-----------

إدارة الحوار ومهارات الإقناع

{ محمد حسن }

إدارة الحوار ومهارات الإقناع

لقد أقنعني بسهولة... لِمَ لا أملك هذه القدرة؟ هل يولد الناس مع قدرة سحريّة على الإقناع أم أنّها مهارات يُمكن العمل على اكتسابها؟

بعد دراسة القادة ـ السياسيّين والاجتماعيّين ورجال الأعمال ورجال الدين ـ الأكثر نفوذًا حول العالم، تمّ تحديد بعض المبادئ التي قد تفيد في وضعك على السكّة الصحيحة لاكتساب مهارات فعّالة في الإقناع وإدارة الحوار. وقد تختلف هذه المبادئ من كتاب لآخر ومن مقالة لأخرى، وهذا طبيعيّ ضمن العلوم الإنسانيّة التي تخضع بشكل كبير لذاتيّة الكاتب، مهما حاول أن يكون موضوعيًّا. ولكن في هذه المقالة، اخترنا لكم عشرة مبادئ نجد أنّها عملّية وقابلة لوضعكم على خارطة الطريق الصحيح في هذا المجال.

أوّلًا: الأساسيّات

1ـ الإقناع لا يعني التلاعب: التلاعب هو فرض خيارات على الآخر بطريقة ذكيّة وخفيّة، بحيث يبدو أنّه اضطر بكامل إرادته للذهاب إلى تلك الخيارات، وهو ليس موضوع حديثنا اليوم؛ أمّا الإقناع فهو الإظهار الحقيقيّ لخيارات حقيقيّة واقعيّة مفيدة للآخر ومفيدة لي في الوقت عينه.

2ـ إقناع الشخص الذي يُمكن إقناعه: صحيح أنّه يمكن إقناع الجميع، ولكن يجب الالتفات إلى معيارين أساسيّين هما: التوقيت والسياق، وهذا المعياران ـ بالإضافة إلى معيار «الشخص المقابل» ـ هما من يحدّدان جدوى الدخول في الحوار أساسًا قبل الحديث عن الإقناع أو عدمه. هل الوقت مناسب لهذا الحوار، وهل هذا السياق (المكان، الحضور، المناسبة،...) مناسب لهذا الحوار؟ وهل الشخص المقابل لي مناسب ليكون طرفًا في هذا الحوار؟ حين ترى أنّ الإجابات على هذه الأسئلة الثلاثة إيجابيّة، يُمكن لك الدخول في الحوار مع فرص عالية ليكون فعّالًا ومنتجًا.

3ـ يجب أن تخاطب اهتمامات الآخر لتقنعه: لا يمكنك أبدًا إقناع شخص إن لم تُثِر اهتمامه تجاه ما تقول. والناس يهتمّون بتفاصيل حياتهم اليوميّة ويموني الجزء الأكبر من حياتما مشغولين بتلك التفاصيل. وبغض النظر عمّا إن كان ذلك صحيحًا أم لا، فإنّه لا مفر من البدء من هذه الاهتمامات إن أردت أن تُثِر اهتمام الآخر، وحتى لو أردتَ تغيير هذه الاهتمامات، فلا تظن أنّ البدء من مكان آخر سيقوم بتغييرها.

ثانيًا: قواعد عامّة

4ـ عامل كما تُحب أن تُعامَل: حين تبدأ الحوار مع أيّ شخص ضمن دائرة معارفك بغض النظر عن قرب أو بعد العلاقة بينكما، فعليك أن تعلم أنّ ملفّك الشخصيّ المحفوظ في ذاكرة هذا الشخص ووجدانه يحضر ذهنيًّا بالكامل لديه. وحتى لو لم تحضر تفاصيل الأحداث، إلا أنّ الانفعالات والمشاعر والانطباعات السابقة المرتبطة بملفّك الشخصيّ لديه ستحضر بقوّة وستشكّل سدًّا منيعًا مقابل ما تقول إذا ما كانت سلبيّة أو مدخلًا ممتازًا لما تريد إيصاله من أفكار في حال كانت إيجابيّة. وبالتالي فإنّ سلوكك مع من يحيط بك سواء في العائلة أو العمل أو المحيط الاجتماعيّ الأوسع هو ما يحدّد الانفعالات والانطباعات والمشاعر المرتبطة بملفّاتك الشخصيّة الكثيرة التي يقوم كلّ من حولك بتحفيظها. وكلّ شخص حولك يقوم بتحفيظ نسخة خاصّة به عن ملفّك الشخصيّ تكون وفق إدراكاته هو، وليس وفق ما ترغب أنت بإيصاله؛ لذلك حاول تشكيل ملفّ شخصيّ في تفاعلاتك الاجتماعيّة مع الجميع يساعدك في أيّ حوار مستقبليّ معهم وليس العكس.

5ـ ثابر تصل: إنّ الأفعال تتكلّم بصوت أعلى بكثير من الكلمات. تحدثنا في النقطة الرابعة عن تشكيل ملفّك الشخصيّ العامّ، ونصل الآن لتشكيل ملفّك الشخصيّ الخاصّ عند نفسك وعند الآخرين. حدّد قضيّتك الأساس والقيم المطلوبة لتحقيقها، وثابر على إظهار هذه القيم في سلوكك ضمن سعيك المستمرّ لتحقيق أهدافك السامية المرتبطة بقضيّتك السامية. هذه المثابرة تجعلك أقوى على المستوى النفسيّ الداخليّ، وتشكّل انطباعًا خاصًّا حولك لدى الآخرين بخصوص القضيّة التي نذرت حياتك لأجلها، وتجعل فرص نجاحك في إدارة الحوار والإقناع حول تلك القضيّة المحدّدة أقوى بكثير.

