-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : غزت العقول...فضاعت الهويات؟!

الباحث :  الشيخ صلاح محمد العس
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  8
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2020م / 1441هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 18 / 2020
عدد زيارات البحث :  268
يولّد اختلاف الثقافات بين البلدان اختلافًا طبيعيًّا في ما بينها من ناحية الحضارة ونمط التفكير وأسلوب العيش وطريقة الاستهلاك وغيرها من الأمور.
لكنّنا لاحظنا أنّه في السنوات الأخيرة وعقب انتشار خدمة الإنترنت والهواتف الذكيّة المحمولة والتلفاز والثورة التكنولوجيّة بأشكالها المتنوعة حدث تأثيرٌ كبيرٌ للثقافة الغربيّة على عقول شبابنا؛ حيث غزت  بيوتنا؛ لأنّها كانت تمتلك أدواتٍ كثيرةً ومناسبةً يسمح لها بالتدخّل في كلّ مفاصل حياتنا اليوميّة.
وقد ساهمت الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة التي تتعرّض لها مجتمعاتنا في دخول الثقافة الغربيّة واستخدامها بأشكالها السلبيّة أكثر من استخدامها بوصفها عاملًا إيجابيًّا نحو التطوّر، وهذه هي الغاية من الحرب الناعمة التي يخوضها الآخرون علينا في محاولةٍ منهم لطمس معالم تاريخنا وحضارتنا وكلّ ما هو جميلٌ لدينا.

ومن المظاهر التي وقع فيها مجتمعنا الإدمان على استخدام الإنترنت، بحيث نأى الفرد عن الحياة الاجتماعيّة وأصبح منعزلًا عن مجتمعه، فاتّخذ الإنترنت وسيلةً للتسلية وتمضية أوقات الفراغ بما لا يعود بالنفع عليه، بل صار يقلّد الغرب في طريقة تصرّفه وعيشه وتفكيره وحتّى في الأسواق من خلال اللباس وتصاميم الموضة، بالإضافة الى اتّجاهٍ لاستخدام اللغة العربيّة المكسّرة أو كتابتها باللغة اللاتينيّة لإظهار التأثّر الشديد بالثقافة الغربيّة.

أوّلًا: أسباب التأثّر بالثقافة الغربيّة:
هناك عدّة أسبابٍ وراء تفشّي ظاهرة غزو العادات والتقاليد الغربيّة لمجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة واستبدالها بتصرّفاتٍ بعيدةٍ عن الموروث الثقافيّ والأخلاقيّ؛ لذلك يجب أن نقف أمام هذه الأسباب ونضع الحلول السريعة والصارمة لتجنّب ضياع الهويّة العربيّة والأخلاق الاسلاميّة، ويمكن استعراض بعض أسباب التأثّر بالثقافة الغربيّة، ومنها:
1. غياب الجانب التربويّ في مناهج التعليم، فبعد أن كانت المدرسة تربيةً وتعليمًا أصبحت الآن تركّز على الجانب التعليميّ وتهمل الجانب التربويّ.
2. عدم مراقبة الأهل لأولادهم واعتمادهم بشكلٍ كبيرٍ على المدرسة في التوجيه والإرشاد بحيث استقالوا من دورهم.
3. العنف الأسريّ الذي يمارسه بعض الآباء في حقّ أبنائهم ما ساعد على التهوّر والانحراف والاستهتار بحجّة الحرّيّة المزعومة والنتيجة أنّ العوائل أصبحت مفكّكةً.
4. الاهتمام بالمظاهر فقط والابتعاد عن الأصول والأعراف والتربية الأخلاقيّة الرصينة على ضوء القرآن والسنّة الشريفة والموروث الاجتماعيّ الناصع.
5. البطالة والفراغ الذي يعاني منه الشاب العربي والمسلم، حين يجد نفسه ضائعًا في دوّامتها، ولا يجد حلًّا لقتل الفراغ إلا من خلال التشبّه بالشباب الغربيّ.
6. الإطاحة بالنظم والقيم من قبل منظّماتٍ دوليّةٍ، من خلال الحرب الناعمة، حيث كان الغرض منها هو إحداث الانحلال والتفكّك فينا.
7. قلّة الوعيّ والثقافة ونمط التفكير السليم؛ بحيث باتت عقول شبابنا تتقبّل كلّ ما يفد إلينا من الثقافات التي لا تنسجم مع تراثنا وديننا.

ثانيًا: أخطار التأثّر بالثقافة الغربيّة:
وردت آياتٌ تذمّ اتّباع الآخرين دون وعي، قال تعالى: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (سورة الجاثية، الآية 18).
شرّع الله تعالى شريعةً كاملةً، تدعو إلى كلّ خيرٍ وتنهى عن كلّ شرٍّ، وأمرنا باتّباعها، فإنّ فيها السعادة في الدنيا والآخرة، ونهانا عن اتّباع أهواء الجهلة الذين لا علم لهم ولا كتاب، ويمشون وراء أهوائهم الفاسدة وشهواتهم الدنيّة.
وقال تعالى:(وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)(سورة الزخرف، الآية 23).
فإذا دان القرآن الكريم المنطق القائم على أساس التقليد الأعمى لعادات الآباء والأجداد، فكيف بتلك العادات الوافدة إلينا من ثقافاتٍ أخرى تحمل في مضمونها تدميرًا لبنية تفكيرنا وجذور وجودنا.

