-----------

إيمانك طريقك إلى السلام النفسي

{ عمار محمد الحموي }

إيمانك طريقك إلى السلام النفسي

توتّر، قلقٌ، خوف، انزعاج، اضطراب نفسيّ، اكتئاب... وغيرها من الحالات التي بتنا نشهدها يوميًّا على وجوه الناس، وتتطوّر تدريجيًّا لتصبح في ما بعد مرضًا لا يمكن التخلّص منه، أو الحدّ من آثاره.

مِمَّ ينشأ التوتّر؟ ما هي أسبابه؟ ولماذا تزيد نسبته على الرغم من التطوّر الذي يشهده العالم في مختلف الأصعدة ؟

ما هي آثاره؟ وكيف يمكن السيطرة عليه؟

تطوّرت الحياة ولكن...

اتّسمت حضارتنا البشريّة عبر عصورها بسمة التطوّر خدمة للإنسان في مختلف المجالات، سواء أكانت تتعلّق بصحّته العامّة والنفسيّة، أم بما يرتبط بالجوانب المادّيّة، الفنّيّة منها والتقنيّة، بهدف توفير قدر من الرضى والاتّزان والأمن النفسيّ، وإذا كان التطوّر التكنولوجيّ قد وفّر للإنسان سرعة في الاتصال وسهولة في التنقّل، ويسّر له عمليّة الحصول على معظم احتياجاته، فإنّه عرّضه  في الوقت نفسه لاحتمالات الموت؛ بأسلحة الدمار الشامل التي تستخدم في الحروب، وبكوارث الحضارة المتمثّلة في العنف والتنكيل بالآخر والتعصّب الأعمى للمعتقد أيًّا  كان نوعه أو صحّته، الأمر الذي زاد فيه الإحساس بالقلق والتوتّر وتكوّنت ضغوط لم تكن معروفة زمن السيف والخيل والحروب التقليديّة.

وهذا يؤيّد ما يقال من أنّ عصرنا الحاليّ باتجاهاته الماديّة وصراعاته المستمرّة يدفع الإنسان ليعيش تحت وطأة التوتّر والضغوط النفسيّة؛ حيث يعاني الإنسان المعاصر من التعب والإرهاق والعمل فوق القدرة- أحيانًا- والتوتّر واتّساع الطموح، والتبدّل السريع للقيم والتقاليد والأعراف السائدة؛ ما ينعكس سلبًا على الناس، ويولّد طبيعة ضاغطة في العمل والدراسة والزواج، والتنقّل من مجتمع إلى آخر، وضرورة التكيّف مع قيم ذلك المجتمع وتقاليده، ومع أنماط الحياة الغريبّة فيه.

أسباب التوتّر:

   1 ـ مشكلات نفسيّة: الانفعال، الغضب، الاكتئاب، والتهوّر إزاء مواقف الحياة المتعدّدة.

   2 ـ مشكلات اقتصاديّة: نتيجة الفقر والحاجة وعدم القدرة على تأمين متطلّبات الحياة.

   3 ـ مشكلات أسريّة: نتيجة غياب أحد الوالدين؛ لموت أو سفر، عدم الاستقرار، طلاق الوالدين.

   4 ـ مشكلات اجتماعيّة: نتيجة سوء العلاقة  مع الآخرين، وصعوبة تكوين صداقات.

   5 ـ مشكلات صحّيّة: مرتبطة بالصحّة الجسديّة الفسيولوجيّة؛ وأبرزها: الصداع، وارتفاع ضربات القلب، والغثيان والرعشة... وغيرها.

   6 ـ مشكلات شخصيّة: منها: الهروب، انخفاض تقدير الذات، وانخفاض مستوى الطموح والتصلّب،  وجمود الرأي، والتردّد وصعوبة اتخاذ القرار.

الدين هو الحلّ:

لا شكّ أنّ قوّة تأثير المواقف الحياتيّة الضاغطة كبير جدًا، إلى الحدّ الذي لا يمكن للفرد أن يتحمّله، بل إنّ تلك الضغوط قد ترغمه على التخلّي عن الطرق السويّة في التفكير؛ فيلجأ إلى تبرير الفعل الضاغط، ويصل به الأمر أحيانًا إلى أن يعتقد بأنّ ما يعانيه إنّما هو أمر منزّل من السماء، وأنّ الله يختبره ويمتحن صبره. وهناك من يختلّ توازنه حتى تبدو عليه علامات الهلوسة؛ فيتحدّث مع نفسه وهو يمشي في الشارع! لذا لا بدّ من  العودة إلى الدين الذي وضع الحلول الناجعة لكلّ مشكلات البشر وهمومهم، وقدّم معالجات لمشكلة التوتّر.

