هل نسيتَ بابَ الذاكرة مفتوحًا مرّةً؟
لتتلاطمَ خلايا دماغك، وتنقلبَ مهرجانًا صاخبًا من الضوضاء والجلبة؛ ليتحوّلَ داخلُكَ غوغاءَ من فقاعاتٍ ملوّنةٍ بعدد المشاهد التي تذكرها، منها ما يُقرحُك، فتنزف من جديد، ومنها ما يهندسُك مُرُّه وتصقلُكَ قسوته..
تجوبُ قطراتِ الذكرى بتأنٍّ، فتجد نفسك أمام أروقةٍ شتّى، لكلٍّ منها عدّة أبواب، لكلّ بابٍ عدّةُ مقابض، تتوهُ في دهاليزها، تتشوّشُ أفكارُك، تتصارع ثم تهدأ..
تدخلُ رواقًا تنبعثُ منه رائحةُ عطرٍ عتيق، تتذكرُ يوم انكسرت قارورته في غرفتك القديمة، وآخر ما تذكره من شكلها وردةٌ خمريّة كانت قد رُبطت في عنقه، ومن رائحتها الكثير..
ويوم تاهت دميتُك المفضّلة بين (كومةٍ) من الألعاب التي جمعتها والدتك حين قرّرت أنّك كبرت تمهيدًا لتهجيرها من عالمك الصغير..
تدخلُ رواقًا آخر يتصاعد منه دخانٌ أسود، ما عاد يخنقُك بكثافته، تتقدّم قليلًا، تتعثّر وتقف، ثمّ تتعثّر وتقف، تحدّق في جدرانه، فترى صورًا رماديّة معلّقة، لكلٍ إطارها الخاصّ، يختلف باختلاف تهمتها، حُجزت فيه وفق الجريمة التي ارتكبتها في روحك، تبحثُ في أعينهم عن عذر، فلا تجد، إلا ما يكذّب ألسنتهم..
تمضي في طريقك، تتساقط الأشياءُ من حولك، يجذبُك أريجُ رواقٍ جديد، تفترش أرضَه أوراقُ خريفٍ صفراء، خبّأتَ فيها قصصًا طويلة، اشتقتَ لأناسٍ لم ترهم يومًا، لدروبٍ لم تطأها، بكيتَ كثيرًا، لكنّ الأوراق الصفراء بقيت صفراء ..
الآن، وأنت تمارسُ كلَّ ما كنتَ تنتقدُ من تصرّفات والديك، أو تتمرّدُ على حبّة دواءٍ لا ذنب لها سوى أنها تجلسُ بين مشط شعرك وفرشاة أسنانك، وأنت تعلم جيّدًا أنّ تمرّدك هذا سيكلّفك عناءً ودوارًا مُضنيَين.. أما زلتَ تؤمنُ بعقارب الساعة؟
حتمًا لا.. المعتوه فقط هو من تُحدُّه أرقامٌ قابعةٌ في معصم أو مصلوبةٌ على جدار!!
الآن، ستودّعُك مشاعرُ جمّة، وستكتشف كم أنت حقيقيّ، حقيقيٌّ جدًّا!!
قلبُك هرمٌ كئيب، قد شاخت أغصانه، وصِيدَتْ آخرُ أقحوانةٍ كانت تتأرجح بين فروعه.. لا يهمّ!! عقلُك ما زال بخير، سيصدّقُ أخيرًا..
أوصِدْ ما شرّعت، قد شممْتُ كلَّ أروقتك..
هيّا.. أنا أنتظرك ..