-----------

دور القيم، في بناء مجتمع شبابي حضاري

{ حسين طالب }

دور القيم، في بناء مجتمع شبابي حضاري

يعدّ مفهوم القيم من المفاهيم الشائعة في حياتنا اليوميّة، وذلك بوصفها معياراً  للسلوك الإنسانيّ، فكثيراً ما نتحدّث عن القيم، ونشكو من انهيارها. ما يدفع إلى التأكيد على حاجة الإنسان المعاصر، وبخاصّة الشباب إلى الإحساس بالقيم، بعيداً عن السطحيّة التي قد نأخذ بها الأمور، والتي تؤدّي إلى عدم إدراك القيم الحقيقيّة للأشياء والأشخاص، والخلط بينها وبين القيم النسبيّة أو الوسيليّة... ما يؤدّي إلى نشوء ظواهر سلبيّة، مثل: التخلّف والانحلال واليأس والتشاؤم.

والجدير ذكره، أنّ القيم ليست خاصّة بالجانب الأخلاقيّ فقط، فثمّة مجالات كثيرة، منها: قيم الحقّ، والخير والجمال، كما أنّ ثمّة قيماً دينيّة تتداخل مع تلك القيم التي تحكم حياة الإنسان، أو التي ينبغي أن تحكمها.

اهتمام الإسلام بالقيم:

يهتمّ الدين الإسلاميّ بكلّ القيم التي ترتقي بالإنسان وتهذّب أخلاقه، وتسمو بعواطفه، وترقّق مشاعره، وتنمّي إحساسه بالجمال، ما يضع القيم الإسلاميّة في مرتبة عليا، وفي قمّة سلّم القيم، ويجعلها حاكمة على غيرها من القيم.  وإذا كانت الأخلاق في الإسلام تعتمد على الوحي الإلهيّ فليس معنى ذلك أنّها تتصادم أو تتناقض مع مقرّرات العقل الإنسانيّ، كما أنّ الضمير الحيّ اليقظ لا يصدر عنه إلّا ما يتفق مع ما يأمر به قانون الأخلاق في الإسلام.

وقد قامت الحضارة الإسلاميّة على أسس مشبعة بالقيم، في أصولها وفروعها، بل إنّ هذه الأمّة الوسط الخيّرة، لم تكن كذلك إلّا بقيامها بواجب القوامة لله على الناس، الذي هو واجب الشهادة والشهود الحضاريّ، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}[1]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ}[2]، وقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}[3].

إنّ المنظور الحضاريّ القائم على أصول كليّة، يجد منظومة القيم جديرة بتقديم رؤية معرفيّة، ومنهاج بحث ونظر، وأدوات تعامل وتناول، وضوابط سعي وسلوك، كركن أساس في بناء هذا المنظور.

العقيدة الإسلاميّة والقيم:

 إنّ عقيدة الإسلام (العقيدة الدافعة) تدفع باتجاه إعمار الكون وإحيائه، وترى الإنسان سيّداً في الكون لا سيّداً عليه. وكذلك شرعة الإسلام ترفع الإنسان عن الانحطاط دون المرتبة الإنسانيّة، وتيسّر له سبل السلام، وتخرج العقل من الضيق إلى السعة، فتضع عن الناس الآصار والأغلال. وبالتالي، فإنّ الشريعة والعقيدة تنظمان شجرة قيم كبرى، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

تتأسس هذه القيم في مثلث «التوحيد والتزكية والعمران» الجامع لسائر القيم المتعلّقة بالله تعالى، والكون والحياة والإنسان، والمرتبطة بمنظومة السنن الحاكمة والمتحكّمة في الحركة الحضاريّة، والتي يسهم التعرّف عليها والوثوق بها في توجيه هذه الحركة وتقويمها.

