-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : الجمهور وصناعة المحتوى الإعلامي للفيسبوك...

الباحث :  محمد حيدر
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  7
السنة :  السنة الثانية - خريف 2019م / 1441هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 14 / 2019
عدد زيارات البحث :  355
تختلف وسائل التواصل الاجتماعيّ في المعايير التي تعتمدها لانتشار المحتوى الإعلاميّ، ففي ما يعتمد اليوتيوب (Youtube) مدّة المشاهدة معيارًا أساس (كلّما ارتفعت مدّة مشاهدة المحتوى الإعلاميّ ازداد انتشاره وظهوره عند الجمهور)، يعتمد الفايسبوك (Facebook) مجموعةً من المعايير، أبرزها وأكثرها تأثيرًا تفاعل الجمهور مع المنشور، فكلّما ازداد التفاعل مع المنشور ازداد انتشاره، وكلّما قلّ التفاعل معه ضعفت إمكانيّة مشاهدته عند الأصدقاء (Friends) والمتابعين (Followers) وغيرهم ممن يستخدم هذا التطبيق[1]. فتفاعل الجمهور على الفايسبوك هو الذي يحيي المنشور أو يميته.
هذا الدور التقنيّ لتفاعل الجمهور مع المحتوى، يولّد انعكاسات فكريّة وثقافيّة ونفسيّة لدى المستخدمين لا يمكن التعرّف عليها إلّا من خلال تحليل آثار التفاعل _  بوصفه معيارًا أساسًا لانتشار المحتوى_ على عمليّة نشر المحتوى الإعلاميّ على الفايسبوك.

فمن هو جمهور الفايسبوك؟
وكيف يؤثّر تفاعل هذا الجمهور في صناعة المحتوى الإعلاميّ وصياغته على الفايسبوك؟
جمهور الفايسبوك؟!
سجّلت بيانات شركة الفايسبوك وجود أكثر من 2.4 مليار حساب فايسبوك فعّال خلال شهر حزيران 2019[2]، وذكرت الشركة في تقريرها أنّ نحو 1.6 مليار مشترك يستعملون تطبيق فايسبوك بشكل يوميّ[3].
ويتميّز هذا الجمهور بأنّه جمهورٌ عامّ غير تخصّصيّ، يتكوّن عادة من الأقارب والأصدقاء والزملاء، فالمشترك الأبرز في الأصدقاء والمتابعين في الفايسبوك ليس المؤهّلات العلميّة، ولا الاهتمامات الثقافيّة أو الفنيّة أو الرياضيّة، بل المشترك هو الشخص نفسه. هذا المشترك يترك أثرًا كبيرًا على المحتوى المنشور، فبما أنّ الصداقة والمتابعة تتكوّن بناءً على المعرفة الشخصيّة، فإنّ الموضوعات التي ستُنشر ستميل للحديث عن الأمور الشخصيّة، لا عن القضايا العامّة. وبعبارة أخرى إنّ التمركز حول الذات سيكون السمة الأبرز للمحتوى المنشور على منصّة الفايسبوك.
ويبدو أنّ سياسات الشركة تهدف إلى تعزيز هذا الاتجاه عبر التأكيد على العلاقات الشخصيّة وإضعاف العلاقات المبنيّة على الاهتمامات المشتركة. فقد قلّصت إدارة الفايسبوك مطلع عام 2018 انتشار (reach) محتوى الصفحات[4] _التي تُبنى على أساس الاهتمامات المشتركة_، فيما حافظت على حجم انتشار محتوى الحسابات الشخصيّة[5]. 

التفاعل وآثاره على المحتوى المنشور:
للتفاعل دور رئيس في انتشار المحتوى على الفايسبوك، فكلّ مستخدم يرغب في انتشار المضمون الذي ينتجه، فيفكر _بشكل مباشر أو غير مباشر_ في تحقيق الشروط التي تضمن التفاعل.
 فما هي الشروط أو الصفات التي تزيد من التفاعل مع المحتوى المنشور؟