توجيه القوى النفسيّة والغرائز وترشيدها:

إنّ السلوك الناتج عن الغريزة، تتحكّم به إرادة الإنسان وما يحمله من متبنّيات فكريّة وعاطفيّة وخلقيّة؛ من حيث نظرته للكون وللحياة والمجتمع. وتتنوّع الغرائز بتنوّع تركيبة الإنسان وكينونته، فهو جسد وروح، ولكلّ منهما وظائفه الخاصّة المترتّبة على الحاجات الأساسيّة العضويّة والوجدانيّة في آنٍ واحد.

وثمّة قوّتان تتجاذبان الإنسان: قوّة الشهوة، وقوّة العقل، وهذه القوى تساهم في تعجيل اليقظة، وتسرع تنامي تأثيره، وهي المؤثّرة في بنائه الخلقيّ والنفسيّ، فإذا نمت قوّة الشهوة وتغلّبت على قوّة العقل، فإنّ الإنسان سيكون مستسلماً لهواه وملذّاته، وسيشبعها دون قيود أو شروط، وذلك في أجواء المثيرات والمغريات الخارجيّة، وهذا يؤدي  إلى اختلال التوازن النفسيّ والانفعاليّ في كيانه؛ فيصاب بالتوتّر والاضطراب النفسيّ والروحيّ. وإذا غلبت قوّة العقل على قوّة الشهوة، فإنّ الإنسان سيشبعها في وجهها الإيجابيّ، فلا يوقف الشهوة ولا يعطّلها، بل يوجّهها وجهة عقلانيّة، ويقيّدها بقيود الشريعة، أو يؤجّل إشباعها إلى ظرفها المناسب المشروع.
ودور العقل هو تعديل الشهوة وتهذيبها، واستبدال مثيراتها الطبيعيّة بمثيرات أخرى تتجه بها إلى السموّ والكمال.

دور القيم المعنويّة والنفسيّة في تربية الأفراد:

أثبتت حركة التاريخ وسننه المتتابعة أنّ الابتعاد عن الدين فكراً وسلوكاً هو أساس جميع ألوان الانحراف والانحطاط الفرديّ والاجتماعيّ، بدءًا من فقدان الصحّة النفسيّة والروحيّة، وانتهاءً بالممارسات المنحرفة؛ ولهذا نجد أنّ الانحراف يتزايد في المجتمعات غير الدينيّة التي لا تؤمن بمفاهيمه أو لا تتبنّاه منهجاً لها في الحياة. قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)(سورة طه، الآيتان 123-124).

والضنك هو الضيق في كلّ شيء، وهو لازم لمن أعرض عن ذكر الله، والإعراض يبعد القلب عن الهدوء، ويفقد النفس الطمأنينة، ويجعل الإنسان يعيش الانفلات من الرقابة الذاتيّة؛ فلا كابح لشهواته ورغباته ونزواته، بل يكون همّه إشباعها بأيّ طريق أمكن دون النظر إلى الآثار الوخيمة المترتّبة على ذلك.
وتشمل القيم المعنويّة: الإيمان بالله، والإيمان بالثواب والعقاب، وذكر الله، وذكر الموت، والاعتراف بالذنب، والاستغفار، والتوبة، والرضى بالقضاء. وفيما يلي نستعرض أهمّها:

   أ - الإيمان بالله تعالى: الإنسان مجبول بفطرته على الإيمان بالله تعالى، وهذا الإيمان يمنحه الأمل بالحياة، والاعتماد على الخالق، ويزرع فيه الوازع الدينيّ الذي يحميه من اقتراف الآثام.

والإيمان بالله تعالى باعث للسلوك القويم؛ حيث يجعل الخير والصلاح أصيلاً ثابتًا لا عارضًا مزعزعًا. ومن آثاره: التفاؤل، التفتّح، الطمأنينة، التمتّع باللّذّات المعنويّة، مقاومة الانحراف، الصبر على المصائب، التنافس على عمل الصالحات، وغيرها من مقوّمات الاستقامة وحسن السيرة والسريرة.

ومن آثاره الاجتماعيّة: احترام القوانين والضوابط الاجتماعيّة، تقديس العدالة، الشعور بالأخوّة والمحبّة بين الأفراد، الثقة المتبادلة، الإحساس بالمسؤوليّة الاجتماعيّة، التقوى، الإيثار، نكران الذات، تقبّل النصيحة والنقد البنّاء.

