-----------

الهندسة الطبية ميدان الابتكار

{ ليلى قبيسي }

الهندسة الطبية ميدان الابتكار

الذكاء الاصطناعيّ هو قدرة آلة أو جهاز ما على أداء بعض الأنشطة التي تحتاج إلى ذكاء، مثل الاستدلال الفعليّ والإصلاح الذَّاتيّ[1]،  وهو عمليّة محاكاة تحدث في الآلات، حيث تتمّ برمجتها على التفكير مثل الإنسان، ما يجعلها قريبة من القدرات البشريّة وطرق تفاعلها.

وقد بات الذكاء الاصطناعيّ- اليوم-  داخلًا في أغلب تفاصيل حياتنا من خلال الأجهزة المحيطة بنا، من قبيل الهاتف المحمول، الكاميرات، السيّارات، الأسلحة وغيرها، ومنها الأجهزة الطبّيّة، حيث يُترجم هذا الذكاء في تلك الأجهزة على هيئاتٍ مختلفة منها:

النانوتكنولوجيا:

توصّل العلماء بعد مسار طويل من التطوّر، للعمل وفق أحدث تكنولوجيا معاصرة  تُدعى بـ»تقنيّة النانو» أو تقنيّة الجزيئات متناهية الصغر. وهي تهتمّ بدراسة معالجة المادّة على المقياس الذّريّ والجزيئيّ التي يصل صغر حجمها إلى واحد على المليار من المتر(نانومتر).

 تعدّ هذه التقنيّة من أدقّ التقنيّات، وأوّل من نظّر لها هو الفيزيائيّ الشهير «ريتشارد فاينمن»[2]، لها تطبيقات متنوّعة في المجال الطبّيّ منها:

ناقلات الأدوية، التي تتميّز بتخفيض الاستهلاك الكلّيّ للأدوية والآثار الجانبيّة بشكل كبير عن طريق إيداع العامل النشط في المنطقة المرَضيّة فقط، وبدون جرعة أعلى من اللازم، كما تُستخدم لعلاج الخلايا السرطانيّة، مع ما يصاحب ذلك من انخفاض في نفقات الاستهلاك والعلاج. ومن فوائد استخدام المقياس النانويّ للتقنيّات الطبّيّة أنّ الأجهزة الأصغر حجمًا أقلّ توغّلًا، ويمكن زرعها داخل الجسم، بالإضافة إلى أنّ أوقات التفاعل الكيميائيّ الحيويّ أقصر بكثير.

أجهزة الاستشعار النانويّ (NanoSensor) هي أجهزة تقيس الكمّيّات المادّيّة وتحوّلها إلى إشارات يمكن اكتشافها وتحليلها، مثل: اكتشاف البروتينات وغيرها من المؤشّرات الحيويّة التي تخلّفها الخلايا السرطانيّة مثلًا[3].

مضافًا إلى غيرها من التطبيقات التي ما زالت في دائرة البحث والتطوير، حيث صرّح رايموند كورزويل،[4] في كتابه «التفرّد قريب»(The singularity is near) الذي یتناول فیه الذكاء الاصطناعيّ ومستقبل الإنسان بأنّه يعتقد أنّ الأدوية النانويّة الطبّيّة المتقدّمة يمكن أن تشخّص وتعالج الأمراض بأغلبها أو كلّها بحلول عام 2030[5].

الشبكات العصبونيّة الاصطناعيّة

(Artificial Neural Networks):

هي عصبونات افتراضيّة تنشئها برامج حاسوبيّة مصمّمة بطريقة تشبه كيفيّة تأدية الدماغ البشريّ لمهمّة معيّنة؛ وذلك عن طريق معالجة ضخمة للمعلومات موزّعة على التوازي، ومكوّنة من وحدات معالجة بسيطة، تُسمى عصبونات أو عقد (Nodes, Neurons)؛ لها خاصّيّة عصبيّة تقوم بتخزين المعرفة العمليّة والمعلومات التجريبيّة لتجعلها متاحة للمستخدم. وهذه المحاكاة تكون متوازية وسريعة جدًّا، كما يحصل في الدماغ من خلال استخدام خوارزميّات محدّدة (Algorithm)[6] ؛ لاختيار أسلوب حلّ المشكلة.

