-----------

التحدّيات الكونيّة: هل نحن وحدنا؟

{ د. باكروم سعيد }

التحدّيات الكونيّة: هل نحن وحدنا؟

كثيرة هي الأمور التي كانت إلى وقت قريب، لا تفتح باب التخمين إلّا نادرًا، ولكن مع بزوغ فجر رقميّ حوّل وجه العالم، أصبح الإنسان يطرح أسئلة فرضتها الاختراعات اليوميّة.

 نحن نعيش عصرًا يطرح تحدّيات متنوّعة، ولعلّ من أهمّها التحدّيات الكونيّة، فهل يوجد كون واحد أم أكوان متعدّدة؟ سؤال ونظريّة ستجيبنا عنه السنوات المقبلة.

يرى مارتن ريز بأنّ ْ التحدّي الاستكشافيّ الأهمّ في الخمسين سنة المقبلة لا يتمثّل في العلوم الطبيعيّة، ولا في علم الأحياء (الأرضيّ)، بل يتمثّل في البحث عن أدلة قويّة تؤكّد أو تنفي وجود مخلوقات ذكيّة خارج الكرة الأرضيّة، يقول: «في اعتقادي أنّه بحلول سنة 2050، ستكون مفاجأة إن لم نفهم كيف بدأت الحياة على الأرض. سنكون حينئذ قادرين ـ حتى دون أدلّة خارج أرضيّة مباشرة ـ على تفسير نشوء حياة من نوع أساسيٍّ ما على أسطح الكواكب الأخرى. ولكن هذا يترك سؤالًا آخر مفتوحًا يمكن أن تتبيّن صعوبة الإجابة عن، وهو: لو أنّ حياة بسيطة نشأت، فما احتمالات عدم تطوّرها إلى شيء ندركه على أنّه ذكيّ؟»[1].

وللتحقّق من ذلك سيتمّ إرسال أسطول من المجسّمات الفضائيّة إلى المريخ في العقد القادم؛ وذلك لدراسة سطحه والعودة بعيّنات منه في النهاية إلى الأرض. وهناك خطط أطول مدًى للبحث في أماكن أخرى في مجموعتنا الشمسيّة باستخدام مجسّمات فضائيّة روبوتيّة، منها الغلاف الجويّ للقمر العملاق «تيتان» التابع لكوكب زحل، والمحيطات التي يكسوها الجليد على سطح قمر أوروبا. وبالتالي حسب مارتن، فإذا كشف أيّ من هذه الأجهزة عن وجود حياة، حتى في أبسط صورها، نشأت نشأة مستقلة في مكان ثانٍ في الكواكب التابعة لمجموعتنا، فهذا يعني أنّ حياة بسيطة لا بدّ وأن تكون منتشرة في المجرة وما وراءها، يقول مارتن معلّقًا على ذلك: «لا أحد يتوقّع الآن وجود حياة «متقدّمة» في مكان آخر في مجموعتنا الشمسيّة، ولكن شمسنا مجرّد نجم واحد من مليارات النجوم في مجرة الطريق اللبنيّ وحدها. أيمكن للكواكب التي تدور في فلك النجوم الأخرى أن تؤوي صور حياة أكثر تشويقًا وإثارة للاهتمام من أيّ شيء قد نجده على المريخ؟ بل هل يمكن أن تكون مأهولة بكائنات يمكننا أن نعدّها ذكيّة؟ حتى وإن كانت الحياة البدائيّة شائعة في عموم الكون، إلا أنّ ظهور حياة متقدّمة قد لا يكون شائعًا. وأعتقد أنّ اللاأدريّة
(Agnost icism)  مذهب فلسفيّ يعتبر أنّ القيمة الحقيقيّة للقضايا الدينيّة أو الغيبيّة غير محدودة، ولا يمكن لأحد تحديدها ـ هي الموقف المنطقيّ الوحيد حيال هذه القضيّة في الوقت الحاليّ. فليس لدينا معرفة كافية عن منشأ الحياة كي نحكم إذا كان وجود كائنات فضائيّة ذكيّة أمرًا محتملًا أم لا»[2]. يبقى الأمر متوقّفًا على كلّ ما يسفر عنه المستقبل.

