-----------

بأقلامكم تبدعون

{ بشرى زهوة }

بأقلامكم تبدعون

يقول الروائيّ السودانيّ «أمير تاج السرّ»:  «حبّ الكتابة هو الموهبة»،  وفي كتاب «ضغط الكتابة وسكرها» - تحت عُنوان «محترفات الكتابة.. هل تخرّج كتّابًا؟»- يقول: «لا أريد أن ألغي دور الموهبة، ولن أسمّيها الموهبة، ولكن أسمّيها حبّ الكتابة، فالذي يحبّ الكتابة، يمتلك من الصبر ما يجعله يناضل لينال ثقة حبّه، ويكون كاتبًا». مشدّدًا في كلامه على أهمّيّة تدريس الكتابة؛ وخاصّة الكتابة الإبداعيّة.

   ـ ما المقصود من الكتابة الإبداعيّة؟

   ـ ما هي أنواعها؟ وهل لها أسس وقواعد؟

   ـ لماذا يحتاج الشباب إلى الكتابة الإبداعيّة؟

   ـ وهل هناك ورشات تدريبيّة تلبّي موهبة الشباب وتنمّي قدراتهم؟

الكتابة الإبداعيّة شكلٌ من أشكال الكتابة الّتي تعبّر عن مشاعر الكاتب وعواطفه، بالإضافة إلى خبراته وأفكاره على المستوى الإدراكيّ الواعي واللاواعي. وهي تظهر من خلال حاجة الكاتب للتّعبير بطريقة إبداعيّة وشاعريّة. وللكتابة الإبداعيّة أنواع عدّة، منها: الرواية، القصص القصيرة، القصائد، كتابة المقالات، كتابة السيناريو، كتابة المسرحيّات... وعادةً ما يكون لكلّ نوع برنامج خاصّ لدراستها، لكنّها تندرج جميعها تحت مسمّى «الكتابة الإبداعيّة».

وعلى الرغم من كونها مادّة تُدرّس منذ سنوات في مدارس أوروبا وجامعاتها، لكنّ الكتابة الإبداعيّة دخلت بشكلها التطبيقيّ مؤخّرًا إلى عالمنا العربيّ لدحض «الكليشيه» (أي المعتاد) القائل إنّ الكتابة هي عمليّة فطريّة بحت.

ولدى سؤالنا الأستاذ «عبد الرحمن جاسم»- مدرّب الكتابة الإبداعيّة، وصاحب المنهاج الخاصّ في هذا المجال[1] عن ورشات الكتابة الإبداعيّة التي يقيمها في «دار- المجمّع الإبداعيّ»؛ وعمّا إذا كانت موجّهة إلى فئة معيّنة أم أنّها تناسب جميع الفئات؟ أجاب: «يتوجّه برنامج الكتابة الإبداعيّة للجميع، لجميــع مــن يعتقدون بأنّ لديهم الموهبة على الإبداع، بصرف النظر إن كان لم يكتب قبلًا، أو لم تكن لديه الخبرة الكافية لذلك، المهم هو أن يكون لديه الموهبة والإصرار على تحقيق أهدافه وأحلامه. فقد تمّ وَضْعُ البرنامج بطريقة تجعله سهلًا وقابلًا للانسجام مع حاجات الجميع؛ فالكتابة الإبداعيّة وسيلة لتحويل أفكارك إلى نصوص، سواءً عبر تحويلها إلى نصٍ مكتوب، أو عملٍ مرئيٍّ أو مسموع».

  وأضاف جاسم: «هي معركةٌ فعليّة؛ فالصراع أن نقدّم إبداعًا بلغةٍ محلّيّة، مثقفةٍ، واعية، تعرف طريقها إلى جمهورها».

يمتدّ برنامج التدريب في دار المجمع الإبداعيّ إلى ستة أشهر من التّدريب المُكثّف- تبعاً للمنهج البريطانيّ المقنّن عربيًّا، والخاصّ بالدار- ويستهدف ثلاثة أجيال من الكتّاب: جيل الروّاد، الجيل الثاني، والجيل الثالث، الذين يختلفون في اختصاصاتهم ومجالاتهم المهنيّة وحتّى في ميولهم الأدبيّة، ولا يزال يتطلّع لأجيال تكمّل هذا الدرب.

وقفة مع الشباب المتدرّبين...

كان لنا لقاء مع بعض الكتّاب من الأجيال الثلاثة لسؤالهم عن الأثر الذي تتركه ورشة الكتابة الإبداعيّة في نفوسهم، وعن مشاعرهم تجاه هذه الورشة:

 تقول نور يونس، وهي مهندسة معماريّة (من الجيل الثالث في دار- المجمع الإبداعيّ): «لم أكن أتصوّر أن تؤثّر بي هذه الورشة بشكلٍ إيجابيّ إلى هذا الحدّ، ليس فقط على صعيد معرفة التقنيّات والأساليب المتبّعة في الكتابة الإبداعيّة والتي كنت أجهلها تمامًا، إنّما أيضًا على المستوى المعرفيّ والثقافيّ المحبوك بدقّة في «الدار»، ما جعلني أرى الأمور المحيطة بي من منظور أوسع ومُشبع بالتفاصيل والحكايات التي من الممكن أن تُصبح قصصًا ممتعة. وأصبحت الكتابة جزءًا منّي، حتى بات من الصعب الاستغناء عنها بسهولة.»

