-----------

ارسم صورتك الحقيقية...

{ آلاء شمس الدين }

ارسم صورتك الحقيقية...

تساعدنا الحياة على الشبكات الاجتماعيّة الصاخبة على غرار Instagram وfacebook وtwitter وsnapchat في التحكّم بالصورة التي نقدّمها للآخرين عن ذواتنا. ومن السهل جدًا أن تتظاهر بكلّ ما هو إيجابيّ، على الرغم من أنّ ذلك ليس صحيحًا.

كانت الفكرة التي بُني عليها إنستغرام في بداياته عبارة عن قطع جزء صغير من صورة كاملة، والتركيز على تفاصيلها والمعنى الجماليّ فيها، وقد تحوّل إلى منصّة لعرض “الجمال والكمال”.

بشكلٍ تلقائيّ لا يمكن أن ينقل الحائط الإلكترونيّ تفاصيل ما يجري في الحقيقة بدقّة. عادةً ما يميل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعيّ إلى إضفاء لمسات تجميليّة لحياتهم بدرجات مختلفة، بعضهم قد يقتصّ التفاصيل التي لا يريد لأحد معرفتها وينشر ما يودّ أن يعرفه الآخرين فقط، ويفرط بعضهم في الحكاية عن حياته الشخصيّة إلى درجة تثير العجب، وينقل بعضٌ آخر منهم صورًا غير حقيقيّة ومنافية للواقع تمامًا.

إنّ غالبية الأشخاص في الواقع لا يتمتّعون بالسعادة نفسها التي تظهر في صورهم الباسمة على فيسبوك وإنستغرام. وهذا ما تؤيّده منظّمة «National Alliance of Mental Illness» المختصّة بالصحّة العقليّة، والتي تقول إنّ واحدًا من كلّ خمس أشخاص يعاني من مشاكل في الصحّة الذهنيّة. وبحسب الباحث جورج نيتزبرغ، فإنّ الخطر الحقيقيّ لوسائل التواصل الاجتماعيّ يكمن في «المقارنات الاجتماعيّة» التي نخوضها عندما نقارن حياتنا ومظهرنا بما يظهره الآخرون عن حياتهم ومظاهرهم، وشعورنا بأنّ غيرنا ينعم بالسعادة أكثر منّا.

إذًا تُظهر وسائل التواصل الاجتماعيّ صورة «مثاليّة» عن حياتنا وأنفسنا. لكن، ماذا عن الحقيقة التي تُخفيها؟

سألت مجلّة «مع الشباب» الدكتور طلال عتريسي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانيّة عن المثاليّة على المواقع التواصل الاجتماعيّ. فكان الحوار الآتي:

ما الذي يدفع الشباب إلى تشكيل هويّة رقميّة مثاليّة؟

إنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ هي أهمّ تقنيّة في هذا العصر للتواصل وتقديم أجمل صورة عن الذات. وتغلب على مواقع التواصل الاجتماعيّ الطريقة المثاليّة في تقديم الذات؛ حيث يقوم المستخدم بوضع أجمل صورة له بمنظوره الشخصيّ، يصوّر نفسه في أماكن مختلفة، يضع صورًا للطعام في المطعم، أو صورًا له في إحدى الدول الأجنبيّة، أو صورًا له في العمل. والهدف من هذه الصور هو أن يبرز الشخص  أهمّيّته وذاته، ويشبع «الأنا» لديه. هذه «الأنا» لا تعلم كيف تبرز في الحياة الواقعيّة بسبب العوائق والموانع التي تحيط الشاب في الحياة الواقعيّة. أمّا في العالم الافتراضيّ فلا أحد يمنعه من إبراز ذاته وأناه.

يتوقّع الفرد من تشكيل هويّة مثاليّة أن يكوّن الآخرون صورة إيجابيّة عنه، فيقوم بتحديث صوره على المنصّات الاجتماعيّة بشكل  دائم، فهو يعيش في عالم افتراضيّ متواصل، ويراقب تزايد عدد المعجبين على صوره، وكلّما ازداد عدد المعجبين شعر بأهمّيّته أكثر. إنّه وهم، هذا الشعور مزيّف، فثمّة جزء كبير من المعجبين على مواقع التواصل الاجتماعيّ يضغطون زر الإعجاب للمدارة والتزلّف فقط.  الواقع هو الواقع، لا يتغيّر بازدياد عدد المعجبين على المنصّات الافتراضيّة.

ما هو الأثر النفسيّ للمثاليّة على المنصّات الافتراضيّة؟

تكمن خطورة المثاليّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ في أنّها قد تشكّل انفصامًا في الشخصيّة؛ فالإنسان يعيش عالمين متناقضين، عالم افتراضيّ يكون حاضرًا فيه، فيقدّم صورة نموذجيّة عن نفسه. وعالمٌ حقيقيّ يكون فيه شخصًا عاديًّا، مثله مثل الملايين غيره.  

