-----------

التربية الاجتماعية

{ أسرة التحرير }

التربية  الاجتماعية

أولًا: معنى التربية

ورد في معنى التربية تعريفات عديدة، أبرزها:

1.  رَبَا الشّيءُ، بمعنى: زاد ونما[1]. وارتفع وعلا[2].

2. من ربَّ يرُبُّه ربًّا: مَلَكَه[3].

3. رَبَوْتُ في بَني فلان أَرْبُو نَشَأْتُ فيهِم[4]. ومنها قول النبي: «ربيت في بني سعد بن بكر»[5]. وقد تبنّى العديد من علماء اللغة هذا الرأي، يقول ابن سيْده في معنى الربّ: «أصله في الاشتقاق من التَّرْبية، وهي التَّنْشِئة، ... وقيل للمالك رَبُّ لأنّه يملك تَنْشِئةَ المَرْبُوب... ومنه ربّان السفينة، لأنّه ينشِئُ تدبيرها ويقوم عليها[6].

وتُستعمل مفردة التربية في العلوم المعاصرة بأحد معنيين:

الأوّل: التربية بالمعنى الأعمّ:

وتشمل تربية الإنسان في مختلف جوانب شخصيّته وأبعاد حياته، و«تتضمّن كلّ عمليّة تساعد على تشكيل عقل الفرد وخُلُقه وجسمه»[7].

الثاني: التربية بالمعنى الأخصّ: 

و«تعني غرس المعلومات والمهارات المعرفيّة من خلال مؤسّسات معينة أنشأَت لهذا الغرض كالمدارس مثلًا»[8]. وهي بهذا المعنى ترادف معنى التعليم وتنمية الجانب العقليّ والمعرفيّ والمهاراتيّ. وقد يعبّر عن التربية بمعناها الخاصّ بـ: schooling أو التمدرس.

ثانيًا: معنى المجتمع

يُقصد بالمجتمع مجموعة الأفراد الذين يعيشون في حيّز جغرافيّ واحد، ويرتبطون في ما بينهم بعلاقات خاصّة في ضوء قوانين وقيم وأعراف وعادات وتقاليد متّفق عليها، ويشكّلون بتعاونهم وتقاسم الأدوار والوظائف بينهم، وحدةً منظَّمة متفاعلة، تمكّنهم من الوصول إلى أهدافهم، وإشباع حاجاتهم، وتأمين متطلّباتهم بدرجة كبيرة. وتختلف صور المجتمعات بساطة وتعقيدًا وسعة وضيقًا في ما بينها منذ فجر تاريخ البشريّة حتّى اليوم، وتمتاز المجتمعات الحديثة بأنّها معقّدة التركيب ومتداخلة البُنى، بسبب التغيّرات والتحوّلات التي عصفت بالمجتمع البشريّ بشكل عامّ، حيث إنّه ثمّة تصنيفات كثيرة لتشكيلات الوحدات الاجتماعيّة، كالمجتمع الافتراضيّ المتمثّل بعالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والمجتمع الواقعيّ المتمثّل بأشكال متعدّدة من المجتمع العالميّ أو ما يُصطلح عليه بالقرية الكونيّة الواحدة، والأسرة، والقرية، والمدينة، والحيّ، والمدارس، والأندية الرياضيّة... إلخ من منظّمات المجتمع الأهليّ والمدنيّ ومؤسّساته المختلفة.

فما هو المقصود من مصطلح التربية الاجتماعيّة؟

يُقصد بالتربية الاجتماعيّة عمليّة الانتقال التدريجيّ بالإنسان من مجرّد موجود بيولوجيّ إلى كائن اجتماعيّ في ضوء النظام الاجتماعيّ الدينيّ الذي ينتمي إليه وهو الإسلام، من خلال إكسابه مفاهيمه وقيمه وتشريعاته وآدابه وأعرافه المرغوب فيها، وتعويده إيّاها، ليحظى باعتراف الجماعة به بوصفه عضوًا فيها، ويتمكّن من التفاعل الإيجابيّ مع الآخرين والاندماج الحيويّ داخل الوحدات الاجتماعيّة المختلفة، والمساهمة في بنائها وإصلاحها وحركة تقدّمها وازدهارها.

 وينشأ الفرد في حضن هذه البيئة المجتمعيّة العامّة بألوانها المختلفة وبناها المتنوّعة، ويعايش كلّ قيمها وقوانينها وعاداتها...، ويعاين تعقيداتها ومشكلاتها وما تحتويه من اختلافات، بل تناقضات في الأفكار والمفاهيم والمشاعر والممارسات.... وهذه الشراكة الفوضويّة بين تلك الجماعات النوويّة والممتّدة عموديًّا وأفقيًّا في المجتمع، والدور الذي يؤدّيه كلّ منها سلبًا أو إيجابًا في بناء شخصيّة الفرد والتأثير فيها... تجعل عمليّة بناء هويّة الفرد في البعد الاجتماعيّ من أهمّ ألوان التربية المضافة حساسيّة وخطورة.

وبهذا يظهر التقارب والتداخل بين مصطلحي التربية الاجتماعيّة والتنشئة الاجتماعيّة Socialization، أي «العمليّة التي تتشكّل من خلالها معايير الفرد ومهاراته ودوافعه واتجاهاته وسلوكه... لكي تتوافق وتتّفق مع تلك التي يعتبرها المجتمع مرغوبة ومستحسنة»[9].

-----------------------------

[1]- يراجع: الفراهيديّ، أحمد بن خليل: العين، ط2، مؤسسة دار الهجرة، إيران، 1409هـ ، ج8، ص283.

[2]- يراجع: ابن فارس، أحمد بن زكريا: معجم مقاييس اللغة، (لا ط)، مطتب الإعلام الإسلامي، (لا م)، 1404هـ، ج2، ص483.

[3]- يراجع: الفراهيديّ، كتاب العين، (م.س)، ج8، ص256.

[4]- يراجع: ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، (لا ط)، نشر أدب الحوزة، 1405هـ، ج14، ص306.

[5]- المفيد، محمد بن محمد: الاختصاص، (لا ط)، منشورات جماعة المدرسين، قم، (لا ت)، ص187.

[6]- يراجع: ابن سيده، علي بن إسماعيل: المخصص، (لا ط)، دار إحياء التراث العرربي، بيروت، (لا ت)، ج5، ص155.

[7]- مرسي، محمد منير: أصول التربية، ص8.

[8]- مرسي، محمد منير: أصول التربية، (م.س)، ص8.

[9]- العيسوي، عبد الرحمن: سيكولوجية التنشئة الاجتماعيّة، ص207.