تعدّ هذه التقنيّة ـ اليوم ـ من أنشط التقنيّات في المجال الطبّيّ، ويجري العمل على تطويرها. تعتمد على مبدأ إدخال أكبر قدر ممكن من البيانات عن المرضى(هويّة المريض الصحّيّة، البيئة التي يعيش فيها، الأعراض التي تنتابه،... ومعلومات وراثيّة أخرى، والحالات المختلفة التي يمرّ بها أثناء تعرّضه لمرض محدّد)، ثمّ تُجمع بيانات آلاف المرضى المصابين بالمرض نفسه من الذين يمتلكون بيانات وتفاصيل مختلفة ومتنوّعة.كذلك يتمّ إدخال بيانات آلاف الأشخاص الذين تعافوا من هذا المرض، ويجري العمل على معالجة هذه المعلومات، ومقارنتها بشكلٍ يسمح بالتنبّؤ عند إدخال بيانات شخصٍ معافًى إن كان لديه القابليّة للإصابة بهذا المرض أم لا، ومتى يُمكن أن تكون فترة الإصابة، ما يؤدّي إلى تلافي الإصابة وتحقيق الوقاية في وقتٍ مسبق.[7]

أرشفة الصور الشعاعيّة ونظام الاتصالات (Picture Archiving and communication system PACS):

هي تقنية التصوير الطبّيّ المستخدمة لتخزين الصور الإلكترونيّة والتقارير ذات الصلة ونقلها بشكل آمن، فإنّ استخدام

برامج PACS  يلغي الحاجة إلى حفظ المعلومات الحساسة والأفلام والتقارير وتخزينها واسترجاعها وإرسالها بشكلٍ عينيّ؛ حيث يمكن وضع الوثائق والصور الطبّيّة بشكل آمن في خوادم (Servers) والوصول إليها بشكل آمن من أيّ مكان في العالم.

تزداد أهمّيّة تقنيّة تخزين التصوير الطبّيّ مثل PACS نظرًا لحجم الصور الطبّيّة الرقميّة الذي ينمو في جميع أنحاء مراكز العالم؛ حيث يصبح تحليل البيانات الخاصّة بتلك الصور أكثر انتشارًا،  فيُستفاد منها من أجل التشخيص الأدقّ من خلال معالجة محتوياتها وأرشفتها. يمكن استخدام المعلومات التي يتمّ جمعها لتحديد أيّ تشوهّات تشريحيّة وفسيولوجيّة، ورسم التقدّم المحرَز في العلاج وتزويد الأطباء بقاعدة بيانات عن عمليّات الفحص العادية للمريض للرجوع إليها لاحقًا.

إنّ الوصول الرقميّ إلى أحدث نسخة من الصور الطبّيّة للمريض، والتقارير السريريّة والتاريخ يمكن أن يعجّل ويحسّن الرعاية، ويمكن أن يقلّل من احتمال حدوث أخطاء في العلاج والوصفات الطبّيّة، ويحول دون إجراء اختبارات زائدة عن الحاجة، كما يمكن أن يؤدّي الوصول الرقميّ- أيضًا- إلى تحسين سلامة المرضى وتوفير رعاية صحّيّة أفضل وحفظ وقت المريض وأمواله.

أخيرًا، لا شكّ أنّ التكنولوجيا، وفي طليعتها الذكاء الاصطناعيّ تقدّم خدمة كبيرة للبشريّة؛ حيث تستثمر طاقات العلماء، وإبداعاتهم، ونظريّاتهم، وتجاربهم من أجل تسهيل حياة الإنسان.   

-------------------------------

[1] يراجع: عمر، أحمد مختار: معجم اللغة العربية المعاصرة، ط1، عالم الكتب، القاهرة، 1429 هـ ـ 2008م، المجلد الأول ص818.

[2] ریتشارد فاینمن: (1918-1988) هو فيزيائيّ نظريّ أمريكيّ، اشتهر بعمله في صياغة المسار المتكامل للميكانيكا الكموميّة، ونظرية الديناميكا الكهربيّة الكموميّة.

[3]-يُراجع:https://www.researchgate.net/publication/228773680_Nanoethics_assessing_the_nanoscale_from_an_ethical_point_of_view

[4]-رايموند كورزويل: مخترع أمريكيّ. كتب كتبًا عن الصحّة والذكاء الاصطناعيّ (AI)، وما بعد الإنسانيّة، والتفرد التكنولوجيّ، والمستقبل.

[5] يُراجع: Kurzweil, Raymond, The singularity is near when human transcend biology, Viking, USA, 2005, p 224. 

[6] خوارزميّات: هي سلسلة من التعليمات يُطالب الحاسوب بتطبيقها بصفة آليّة.

[7] يُراجع: بحث بعنوان «تشخيص مرض التدرّن الرئويّ (السل) باستخدام الشبكات العصبيّة الاصطناعيّة»، مجلّة الرافدين لعلوم الحاسبات والرياضيّات، المجلد6، العدد1، 2009.