إنّ إنبهار شبابنا بهذه الثقافة وزحف العادات والتقاليد الغربيّة واندثار التقاليد العربيّة والإسلاميّة العريقة لها مخاطر كثيرةٌ، أهمّها:
1. مسخ الهويّة والمسّ بالقيم الدينيّة والتقاليد والخصائص الفكريّة للأمّة وتصوّراتها العقَديّة، وسلوكيّاتها الاجتماعيّة، وموروثها الحضاريّ، واختراق كلّ ما هو دخيلٌ، وفرضه من خلال تحسين التكيّف معه، وذلك بقصد تقبّله كبديلٍ عصريٍّ تتطلّبه ضرورات الحداثة.
2. التشكيك في قدرات الأمّة الذاتيّة على النهوض وبناء حضارتها العصريّة، واستعارة نظم حياة واستنساخ أنماط سلوك لها، حتى ولو لم تكن متوافقةً مع خصوصيّاتها، تمهيدًا للغزو ووضع اليد على نقاط قوّتنا وخيرات بلداننا بحجّة الحماية لنا.
3. قتل روح الأمّة من خلال الإساءة إلى الإسلام، والتشكيك بقدسيّة نصوصه ووصمه بالتخلّف، وإقصاء اللغة العربيّة من الاستخدام بقصد صياغة الأجيال كما يريدون، وتقديم نماذجَ مزيّفةٍ عن الحرّيّة حتّى تكون قدوةً لأجيالنا.

ثالثًا: كيف يمكن الحدّ من تأثير الثقافة الغربيّة؟
إنَّ سُبل التخلّص من سلبيّات هذا الغزو الثقافيّ والحدّ من تأثيراته على شبابنا ومجتمعاتنا تكمن في توافر الإرادة الحقيقيّة مع الإدارة المخلصة والوفيّة، فإذا اتّخذ أسلوب المواجهة والمعالجة سبيل التخطيط السليم والتعاون والاتّحاد بين أفراد المجتمع ومؤسّساته، فإنّنا سنصل حتمًا، فقد كانت لنا الغلبة والسيطرة في قرونٍ مضت وليس بمستحيلٍ استعادتها، ولكنّها تحتاج إلى كثيرٍ من العمل والإتقان وتجديد الأساليب التي تتماشى مع روح العصر، فإذا أردنا الحدّ من تأثير الثقافة الغربيّة، فعلينا القيام بكثيرٍ من الخطوات، وأهمّها:
1. احتواء المناهج الدراسيّة على مساحةٍ معتبرةٍ تتحدّث فيها عن ثقافتنا وأفكارنا وأخلاقيّاتنا المستندة إلى المنابع الأصيلة بعيدًا عن التعصّب والفكر الهدّام.
2. مخاطبة الشباب بلغتهم والذهاب إليهم والجلوس معهم والاستماع لهم، بدل أن يأتوا هم إلينا، فعمليّة تبادل الأدوار مهمّةٌ إذا أعددنا لها بالشكل المناسب.
3. تقديم فرص العمل للشباب، وإيجاد الأماكن التي يمارسون فيها هواياتهم الفكريّة والرياضيّة والتعبير عن أنفسهم.
4. التعاون بين الأهل والمدرسة والمجتمع المدنيّ لتأمين البيئة الصالحة لأبنائنا وإرشادهم بأسلوبٍ جذّاب بعيدًا عن العنف.
5. إيجاد مساحة أكبر من قبل الإعلام المرئيّ والمسموع لبثّ روح الوعي في نفوس شبابنا؛ إذ لن نستطيع الحدّ من تأثير الغزو الفكريّ عليهم دون وجود أرضيّةٍ صلبةٍ يقفون عليها.
ختامًا نسأل ما هو العلاج الذي قدَّمته الحكومات المسؤولة للحدّ من هذه الظاهرة ليكون الشباب في منأى عن تأثيرات الثقافات السلبيّة، نحن في الحقيقة لا نختلف عن الشخص الذي يعرف مرضه لكن ليس لديه الرغبة في تناول جرعة الدواء، إذ إنّنا نتحدّث كثيرًا عن اختراق الثقافة الغربيّة لشبابنا لكن لا نحرّك ساكنًا.
إنّ المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومات والمؤسّسات والمنظّمات الثقافيّة والعلميّة الحكوميّة والمدنيّة لكي تهتمّ بحاجات شبابنا، فلا يحقّ لأيٍّ كان إلقاء اللوم عليهم قبل تأمين ما يلزم لهذه الأجيال.
علينا أن نستفيد من النواحي الإيجابيّة في الحضارة الغربيّة التي تنطوي فنقتبس منها ما يناسبنا ولا يخلّ بالآداب والقيم الاجتماعيّة والتعاليم الدينيّة السائدة في مجتمعنا الشرقيّ العربيّ المسلم، فنستفيد مثلًا من العلوم والتقنيّات الحديثة لتطوير دراساتنا وتوسيع آفاقنا المعرفيّة.
وننأى بأنفسنا عن التأثير السلبيّ فهو تغييرٌ قشريٌّ في الغالب ويكون مقدّمة للانسلاخ عن الهويّة الحقيقيّة والتمظّهر بما لا ينسجم مع ثوابت المجتمع الذي ننتمي إليه في محاولة للتميّز والتمرّد على الواقع المتخلّف والرجعيّ في نظرنا أو بالقياس إلى درجة التقدّم الذي أحرزته المجتمعات الغربيّة.
إخوتي وأحبّائي الشباب والشابات، لديكم من الطاقات والقدرات الخلّاقة التي تحتاج إلى من يفجّرها ويستفيد منها، فإذا أهمل الآخرون إمكانيّاتكم، بادروا أنتم إلى أخذ دوركم في العمل والإبداع، واصنعوا تاريخًا مليئًا بالتضحية ومواجهة كلّ ما هو دخيل، حتّى لا ننهزم من الداخل، ولكي نبقى أقوياء بديننا وفكرنا وسواعد شبابنا وعقولهم المنيرة.