بعد المراقبة، فإنّ ثمّة انطباعًا سلبيًّا عن الشخص الذي ينشر صوره وتفاصيل حياته الشخصيّة من العمل والعائلة والطعام والسفر، فالآخر الذي يشاهد ويراقب منصّات التواصل الاجتماعيّ، ينظر باستخفاف للمثاليّة المعروضة على هذه المنصّات. كما يشعر  بأنّ ثمّة نوعًا من الكذب والتباهي وفرض الذات على الآخرين الموجودين على المنصّات الافتراضيّة، وقد يشعر بعضهم بالإحباط، عندما يقارن حياته الواقعيّة بحياة الآخرين الافتراضيّة.

 تؤثّر هذه الوسائل على قناعات الأفراد أيضًا، فيتحقّق الرضى عن الذات من خلال تظهير صورة مثاليّة، وليس من خلال الإنجاز بالحياة الواقعيّة، كالتحصيل العلميّ، التصالح مع الذات، تشكيل أسرة مستقرّة، والالتزام الخلقيّ. وبالتالي تصبح معايير الحياة الناجحة هي معايير افتراضيّة وهميّة، فيختلّ التوازن القيميّ عند الأفراد.  ويتحوّل الهدف إلى هدف وهميّ.

ما هو الأثر الاجتماعيّ للمثاليّة الافتراضيّة؟

 تضغط  وسائل التواصل الاجتماعيّ الأفراد بشكل كبير، ما قد يؤدي إلى الانفجار، فيعيش الفرد في حالة من القلق والضياع وعدم الإنتاجيّة والتوتر. فالحضور على مواقع التواصل الاجتماعيّ لساعات طويلة أمر مقلق وخطير، 90% من الوقت الضائع على مواقع التواصل الاجتماعيّ هو وقت مهدور دون فائدة، وهذا الأمر لا يقتصر على الدول العربيّة وإنّما ينتشر في العالم كلّه. يهدِر هذا الوقت الطويل على مواقع التواصل الاجتماعيّ حياةَ الشباب. فهذه الوسائل هي عوالم مفتوحة لا نهاية لها، تأخذ المستخدم من عالم إلى عالم من دون أن يشعر بالوقت، وبما أنّ عمر الشباب هو العمر الذي يراكم فيه الفرد إنتاجاته على كافّة الأصعدة المعرفيّة والأخلاقيّة والثقافيّة والفكريّة، فإنّ خطر هذه الوسائل يكمن في أنّها تجعل الشباب ضائعًا، يخرج من عمر الشباب دون تشكيل هويّة خاصّة به، ودون أنّ يكوّن أيّ انتماء أو ثقافة خاصّة به، وذلك بعد أنْ أهدر عمره على المنصّات الافتراضيّة. والشباب هم قوّة المجتمع الاستراتيجيّة، وإذا كانت هذه القوّة فارغة من الداخل  تصبح المجتمعات كلّها بخطر.

نصيحة للشباب: كيف نستخدم هذه الوسائل؟

لا يوجد قواعد ثابتة في هذا المجال. نصحت بعض الأفراد بالابتعاد على المستوى الشخصيّ عن هذه الوسائل، فإذا انقطع الفرد عن مواقع التواصل الاجتماعيّ لا يخسر أيّ شيء، بل يصبح أكثر إنتاجيّة في الحياة الواقعيّة،  ويعيش حياة هادئة دون أيّ ضغط مفتعل.

علينا أن ندرك أنّ التكنولوجيا مهمّة وتسهّل الكثير من الأمور، ولكن ليس كلّ اختراع مهمّ ومتطوّر يجب أن نستخدمه 24 ساعة، أو نستخدمه للتباهي. إنّ هذه الوسيلة المهمّة لا بدّ أن يكون استخدمها لاحتياجات وفوائد محدّدة. وإذا اقتنع الشباب بالحاجة إلى استخدام هذه الوسائل تتغيّر الكثير من سلوكيّاتهم على هذه الوسائل.

يا شبابنا الأعزاء...حدّدوا  ماذا تريدون من هذه الوسائل، لماذا تستخدمونها؟ حدّدوا الوقت والمكان والحاجة لاستخدامها، فأنتم مَن تتحكّمون بها، أنتم الأقوياء، لا سلطة لمواقع التواصل الاجتماعيّ على أحد. ابحثوا عن البدائل، فهي الحلّ. ابحثوا عن هوايات تمارسونها مثل: الرياضة، القراءة، الكتابة، اسعوا لتنمية مهاراتكم، ونظّموا وقتكم...

قد لا يكون الأمر سهلًا في البداية، وقد يتطلّب جهدًا وسعيًا لخلق عادات جديدة.