد دلّت المكتشفات فيها على وجود حياة اجتماعية متكاملة[3].

تعود أقدم الوثائق التي ذكرت فيها دمشق إلى حوالي العام 2000ق.م حين كانت جزءًا من مملكة الهكسوس، كما أنّ ذكرها جاء أكثر من مرّة في النصوص المصريّة القديمة؛ حيث كانت تحت سيطرة ملك مصر القديمة حوالي سنة 1350ق.م. أمّا ظهورها بوصفها مدينة على جانبٍ من الأهمّيّة فيعود إلى المملكة الآراميّة حوالي القرن 12ق.م؛ إذ أسّس الآراميّون سلسلة ممالك متحالفةٍ كانت آرام دمشق إحداها.

على إثر الصراع بين الآشوريّين والآراميّين، تمكّنت الإمبراطوريّة الآشوريّة بحلول القرن 8ق.م من الاستيلاء على جميع الممالك الآراميّة بما فيها دمشق، التي كانت ناشطةً بوصفها مركزًا تجاريًّا وثقافيًّا، وموقعًا للقوافل التجاريّة، وبحلول سنة 600ق.م وقعت بأيدي البابليّين بقيادة نبوخذ نصّر، ثم الفرس الأخمينيّين، ومن بعدهم اليونانيّون بقيادة الإسكندر الأكبر. وفي عام 85 ق.م سيطر عليها الأنباط، وهم عرب في أصولهم؛ فانتشرت فيها اللغة العربيّة، لكنّ حكمهم لم يدم طويلًا، حتى أصبحت دمشق مستعمرةً رومانيّة، ثمّ خضعت للسيطرة البيزنطيّة حتى عام 627م، حين فتحها المسلمون، وقد أصبحت بعدها تحت سيطرة الأمويّين، فكانت عاصمة دولتهم والحاضرة الأهمّ في الشرق. وبعد طيّ صفحة الأمويّين، سيطر عليها العباسيّون، وتوالى عليها بعد ذلك الطولونيّون، ثمّ الأخشيديّون والحمدانيّون والفاطميّون والسلجوقيّون، ثمّ الدولة الزنكيّة وبعدها الدولة الأيوبيّة والمماليك.

وقد شهدت دمشق خلال هذه المراحل كلّها الحروب والثورات والفتن، بل وحتى الطاعون، إلى أن استولى عليها السلطان سليم الأوّل العثمانيّ، فحكمها الأتراك بالحديد والنار وعاثوا فيها فسادًا وظلمًا، حتى ارتفع العلم العربيّ فوقها بعد الثورة العربيّة الكبرى. لكنّ الحكم المستقلّ لم يدم طويلًا؛ فوقعت تحت نير الانتداب الفرنسيّ. وعلى إثر الثورة السوريّة الكبرى استعادت وجهها العربيّ ودخلت عهدها المستقل الحديث[4].

معالم دمشق:

تعتبر المدينة القديمة الجزء التاريخيّ للعاصمة السوريّة، وهي محصورة بسورٍ داخليّ له أبوابٌ عشرة. تمتاز بكثير من المعالم التاريخيّة والسياحيّة والدينيّة؛ إذ تضمّ ما يزيد على مئة موقعٍ أثريّ. وقد سُجِّلت عام 1979م على قائمة التراث العالميّ، من أبرز معالمها:

مقام السيّدة زينب (ع):

زينب بنت علي بن أبي طالب، أمّها فاطمة الزهراء (ع). جاءت مع زوجها إلى الشام في أيّام حكم عبد الملك بن مروان سنة المجاعة، فتوفّيت ودُفنت فيها. يقع المقام في الجهة الشرقيّة الجنوبيّة على بعد 7كلم عن مدخل دمشق، وقد أصبحت المنطقة كلّها تُعرف باسم «السيدة زينب (ع)». تبلغ مساحته 15ألف م2، ويتكّون من صحنٍ واسعٍ له مدخلان، ويتوسّطه الحرم. أمّا الضريح المقدّس فهو من طراز الدرابزون ذي الحلقات الصغيرة، مصنوعٌ من الفضّة الخالصة، وفي داخله صندوقٌ خشبيّ من خشب الأبنوس المقطّع كالفسيفساء والمطعّم بالعاج وأسلاك الذهب، ويعدّ من أجمل التحف الفنيّة. والمقام ذو قيمةٍ تاريخيّة ومعماريّة ضخمة إضافةً إلى قيمته المعنويّة عند المسلمين؛ حيث يزوره مئات الآلاف سنويًّا من مختلف الأقطار الإسلاميّة خاصّة في المواسم الدينيّة.