قيمة «التوحيد» الداعية إلى وحدانيّة الله تعالى، وإلى أمّة واحدة، وصراط مستقيم واحد، هي التي توحّد البشريّة – التي جاءت من نفس واحدة – تحت رايتها إرادة واختياراً، في (أمّة جامعة). هذه القيمة التي تؤسّس لبناء مجتمع حضاريّ، تتوجه نحو الإنسان (المستخلَف في الأرض) بدور «التزكية» لنفسه وأهله ومجتمعه وأمّته، قال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[4]، وتحكم ذلك منظومة من المقاصد العليا التي توجّه الحركة بما يحفظ دين الإنسان ونفسه وكرامته ونسله وعقله وماله.

تتّسع منظومة القيم – في المنظور الحضاريّ – إلى مجالات متعدّدة في الحياة البشريّة: السياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والنفسيّة، والعلميّة... إلخ.

وفي هذا الإطار أعلى الفكر الإسلاميّ – منذ بواكيره وفي أصوله الحضاريّة الأساسيّة – مجموعة من القيم التي تعدّ بمثابة الهيكل الحاكم للفكر والحركة في المجال السياسيّ.

فقيمة «العدل» قاعدة كبرى استند إليها هذا الفكر في تنظيره واستنباطه، وفي رصده لحركة الواقع وتشخيصه، وفي تقويم هذا الواقع وإصلاحه وتجديده. فالمدينة الفاضلة، في الفلسفة السياسيّة الإسلاميّة من لدن الفارابيّ والغزاليّ، وابن خلدون وغيرهم، ترتكز إلى العدل الذي به قامت السماوات والأرض، قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[5].

القيم العليا في الإسلام:

يؤكّد الفكر الإسلاميّ على أنّ القيم العليا، وعلى رأسها التوحيد، لا تنتظم بغير قيمة (العدل)، لكنّ التوحيد الذي تنهض عليه الدولة والأمّة في المنظور الحضاريّ لا يكتمل حتّى يثمر عدلاً وعدالةً، فالشرك ظلم عظيم، والظلم يفتّ حقيقة التوحيد وأنواره.

إنّ هذا التوحيد الذي يجعل المقام الأعلى متوحّداً في الله تعالى يفضي إلى «المساواة» بين البشر من حيث أصل خلقهم، فلا فضل لجنس ولا لنسب ولا لعرق ولا للون ولا لطبقة ولا لنوع (ذكر أو أنثى) على غيره إلّا بمقدار ما يحقّق من القيمة العليا (التوحيد) ولوازمها ومقتضياتها التي سمّاها القرآن أبلغ تسمية: «التقوى». هذه المساواة الإنسانيّة هي التي ميّزت الأمّة الجامعة سواء أكان في حركتها الداخلية، أم في حركتها عبر المجال الحضاريّ والدوليّ.

 وهذا العقد الفريد الذي انتظم بواسطته التوحيد والعدل والمساواة، وشدّد على الكرامة الأصليّة للإنسان وبراءة ذمّته، وعلى حرمة الإنسان في ذاته: نفسه أو دمه، وفي خصائصه من العقل والحرّيّة والكرامة والتكريم، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[6]، وفي ممتلكاته وما يخصّه من مال ومعرفة ومتاع.

فالقيم في المنظور الحضاريّ مؤسّسة وحاكمة ومقومة ومصلِحة وحافظة ونامية ومنمّية، تتضافر مع العقيدة الدافعة والشرعة الرافعة، والأمّة الجامعة (المجال الحضاريّ)، والسنن الحاكمة، والحضارة الفاعلة، والمقاصد الراعية، في بناء منظور متكامل للنظر في الأمّة ودولها، والنظم السياسيّة وحركتها وأسسها، وكذلك تقدّم مدخلاً منهجيّاً وإطاراً مرجعيّاً لدراسة أحوال الأمّم وتفاعلاتها في الساحة الدوليّة والحضاريّة.