التوصّل إلى ذلك ليس سهلًا؛ إذ ذكر مارتن أنّ محاولات البحث عن إشارات قادمة من كائنات فضائيّة ذكيّة قد لاقت

صعوبة شديدة في الحصول على تمويل حكوميّ، حتى على مستوى الإيرادات الضريبيّة من أحد أفلام الخيال العلميّ؛ لأنّ هذا الموضوع يرتبط في الذهن بأشياء غريبة مثل: الأطباق الطائرة وغيرها. ولكن لحسن الحظّ أنّ الجهود الرائدة التي يبذلها معهد «البحث عن حياة خارج الأرض» في كاليفورنيا تواصل توسّعها مدعومة بتبرّعات ضخمة من جهات خاصّة صاحبة رؤية.

وإنّ فشل محاولات البحث لا يعني بالضرورة أنّه لا توجد صور أخرى من الحياة الذكيّة، فربما تكون هناك حيوات تأمّليّة متفوّقة، ولا تفعل شيئًا لتكشف عن وجودها. من ناحية أخرى يرى مارتن أنّه «سيعظم احترامنا لذاتنا كونيًّا إذا كان كوكبنا الأرض الصغير موطنًا فريدًا من نوعه للحياة الذكيّة؛ إذ إننا سننظر إليه ـ منصفين ـ من منظور كونيّ أقلّ تواضعًا مما كان سيستحقّه لو كانت المجرة تعجّ بصور الحياة المعقّدة»[3].

وعلى الرغم من ذلك يرى مارتن أنّه التحدّيات المتمثّلة في تأكيد بعض هذه التكهّنات خلال الخمسين سنة المقبلة ستبدو أقلّ تثبيطًا إذا أعدنا النظر فيما تحقّق في القرن العشرين، فمنذ مئة سنة كانت أسباب سطوع النجم تمثّل لغزًا، علاوة على ذلك لم يكن لدينا أيّ مفهوم يخصّ شيئًا يتجاوز الطريق اللبنيّ الذي كان يفترض أنّه نظام ساكن. أمّا في العقود الثلاثة الماضية، فقد أرسلت إلينا مجسماتنا الفضائيّة صورًا من كواكب مجموعاتنا الشمسيّة كافة، ومكّنت التلسكوبات العملاقة الفلكيّين من النظر إلى الفضاء نظرة أكثر عمقًا مما كانت عليه سابقًا، يقول مارتن معلقًا على ذلك: «أثارت هذه التقدّمات احتمالًا مدهشًا، وهو أنّ ما نسميه كوننا ربما لا يكون حقيقة بكلّ ما في الكلمة من معنى. فقد توصّل المنظّرون من قبل إلى سيناريوهات توضيحيّة تصوّر أكوانًا متعّددة بناء على افتراضات محدّدة بوضوح ولكنّها نظريّة»[4].

هذه التخمينات لن تبقى هكذا؛ إذ من الممكن التوصّل يومًا إلى نظريّة مقنعة تقول لنا ما إذا كانت هناك أكوان متعدّدة أم لا، وإذا ما كان بعض ما يسمى قوانين الطبيعة مجرّد قوانين داخليّة محدودة في رقعتنا الكونيّة. حتى قبل أن نتوصل إلى هذه النظريّة، يمكننا اختبار ملاءمة «الانتخاب الإنسانيّ» بطرح سؤال عمّا إذا كان كوننا الفعليّ نموذجًا للمجموعة الفرعيّة لا في مجموعة الأكوان المتعدّدة التي يمكن أن نكون نشأنا فيها.

أخيرًا يؤكد مارتن أن ما أطلقنا عليه تقليديًّا اسم الكون، ربما هو نتاج انفجار كبير واحد ضمن أكوان أخرى عديدة، وبعبارة أكثر دقّة يمكن القول إنّ مجموعتنا الشمسيّة مجرد مجموعة واحدة من بين أنظمة كوكبيّة كثيرة في المجرّة. فكما أن نمط البلوّرات الثلجيّة على بركة متجمّدة مصادفة تاريخيّة، وليس نتيجة خاصّيّة أساسيّة من خواص الماء، كذلك بعض ثوابت الطبيعة الظاهريّة. ومن ثمّة فالبحث عن صيغ دقيقة لما نسمّيه عادة ثوابت الطبيعة ربما يكون عقيمًا وضالًّا.

-------------------------------

[1]- الخمسون سنة المقبلة مستقبل اللوم خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين، تحرير جون بروكمان، ترجمة فاطمة غنيم، ط1، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث والمجمع الثقافيّ، 2009م ص 24 .

[2]- الخمسون سنة المقبلة مستقبل اللوم خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين (م.س)، ص 24 - 25.

[3]- الخمسون سنة المقبلة مستقبل اللوم خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين (م.س)، ص25.

[4]- (م.ن)،ص 26 .