 أما زهراء حيدر، معلّمة الرياضيّات في مدارس المصطفى(ص)، (وهي من الجيل الثاني) فقد أجابت : «في البداية وفور انضمامي لورشة الكتابة الإبداعيّة توقّعت أن أسمع من الأستاذ: «أنتِ ما بيطلع منّك شيء، الله معك» لكن ما صادفته خلال الورشة كان عكس ذلك، تعلّمت المثابرة وكتابة القصص ببساطتها، اعتمادًا على التقنيّات الصحيحة. فالكتابة إضافةً إلى أنّها فنّ، هي أيضَا حِرفة، هذا ما تعلّمناه في الورشة. أصبحتُ أرى وزملائي الأحداث في حياتنا صغيرة كانت أم كبيرة، من وجهة نظر مختلفة عن السابق، وتحويلها إلى قصص نلوّنها بمشاعرنا وبأسلوب يخصّ كل كاتب منّا».

حسين شُكر- من الجيل الثالث- يعمل مديراً لأحد المطاعم الشهيرة: «أكثر ما أثار حماسي لدخول هذه الورشة هو الرغبة في نشر الكتاب، لكن، بعد دخولي الفعليّ تغيّرت نظرتي للأمر كلّيًّا، فقد أصبحت الكتابة الإبداعيّة أسلوبًا جديدًا في حياتي. في كلّ يوم، وفي أيّ مكان تكون فيه تنعكس تجاربك على المحيطين بك لتُنتج منك إنسانًا له نفس المظهر لكن بفِكر متطوّر وواعٍ أكثر لملاحظة أيّ شيء والاستفادة منه».

 و يُكمل شُكر: «إنّ دخولك في هذه الورشة يعني دخولك إلى عائلة جديدة تُشعرك بالانتماء والمسؤوليّة تجاهها، فضلاً عن الإيمان بهذا المشروع النهضويّ».

 اللقاء جمعنا أيضّا بالمربّية المختصّة (وصاحبة مركز الفرح للتأهيل والتدريب) سكينة الميناوي (وهي من الجيل الثالث)، فحكت لنا عن تجربتها مع الكتابة الإبداعيّة: « تبدّلت ردود فعلي تجاه أيّ سبب كان من الممكن أن يمنعني من حضور صفوف الورشة، فخلال ستة أشهر من الالتزام بالورشة لم أستطع أن أتغيّب حتى في ظروف كانت تستدعي ذلك. ورشة الكتابة الإبداعيّة جعلتني أكثر واقعيّة وعمليّة وعلّمتني أنّ الكتابة هي جزء من دورة الحياة، ولا بُدّ أن تستمر». وأضافت: « تبدلّت أفكارنا وحتى طريقة تفكيرنا تغيّرت، لكن ليس التفكير خارج الصندوق كما يشاع اسمه؛ لأنّه لا وجود لهذا الصندوق أساسًا، وهذه كانت أول عبارة أسمعها من الأستاذ عبد الرحمن. وخلال الحصص بالفعل فهمت معنى هذه الجملة جيّدًا».

أمّا لبنى سبيتي التي تعمل منسّقة للّغة الإنكليزيّة (في مؤسّسات أمهز التعليميّة)، وهي من جيل الروّاد، اعتبرت أنّ الكتابة غيّرت كثيراً من الأمور في حياتها وشخصيّتها وقالت: «أصبحتُ وبدون جهد قادرة على التعبير عن ذاتي بثقةٍ أكبر. صار للمستقبل معنى مختلف، وتحوّل يوم العمل الروتينيّ إلى يومٍ غنيّ بعد إضافة الكتابة التي وحدها أرضت ذاتي بشكلٍ حفّزني للانتظار بشوق مجيء الغد. وعلى الرغم من كلّ القيود، أشعر بأنّ روحي تتجدّد مع الكتابة عامًا بعد آخر».

نهاية اللقاء كان مع الصيدلانيّة جيهـــــان حـــمّود، (وهي من الجيل الثالث)، حيث قالت: «ورشة الكتابة الإبداعيّة هي المكان الذي من خلاله أصبحتُ قادرة على أن أعبّر عن ذاتي، أُخرج كلّ المشاعر المـــتناقضة في داخلي من غضب أو فرح أو حزن.. وأحوّلها إلى كلمات ثمّ إلى قصّة ممتعة، وبعد انتهائي من الكتابة أشعر بأنّني تحرّرت من العبء وأصبحت قادرة على التنفّس. فأنا أشعر وكأنّ الكتابة هي الشيء الذي كنت أحتاج إليه وأبحث عنه، وإنني الآن غير مستعدة لخسارته أبدًا».

نخلص من كلّ ما سبق إلى أنّ الكتابة الإبداعيّة هي تعبير عن الرؤى الشخصيّة، وما تحتويه من انفعالات، وما تكشف عنه من حساسيّة خاصّة تجاه التجارب الإنسانيّة، فهي ابتكار وليست تقليدًا وتأليفًا ولا تكرارًا، وتختلف من شخصٍ لآخر، حسب ما يتوافر لكلٍّ من مهاراتٍ خاصّة.

ختاماً، يوجّه الكاتب الصربيّ «زوران زيفكوفيتش» نصيحة عن الكتابة يقول فيها: «إنّ الفرق بين الكاتب ومن ليس بكاتب هو أنّ الكاتب مثل تلميذ ورشات الكتابة الإبداعيّة، يحاول ويرغب في أن يكون كاتبًا. أمّا من لم يحاول، فسينتهي به الأمر دون أن يعرف ما إذا كان موهوبًا أم لا. حاول أن تتعامل مع الكتابة الإبداعيّة، ولن يكون لديك ما تخسره، لكن إن كنت موهوبًا ولم تتعامل معها فستفقد كلّ شيء».

فاسعَ أن تكون كاتبًا مبدعًا...

------------------------

[1]- منهاج بريطانيّ مُقنن محلّياً؛ ليناسب البيئة المحلّيّة التي يُدرّس فيها.