القيم الحضاريّة في الإسلام:

نشير هنا إلى بعض النماذج من القيم التي أكّد عليها الإسلام؛ لبناء مجتمع شبابيّ حضاريّ، ثابت الأركان، يسعى إلى التقدّم والرقيّ. ومن هذه القيم ما يلي:

1ـ التفكير: التفكير من أهمّ القيم التي حثّ عليها القرآن الكريم في عديد من الآيات الكريمة، ومن ذلك قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[7] وقوله: {أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}[8] وأكثر التعبيرات التي وردت في هذا الصدد قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[9].

فالقرآن الكريم يحفّز الناس على التفكير، ويأمرهم به في سياقات متنوّعة، وعادة يأتي ذلك عقب ذكر عديد من آيات الله الكونيّة أو الإنسانيّة، أو الحديث عمّا يتضمّنه القرآن الكريم من حكم بالغة، أو بعد الإشارة إلى بعض الأمثال، أو القصص، أو حتّى بعد التنبيه إلى ما بين الزوجين من المودّة والرحمة، أو غير ذلك من أمور تتطلّب من الإنسان أن يشحذ ذهنه وعقله لفهمها وإدراك ما تنطوي عليه من سنن وأسرار إلهيّة.

ومن خلال استقراء التاريخ نعلم أنّ المسلمين عندما توقّف تفكيرهم وانتشرت بينهم المقولات الخطأ مثل: «لم يترك الأوّل للآخر شيئاً». «وليس في الإمكان أبدع ممّا كان»، وراجت في أوساطهم الخرافات والأوهام، توقّفت حضارتهم وتوقّف إبداعهم، واكتفوا بثقافة المحفوظات، وترديد ما قاله السابقون، ما أدّى إلى توقّف عطائهم الحضاريّ، وإخلاء الميدان لغيرهم من الأمّم لتحمل راية التقدّم؛ بفعل ممارسة التفكير واستخدام العقول.

يقول القرآن الكريم، في الآيات التي تشير إلى تسخير كلّ ما في السموات والأرض للإنسان: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[10]، فهذا التسخير للسماوات والأرض وما بينهما يعدّ حقلاً واسعاً ومجالاً لا حدود له لكلّ من يستخدم عقله وفكره، كما جاء في ختام الآية {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. وفي ذلك دعوة واضحة للإنسان، وخاصّة الشباب، للتركيز على قيمة التفكير والعمل على أساسها؛ من أجل بناء مجتمع حضاريّ، يحقّق التقدّم للبشرية.

2ـ العلم: إنّ اهتمام القرآن الكريم بالعلم لا يحتاج إلى تأكيد، ومن هنا وجدنا القرآن الكريم يوصي النبيّ (ص) بأن يدعو ربّه للاستزادة من العلم {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[11]، وفي ذلك تحفيز لنا للسير على منواله والاقتداء به. والعلم – كما هو معروف – نقيض الجهل. فإذا كان الإسلام يعتبر العلم فريضة، فإنّ الجهل يعدّ رذيلة ونقيصة.

والحديث عن العلم يعني الحديث عن التفكير العلميّ، ويعني ضرورة الالتزام بالمناهج العلميّة. ولكن من المؤسف أنّ الأمر لا يزال يشيع في أوساط الكثيرين اللجوء إلى تفسير الأحداث بغير أسبابها الحقيقيّة، وتصوّر أسباب وهميّة لا صلة لها بالعلم ولا بالحقيقة.

ومن ثمّ تفسير الأحداث بغير أسبابها الحقيقيّة، واللجوء إلى الأساليب غير العلميّة وغير العقليّة في العلاج، واتخاذ القرارات الشخصيّة، أو ما شابه ذلك يعدّ انتكاسة فكريّة، فضلاً عن أنّه أمر مخالف للدّين جملةً وتفصيلاً، ما لم يستند إلى دليل محقق.