   ب ـ الإيمان بالثواب والعقاب: الإيمان بالثواب والعقاب واستشعاره في العقل والضمير هو الزمام الذي يكبح الشهوات والنزوات، وهو أكثر إيقاظًا للعقل والقلب والإرادة؛ حين يوجّه الكيان الإنسانيّ إلى اليوم الخالد الذي يقف فيه الإنسان أمام من لا تخفى عليه خافية وأمام من يحيط بالإنسان والحياة والكون. والإيمان بالحياة الأخرى حافز على إصلاح النفس والضمير، وحافز للتسامي والارتقاء في جميع مقوّمات الشخصيّة الإنسانيّة، ومقوّمات الحياة الإنسانيّة.

   ج - ذكر الله تعالى: قال تعالى: (ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(سورة الرعد، الآية 28).

إنّ اطمئنان القلب يحقّق التوازن النفسيّ والانفعاليّ، وهو أحد أعمدة الصحّة النفسيّة التي تسهم مساهمة فعّالة في ارتقاء الإنسان سلّم الكمال والمسيرة الصالحة.
وذِكرُ الله يصدّ عن فعل القبيح لاستشعار الرقابة الإلهيّة المطبقة على حركات الإنسان وسكناته، فلا يُقدِم على أيّ ممارسة مخالفة للموازين الإلهيّة في السلوك والعلاقات الاجتماعيّة، ولا يُقدِم على أيّ عمل لا يحرز فيه رضى الله تعالى.
وأوّل ثمار ذكر الله تعالى الابتعاد عن الشيطان الذي يوسوس للإنسان ويزيّن له الانحراف، والابتعاد عن الشيطان أو إبعاده عن التأثير مقدّمة لإصلاح خلجات النفس ثمّ الممارسات العمليّة.
ومصاديق الذكر متعدّدة ومتنوّعة لا حدود لها، وقد وردت عدّة روايات تؤكّد على التسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، وقول: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، ولكلّ واقعة أو حدث أو قضيّة ذِكر معيّن، مثل: الحمد لله، حسبي الله، أتوكّل على الله... وغيرها.

   د - الاستغفار: الاستغفار مفهوم إسلاميّ ينقل الإنسان من مرحلة الوقوع في الانحراف إلى مرحلة تجاوزه والعودة إلى الهداية والاستقامة، وهو نقلة نوعيّة في مسيرته وحركته الفرديّة والاجتماعيّة، فالنفس الإنسانيّة حين ترتكب الخطيئة يختلّ توازنها وتماسكها، وتصبح عرضة للوساوس والهواجس، فيجد الشيطان طريقه إلى هذه النفس، وقد يقودها إلى الانحراف تلو الانحراف، ولكن الاستغفار يردّها إلى الاستقامة ويقوّي صلتها بالله تعالى.
والاستغفار علاج واقعيّ للانحراف، ويسهم في اجتثاث آثاره السلبيّة على القلب والإرادة، وهو الدواء كما جاء في الروايات.

   هـ - تنمية الحياء: الحياء عبارة عن الشعور بالانفعال والانكسار النفسيّ نتيجة للخوف من اللوم والتوبيخ من الآخرين، وهو شعور تُراعى فيه المثل والقيم والضوابط الاجتماعيّة، ويسهم بشكل فعّال في ضمان تنفيذ القوانين والمنع من الإقدام على التجاوز والاعتداء، وهو الذي يحصّن الإنسان من جميع ألوان الانحراف والرذيلة.
ورد في الحديث: «الحياء لباس سابغ، وحجاب مانع، وستر من المساوئ واقٍ، وحليف للدين، وموجب للمحبّة، وعين كالئة تذود عن الفساد، وتنهى عن الفحشاء»[1].

وللحياء آثار تربويّة؛ أبرزها العفّة، والابتعاد عن فعل القبيح.

خلاصة القول، إنّ كثرة الضغوط والتسارع في الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والعمليّة، وازدياد متطلّبات الحياة، كلّها عوامل أدّت إلى أن يعيش الفرد في توتّر، وقلق، وتفكير دائم بشؤونه الحياتيّة...

والحلّ الوحيد للخروج من هذه الحالة هو الرجوع إلى الله، وذكره في كلّ سرّاء أو ضرّاء؛ عندها يعيش الإنسان سلامًا داخليًّا، وهدوءًا، واطمئنانًا نفسيًّا...

---------------------------

[1] ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، ط2، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم، 1404هـ، ج20، ص272.