-----------

رحلة الى مستشفى السلام

{ د. نور الدين أبو لحية }

رحلة الى مستشفى السلام

جاءني معلّم السلام في ذلك اليوم المبارك، وقد رآني أشكو من بعض الآلام، فقال: هلمّ بنا إلى مستشفى السلام، لتعالج أدواءك، وتبتسم لأنينك.

قلت: وهل للسلام مستشفى؟! ومن أطباؤه؟ وكيف يعالج؟

قال: لا مستشفى بلا سلام...

قلت: فأين مستشفى السلام؟

قال: سنرحل إليها

قلت: هل سنرحل من هنا؟ وفي أيّ طائرة؟ وليس لي جواز سفر.

قال: لا تحتاج إلى طائرة... أمّا جواز سفرك فهو الإرادة، ألم تعلم أنّ الإرادة مفتاح لكلّ باب.. ونافذة لكلّ مغلق؟

قلت: عرفت الإرادة.. ولكنّني لم أرَ في حياتي شخصًا يمتطي طائرة تسمّى (الإرادة) ليرحل بها.

قال: من لم يرحل بطائرة الإرادة، فهو لم يفارق مكانه.

قلت: بلى، هم يطيرون في الأجواء، فيقطعون البحار السبعة.

قال: ولكنّهم لم يغادروا الأرض.

قلت: لقد غادروها.. ورحلوا إلى القمر...

قال: وما القمر؟...  حجارة كحجارة جبالكم وقلوبكم.

قلت: فكيف نرحل؟

قال: قبل أن ترحل انظر إلى أعماقك التي تمتلئ بهذا الأنين الذي ينشره الألم.

ثمّّ عقَّب: هيّا نرحل إلى مستشفى السلام لتنقذ روحك، وتنقذ معها حقيقتك، وعسى الله أن يهبك ما تقي به جسدك، فالله شكور حليم.

امتطيت الإرادة التي بثّها فيّ الألم، فإذا بي، وفي أقلّ من طرفة عين أرى بنيانًا عجيبًا.. لست أدري هل نبت كما تنبت الأزهار، أم شُيّد كما تُشيّد القصور.. كان يشبه زهرة من الأزهار الجميلة.. لا تفوح منه إلا عطور الشفاء.

قلت للمعلم: أهذا مستشفى، أم فندق؟

قال: بل مستشفى.

قلت: فما سرّ هذه العطور الزكيّة؟

قال: هي عطور الحقائق، فمستشفى السلام لا يعطيك وصفات لتشتري بها أدوية تعالج بها الخلل الذي أصاب جسدك، وإنّما يعطيك الوصفات التي تعالج بها روحك... وهي أربعة حصون.

قلت: فما هي؟

قال: حصن الغيبة، وحصن الأمل، وحصن الاستعانة، وحصن الاستعاذة.

قلت: فما الغيبة؟

قال: هي الغفلة عن الآلام بالحضور مع الله

قلت: فما الأمل؟

قال: انتظار الفرج من الله، والتعرّف عليه ليمتلئ قلبك بالأمل الصادق.

قلت: فما الاستعانة؟

قال: هي الاستعانة بالله في رفع البلاء

قلت: فما الاستعاذة؟

قال: الاستعاذة من شياطين الروح الذين ينفخون آلام اليأس والحزن.

قلت: فَلِمَ كانت هذه الأقسام أربعة؟

قال: هذه هي الأسس الأربع في التعامل مع البلاء، هي الأسس الصحيحة التي دلّت عليها النصوص الدينيّة، وهي التي عاشها أهل الله في صحبتهم لما ينزل عليهم من أمطار البلاء.

قلت: فما علامة الشفاء التي تسمح للمريض بالخروج من المستشفى؟

قال: الابتسامة...

 رأيت أشخاصًا يخرجون مبتسمين تشرق أسارير وجوههم بالنور، وتسري في أوصالهم العافية، قلت: من هؤلاء؟

قال: هؤلاء الذين أُذن لهم بالخروج من المستشفى، بعد أن امتلأت أرواحهم بحقائق السلام.

قلت: أَطالَ مكوثهم؟

قال: منهم من يمكث ثانية.. ومنهم من يظل عشر سنين.. ومنهم من يموت في المستشفى.

قلت: فلماذا تفاوتوا.. ألا يقدّم لهم علاجٌ واحد؟

قال: تفاوتوا بتفاوت الهمم... فمنهم من أنس وسكن، ولم يرحل... ومنهم من ارتفعت همّته... فراح يبحث عن دُور السلام الأخرى ليصعد من خلالها إلى الله.

قلت: فما تنصحني حتى لا أقع فيما وقعوا فيه؟

قال: بالرحلة الدائمة والعبور المستمر...

ضع بين عينيك دائمًا: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)

(سورة النجم، الآية42).