3ـ الوقت: يُعدّ الوقت قيمة من القيم الحضاريّة الأساسيّة التي نبّه إليها الإسلام، وحضّ على الالتزام بها، وحسن التصرّف فيها، وقد أقسم الله تعالى بالوقت (مثل الفجر والضحى.. إلخ) في عديد من آيات القرآن الكريم ليبيّن لنا مدى أهميّة هذه القيمة في حياة الإنسان؛ وخاصّة في مرحة الشباب؛ لأنّها المرحلة الأهمّ في حياته، حيث النشاط، والطاقة، والعطاء، والهمّة العالية... ما يعني ضرورة الاستفادة من هذه المرحلة لإنجاز الأعمال، من أجل تقدّم المجتمع ورقيّه.

وتأكيداً على أهمّيّة الوقت يخبرنا النبيّ (ص) أنّ الوقت يدخل ضمن المسؤوليّات الكبيرة التي سوف يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة «عن عمره فيما أفناه»[12].

وثمّة أمر مهمّ في هذا الصدّد ينبغي أن ندركه جيّداً، وهو ضرورة التفريق الواضح بين وقت الجدّ ووقت اللهو، وعدم الخلط بينهما، فلكلّ وقته، والإسلام في الوقت الذي يدعو فيه إلى العلم وإلى استغلال الوقت فيما يفيد، فإنّه يدعو إلى الترويح المقبول عن النفس استعداداً لاستئناف العمل من جديد.

 وأخيراً فإنّ الإسلام يعوّل كثيراً على ضرورة الوعي بالزمن، وأهمّيّة الاستغلال الأمثل للوقت في كلّ مجالات الحياة، إذ بدون ذلك لا تقوم حضارة.

4ـ العمل: من القيم التي ترتبط ارتباطاً عضويّاً بالوقت قيمة العمل؛ فالوقت هو الوعاء الذي يمارس فيه الإنسان أعماله، ولا يمكن فصل هاتين القيمتين عن بعضهما، فالوقت بلا عمل فراغ، والعمل لا يمكن أن يتمّ إلّا إذا كان ثمّة وقت لإنجازه، وإذا قلنا إنّ الوقت يشكّل عنصراً أساساً في تكوين الحضارة؛ فإنّ المقصود بذلك هو الوقت المرتبط بالعمل الجادّ المثمر، والعمل لا يكون جاداً أو مثمراً إلّا إذا كان قائماً على علم وفهم وإدراك. وكما أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الوقت والعمل، فإنّ هناك ارتباطاً لا يقلّ أهمّيّة بين العلم والعمل؛ بمعنى أنّ العمل المنتج يعدّ تنفيذاً لتخطيط علميّ وتطبيقاً عمليّاً لما حصل عليه الإنسان من علم ومعرفة، وبذلك يكون العلم والعمل وجهين لعملة واحدة.

ولعلّه من نافلة القول التأكيد على مدى اهتمام الإسلام بقيمة العمل، فالعمل لون من ألوان العبادة لله سبحانه وتعالى بالمعنى العامّ للعبادة، والعمل المقصود ليس أيّ عمل، وإنّما هو العمل الصالح الذي يفيد الفرد والمجتمع، سواء أكان دينيّاً أم دنيويّاً.

ونضيف هنا أمرين مهمّين أكّد عليهما النبيّ (ص) تأكيداً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض.

أولهما: إتقان العمل والإخلاص فيه، وفي ذلك يقول النبيّ (ص): «إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه»[13].

ثانيهما: استمراريّة العمل حتّى آخر لحظة في حياة الإنسان، وحتّى عندما توشك الدنيا على الفناء، وفي ذلك يقول النبيّ (ص): «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن يغرسها فليفعل»[14].