6ـ اعترف بالنقاط الإيجابيّة للآخر: لا يوجد من يعلم بكلّ شيء و «يا من تدعي في العلم فلسفة، حفظتَ شيئًا وغابت عنك أشياء». يجب أن تقوم بتذكير نفسك بهذا الأمر بشكل مستمر وتزيد من التذكير به كلّما زادت معارفك ومهاراتك الشخصيّة وشهرتك بين الناس. وإنّ الترجمة السلوكيّة لهذا الأمر تتمّ عن طريق الاعتراف للآخرين بنقاط إيجابيّاتهم ونقاط قوّتهم أثناء الحوار، حتى لو كان ثمّة تباين في الرأي معهم، فهذا يُظهر قوّتك على تقبّل الصحيح ولو جاء من الخصم ضمن الحوار، ويثبت أنّك تبحث عمّا هو حقيقيّ ومفيد، وليس عن أن تكون أنت على حقّ، وهذا يزيد من قدرتك على التأثير والإقناع بشكل كبير.

ثالثًا: قواعد شخصيّة

7ـ كن مرنًا: يظنّ بعض الأشخاص أنّ القوّة والسلطة هي التي تجعل الشخص قادرًا على الإقناع، وهذا غير صحيح؛ حيث إنّ الأشخاص الذين يتمتّعون بأعلى درجة من المرونة هم الأقدر على الإقنا،. أمّا من يتمتّعون بأعلى درجة من القوّة والسلطة، فهم الأقدر على الإجبار، ولا مهارة ولا إبداع ولا تميّز في ذلك. في منتصف الحوار، عليك أن تكون قادرًا على تغيير أسلوبك وطريقتك دون تضييع الهدف بشكل مناسب لسير الحوار وآراء الحضور التي يضيفونها تباعًا، وهذه المرونة عادة ما يقابلها انسجام أعلى من الآخرين مع ما تقول وتحفيزًا إيجابيًّا لهم ليروا الصورة من منظارك ويفهموا وجهة نظرك تمهيدًا لاقتناعهم بها.

8ـ كن واضحًا في إيصال ما تريد: يقول العالم الفيزيائيّ آينشتاين متحدّثًا عن نظريّة النسبيّة[1]: «إن لم تستطع شرحها لجدّتك، فأنت لم تفهم معناها». مهما كان ما تريد الحديث عنه معقّدًا ويحتاج إلى لغة تخصّصيّة، فإنّك لن تستطيع الحديث عنه أمام الآخرين، فضلًا عن إقناعهم به إن لم تستعمل لغة بسيطة وسهلة تكون مفهومة بالنسبة لجميع السامعين. تمسّكك بلغة التخصّص ولو من باب الأمانة العلميّة سيشكّل حاجزًا كبيرًا بينك وبين الآخرين؛ لذلك عليك أن تمتلك مهارة التبسيط دون الإخلال بالمضمون.

9ـ اضبط انفعالاتك: قد تثير كثير من الحوارات مشاعر سلبيّة لدى المتحاورين. والأقدر على إدارة الحوار وعلى الإقناع هو الأقدر على ضبط انفعالاته واستثمارها، ففقدان السيطرة عليها لن ينتج عنه سوى الخسارة والندم. وحين تتحكّم الانفعالات بالآخرين، فإنّهم يميلون نحو البحث عن الأهدأ والأقدر على بثّ الهدوء وينقادون إليه تلقائيًّا ولو بعد حين.

10ـ كن واثقًا: الثقة الحقيقيّة فيما تقوم به يختلف بشكل كبير عن إظهار ثقة زائفة لإقناع الآخرين، ويستطيع الآخرون اكتشاف الفرق بسهولة، وبالتالي تخسر قدرتك على التأثير والإقناع، وتخسر موقعك كمدير للحوار؛ لذلك عليك أن تثق بخياراتك. ابنِ خياراتك على مبادئ سامية ورغبة صادقة في أن يكون العالم مكانًا أفضل حتى لو لم تنل التصفيق والمديح، وحينها تستطيع أن تثق بها بشكل حقيقيّ وتعمل على إقناع الآخرين بها، ليس لأنّها خياراتك؛ بل لأنّها الخيارات الصحيحة المستقلّة عن رغباتك الشخصيّة وعمّا تريده أنت.

ليس ثمّة وصفات سحرية في مجال المهارات الشخصيّة، ولن تجد إجماعًا بين الناشطين في هذا المجال من كتّاب ومدرّبين ومحاضرين ومنظّرين وغيرهم؛ لذلك قم بتحديد موقعك وإلى أين تريد أن تصل، وقم بتجربة ما يناسب ظروف حياتك وقدراتك. وفي مجال اكتساب المهارة، العِبرة ليست في كثرة القراءة والتحصيل النظريّ؛ بل في العمل بما تعلم، ورويدًا رويدًا، تصل إلى ما لا تعلم.

-----------------------------

[1]- وهي من أعقد النظريّات الفيزيائيّة وما زال العلماء حتى اليوم يضيفون عليها ويكتشفون من خلالها كثيرًا من الحقائق الفيزيائيّة الملموسة التي يعدّها عامّة الناس من الغرائب والخرافات.