نوع القضايا:
شكّل تفاعل الجمهور مع المحتوى الإعلاميّ تحديًّا كبيرًا لمختلف أنواع العمل الإعلاميّ[6]، وقد اعتمدت وسائل الإعلام على نشر أخبار تثير اهتمام الجمهور من أجل ضمان متابعته وتفاعله مع أخبارها. لكنّ هذه الأخبار شكّلت خطرًا حقيقيًّا على ثقافة المجتمع وأمنه الاجتماعيّ؛ لما تحويه من قيم مضرّة (السلبيّة، الاختلافات، الجرائم، الفساد...)[7].
بات هذا التحدّي أكبر مع وسائل التواصل الاجتماعيّ عمومًا، والفايسبوك خصوصًا؛ لأنّ التفاعل لم يعد ميزة تفاضليّة كما هو الحال مع وسائل الإعلام التقليديّة، بل أصبح ضرورة حيويّة لانتشار المحتوى. ومع ملاحظة الفارق الكبير بين قدرات المؤسّسة الإعلاميّة التقليديّة وبين قدرات الفرد العاديّ الذي يستخدم الفايسبوك، سيتضح ازدياد حاجة الفرد للقيم الخَبَريّة الخطرة اجتماعيًّا وثقافيًّا، فالمحتوى الذي يتضمّن معلومة مثيرة أو اتهامًا، سيلقى تفاعلاً كبيرًا وسينتشر[8]، فيما سيفشل المنشور الجادّ في جذب تفاعل الجمهور.
كذلك سيتسابق المستخدمون إلى نشر الأخبار _خصوصًا المثيرة وغير المتوقّعة_ للحصول على تفاعل من الجمهور، دون التأكّد من صحّتها، ما يؤدّي إلى انتشار الأخبار الكاذبة التي قد تمسّ أحيانًا بأمن المجتمع أو بسمعة بعض الأفراد. وقد شكّلت الأخبار الكاذبة تحدّيًّا كبيرًا لشركة الفايسبوك، ولا زالت إلى الآن عاجزة عن مواجهته، فعلى سبيل المثال حظي أحد الأخبار الكاذبة عام 2018 بأكثر من مليونين وثلاثمئة ألف قراءة[9].
من ناحية أخرى فإنّ خوارزميّات الفايسبوك تنظر إلى التفاعل بشكل تقنيّ بعيدًا عن محتواه، فالتعليق (comment) المؤيّد هو تفاعل يزيد من انتشار المحتوى، وكذلك التعليق الرافض أو المستهجِن هو تفاعل يزيد من انتشار المحتوى، بالتالي فإنّ المحتوى الذي يستطيع أن يخلق جدالاً ونقاشًا سيحصل على تفاعل كبير وانتشار واسع، علمًا بأنّه من المستحيل مناقشة أيّ فكرة مناقشة علميّة عبر التعليقات.
ومن الأمور التي تزيد من تفاعل الجمهور مع المحتوى هو اعتماد الهاشتاغ (Hashtag)، فعندما تنشر عن موضوع يتداوله الجمهور سترتفع فرص ظهور منشورك عند الآخرين. لكن تبقى المسألة في قدرة الفرد على صناعة الهاشتاغ الذي يعبّر عن همومه وتطلّعاته، أو الانسياق وراء هاشتاغ يفرض عليه عمليًّا.

السطحيّة:
في دراسة تحليليّة أُجريت على مضمون 777 مليون منشور على صفحات الفايسبوك عام 2018 تبيّن أنّ أكثر المنشورات رواجًا هي التي لا يتجاوز عدد أحرفها الخمسين[10]. إذًا فالتفاعل يرتبط بقلّة عدد الكلمات، والمنشورات الأكثر تفاعلاً هي الأقلّ كلامًا.
من هنا يولد تحدٍّ كبير أمام مستخدم الفايسبوك، وهو القدرة على صياغة محتوى جاذب للجمهور ولا يحوي كثيرًا من الكلمات، وهذا ما يتطلّب قدرة تعبير عالية جدًّا، وإجادة في استخدام اللغة، ومعرفة طريقة ترتيب الكلمات بشكلٍ مؤثّر.
من ناحية أخرى يشكّل قلّة عدد الكلمات عائقًا أمام عرض الأفكار _خصوصًا العميقة منها_ وفهمها. لذا يكثر في الفايسبوك الفهم الخاطئ للمحتوى، ما يساهم في إثارة نقاشات وتبادل اتهامات لا معنى لها لولا سوء الفهم.
وبما أن أغلب مستخدمي الفايسبوك لا يتقنون أساليب التعبير، ولصعوبة التعبير عن الأفكار المهمّة والعميقة، يصبح الخطاب الرائج على الفايسبوك هو الخطاب السطحيّ غير العميق. وفي ظلّ الاستخدام الطويل والمتكرّر للفايسبوك يؤثّر نوع الخطاب على طريقة تفكير من يستخدم الفايسبوك، ويصبح التفكير العميق أكثر صعوبة.