مرقد السيّدة رقيّة (ع):

بنت الإمام الحسين (ع)، عاينت كربلاء، وكانت مع ركب السبايا اللاتي أُخذن إلى الشام؛ حيث تمّ إسكانهنّ في خربةٍ. وفي إحدى الليالي رأت السيدة رقيّة أباها في المنام، فاستيقظت باكيةً تطلبه، فجيء لها برأس والدها، فاعتنقته حتى فارقت الحياة. دُفنت في حيّ العمارة، على بعد حوالي 100متر من المسجد الأمويّ. يعود تأسيس المقام إلى سنة526ه على يد أحد السلاطين الأيوبيّين، وله قيمةٌ أثريّة عالية، حيث تقصده الوفود الأجنبيّة للاطّلاع على فنون العمارة والتراث الإسلاميّ، ولكنّ قيمته الأثريّة الضخمة لا تعادل قيمته الدينيّة؛ إذ يستقطب آلاف الزوّار يوميًّا من مختلف الدول العربيّة والإسلاميّة.

المسجد الأمويّ: يقع وسط مدينة دمشق القديمة، وهو من أفخم المساجد، يحتوي على مدفن رأس النبي يحيى (يوحنا المعمدان)، كما يحتوي على المكان الذي وضع فيه رأس الإمام الحسين (ع) حين حُمل إلى دمشق.

مقبرة باب الصغير: من أقدم مقابر دمشق. تقع بالقرب من البوابة القديمة التي تسمّى «باب الصغير»، وتعود أهمّيّتها إلى قبور أولاد الأئمة وبعض الصحابة والتابعين، منهم سكينة بنت الإمام الحسين، فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين (ع)، حميدة بنت مسلم بن عقيل، قبر منسوب لبلال الحبشيّ، فضّة خادمة السيّدة الزهراء.

وإلى جانب باب الصغير هناك مزارٌ لمدفن رؤوس عددٍ من شهداء كربلاء، وله صحنٌ على حدة منفصلٌ عن المقبرة، وإلى جانبه مسجد الإمام زين العابدين، حيث أقامت سبايا كربلاء حين جيء بهنّ إلى دمشق.

قصر العظم: أحد أهم القصور التي شُيّدت في الفترة العثمانيّة وأجملها، حيث يعدّ نموذجًا فريدًا للعمارة الإسلاميّة، وأحد أفضل نماذج البناء الشاميّ القديم بحجارته الملوّنة، وأقسامه وحدائقه الداخليّة ونوافير المياه فيه. تمّ افتتاحه عام 1953م

متحفًا للتقاليد الشعبيّة بعد تجهيز عدّة قاعاتٍ تعرض العادات والتقاليد السوريّة.

البيت العربيّ الدمشقيّ: من أشهر المعالم الجماليّة للمدينة القديمة، يتميّز بساحة المنزل غير المسقوفة التي تتوسّطها بحيرة، أمّا غرف المنزل فتلتفّ حول الساحة. ويتكوّن غالبًا من أكثر من طابق، وتزيّنه الأزهار والأشجار.

الأسواق: تتميّز دمشق بنمطٍ معماريٍّ تقليديٍّ من الأسواق المسقوفة، أشهرها سوق الحميديّة، سوق مدحت باشا، البازوريّة والحريقة، وهي ذات أهمّيّةٍ تراثيّة كبيرة وأحد شرايين المدينة الاقتصاديّة.

يذكر أنّ دمشق تحتوي على 172حديقة عامّة، كما تضمّ 200مسجد، و36 كنيسة، وعشرة كنائس يهوديّة. وتعدّ مقرًّا دائمًا لثلاثة صروح بطريركيّة إنطاكيّة، أبرزها: الكنيسة المريميّة وكنيسة الزيتون.

وتضمّ عددًا كبيرًا من مدافن المفكّرين والعلماء، إضافةً إلى القادة العظماء. منها: محيي الدين بن عربي المدفون على سفح جبل قاسيون. والمعلّم الأوّل الفارابيّ.

متحف دمشق التربويّ: يحتوي ثلاثة أقسام: القسم الأوّل صالة عرض سينمائيّة يتمّ فيها عرض أفلامٍ وثائقيّة وبرامج علميّة. القسم الثاني يحتوي على أجسام محنّطة لحيوانات البيئة الأفريقيّة، وفي القسم الثالث وسائل تعليميّة جُمعت من مدارس دمشق ومراكز علميّة وثقافيّة.

ولدمشق وجه ثقافيّ وعلميّ بارز، وفيها العديد من الصروح الثقافيّة، وقد اختيرت عاصمةً للثقافة العربيّة عام 2008م. وصُنّفت دمشق عام 2010 أحد أهمّ المقاصد السياحيّة في العالم.

-------------------------------

[1]- يراجع: علي القيّم، دمشق أقدم مدينة في التاريخ، ندوة آذار الفكريّة في مبنى الأسد، دمشق، سورية، 1991م.

[2]  يراجع: جوزيف كلّاس، دمشق الفيحاء، الأمانة العامة لاحتفاليّة دمشق عاصمة للثقافة العربيّة، دمشق، 2008م، ص50.

[3] - يراجع: علي القيّم، دمشق أقدم مدينة في التاريخ/ ندوة آذار الفكريّة في مبنى الأسد/ دمشق، سورية، 1991م، نسخة إلكترونيّة.

[4]-  يراجع: محمد كرد علي، دمشق مدينة السحر والشعر، لاط، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، مصر، 2013م، ص11.