الصورة:
تطغى الصور على الفايسبوك، فقلّما ينشر محتوى من دون صور، فالمنصّة بطبيعتها منصّة بصريّة، وتصفّحها يعتمد بشكل أساس على ملاحظة الصورة أوّلاً والنصّ تاليًا. وقد بيّنت الدراسات أنّ التفاعل مع المنشورات التي تحوي صورًا هو أكثر بأضعاف من تلك التي تحوي نصوصًا فقط.
إذًا الصورة ضرورة لزيادة التفاعل وانتشار المحتوى، لكنّ التحدّي يكمن في إمكانيّة العثور على الصورة المناسبة، فالمستخدم العادي يجد سهولة في إنتاج ونشر صور شخصيّة أو عائليّة[11]، لكنّه يجد صعوبة كبيرة في إيجاد أو إنتاج صور مناسبة للمواضيع الاجتماعيّة والتربويّة والتاريخيّة؛ لذا يضطر إلى استيراد الصورة من مواقع أجنبيّة، وعادة ما تحمل الصورة رموزًا ثقافيّة وفكريّة مكثّفة.
وفي الإطار نفسه كشفت دراسة تحليليّة أنّ الفيديو هو الأكثر تفاعلاً على وسائل التواصل الاجتماعيّ[12]، لكنّ المشكلة هي في صعوبة إنتاج المستخدم العادي لفيديو جيّد إعدادًا وتنفيذًا، لذا يتحوّل إلى مستهلك بدل أن يكون منتجًا فعّالاً.
في مقابل هذه التحدّيّات البصريّة، يتيح التطوّر التكنولوجيّ عبر التطبيقات المجانيّة على الهواتف الخلويّة فرصة كبيرة لكلّ مستخدم ليتمكّن من إنتاج محتوى بصريّ جيّد ومفيد.
أخيرًا، لكلّ ثورة وعدٌ، ووعد ثورة التواصل الاجتماعيّ كان تحرير الفرد من سلطة وسائل الإعلام التقليديّة، وإعطائه منبرًا خاصًّا يستطيع من خلاله التعبير عن آرائه بحرّيّة واستقلاليّة، لكن يبدو أنّ الخصائص التقنيّة في وسائل التواصل الاجتماعيّ- ومنها التفاعل- يفرض تحدّيّات في المضمون والشكل قد تعيد الفرد إلى مستهلك للمحتوى الإعلاميّ بدل أن يكون منتجًا له، أو أنّها بالحدّ الأدنى تفرض عليه قيودًا قد تسلبه حرّيّته واستقلاله.
وتجدر الإشارة إلى أنّ لشكل التفاعل آثار نفسيّة وثقافيّة كبيرة، وقد أشارت مجموعة من الدراسات إلى خطورة التفاعل عبر الإعجاب؛ لما يسببه من زهوّ بالنفس ونرجسيّة، بل حذّر بعضها من تسببه بالإدمان الإلكترونيّ، والآن تدرس شركة الفايسبوك بجديّة إلغاء خيار الإعجاب من منصّتها[13].

------------------------------------
[1]عندما يكثر التفاعل مع المنشور يمكن أن يظهر عند غير الأصدقاء والمتابعين للحسابات الشخصيّة أو الصفحات.
[2]-https://newsroom.fb.com/company-info/
[3]- https://newsroom.fb.com/company-info/
[4]-https://newsroom.fb.com/news/2018/01/news-feed-fyi-bringing-people-closer-together/
[5] لا شكّ أنّ زيادة عائدات الإعلانات كان من الدوافع الأساس وراء تخفيض انتشار الصفحات، لكنّه يصبّ حتمًا في خانة تعزيز العلاقات الشخصيّة بدل العلاقات القائمة على الاهتمامات المشتركة.
[6] بدءًا من الصحافة المكتوبة وصولًا إلى الصحافة الالكترونيّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ.
[7] انظر: القرعاويّ، حارث، وآخرون، الإعلام وتشكيل الرأي العام وصناعة القيم، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2013.
[8] يعلن الفايسبوك في سياساته رفضه وتصدّيه للمحتوى الذي يروّج خطاب الكراهيّة، أو يروّج للعنف ودعم الإرهاب، أو يهدف إلى تضليل الرأي العام، لكنّه يطبّق هذه المعايير بطريقة سياسيّة متحيّزة.
[9]-https://www.socialmediatoday.com/news/the-top-10-fake-news-articles-on-facebook-in-2018-infographic/545165/
[10]- https://www.socialmediatoday.com/news/new-report-looks-at-optimal-facebook-posting-practices-in-2019/545233/
[11]- بعض الدراسات تعتبر الصور الشخصيّة عاملًا رئيسًا في شيوع النرجسيّة وسوء الأداء الاجتماعيّ، انظر: chrostopher carpenter, Narcissism on facebook: self promotional and antisocial behavior.
[12]- https://www.socialmediatoday.com.
[13]- https://www.youtube.com/watch?v=91HL2k-6ijM