وهذا يعني أنّ الإسلام في تأكيده على قيمة العمل يؤكّد في الوقت نفسه على رفض التواكل بكلّ أشكاله وصوره، فالحياة حركة ونشاط، والأخذ بالأسباب سنّة من سنن الله في الكون، والتواكل مضادّ لذلك كلّه، وعندما ساد هذا التواكل المرذول مجتمعاتنا الإسلاميّة تخلّفت عن ركب الحضارة والتقدّم.

5ـ حسن المعاملة: الدّين ليس تقوى سلبيّة تقتصر على صاحبها، وإنّما التقوى الحقيقيّة تعدّ ترجمة عمليّة للدّين في التعامل مع الآخرين، سواء أكان ذلك بالقول أو بالفعل أو بالإشارة أو بأيّ وسيلة أخرى من وسائل التعامل.

ومن ثمّ فإنّ القرآن الكريم أكّد على حسن المعاملة في منهج الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، ويبَّن أنّ قوام الدعوة ومنهجها هو الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[15].

كما حثّنا الرسول (ص) على البشاشة في وجه الآخرين؛ لما لذلك من تأثير كبير في الألفة بين الناس؛ ولذلك يقول (ص): «تبسّمك في وجه أخيك صدقة»[16]، ويقول (ص): «لا تحقّرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وبِشْر حسن»[17].

هذا ولا يترك الإسلام فرصة للتعامل الحضاريّ مع الآخرين إلّا ويغتنمها، وذلك بهدف الوصول إلى غرس الثقة المتبادلة والألفة والمودة بين الناس؛ من أجل الوصول إلى مجتمع إنسانيّ تتحقّق فيه معاني الأخوة الإنسانيّة، ويسوده العدل والسلام.

ومن أجل ذلك يحضّ الإسلام باستمرار على حسن الخلق في التعامل مع الآخرين، عن أبي جعفر 8 أنّه قال: «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً»[18]. وقال أبو عبد الله8: «ما يقدم المؤمن على الله عزّ وجلّ بعمل بعد الفرائض أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه»[19].

ولا تقتصر حسن المعاملة على التعامل بين المسلمين، وإنّما ينسحب ذلك على التعامل مع غير المسلمين من كلّ الأجناس والشعوب ما دام هؤلاء لا يريدون بالمسلمين شرّاً، والقاعدة القرآنيّة في ذلك واضحة كلّ الوضوح في قوله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[20].

فالناس جميعاً قد خلقهم الله من نفس واحدة تجمعهم رابطة الأخوّة الإنسانيّة، بصرف النظر عن أعرافهم ومعتقداتهم وأشكالهم وألوانهم، والحضارة الحقيقيّة هي التي يتحقّق فيها معنى الإنسانيّة في التعامل بين البشر جميعاً.

أخيراً، إنّ الدعوة موجّهة للشباب من أجل التمسّك بالقيم التي أكّد عليها الإسلام من أجل بناء مجتمع شبابيّ حضاريّ، يسهم في تقدّم البشرية وتطوّرها،  والسير بها إلى الكمال. 

-----------------------------------

[1]-  سورة البقرة، الآية: 143.

[2]-  سورة المائدة، الآية: 8.

[3]-  سورة آل عمران، الآية: 110.

[4]-  سورة هود، الآية: 61.

[5]-  سورة الأنعام، الآية: 115.

[6]-  سورة الإسراء، الآية: 70.

[7]-  سورة البقرة، الآية: 219.

[8]-  سورة الأنعام، الآية: 50.

[9]-  سورة الرعد، الآية: 3.

[10]-  سورة الحاشية، الآية: 13.

[11]-  سورة طه، الآية: 114.

[12]- الفيض الكاشانيّ: الوافي، ط1، مكتبة أمير المؤمنين 8، أصفهان، ج 26، ص: 140.

[13]- الشيخ الكلينيّ، الكافي، (م.س)، ج 3، ص: 263.

[14]- العلّامة الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 2، ص: 1410.

[15]-  سورة النحل، الآية: 125.

[16]- العلّامة الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج 2، ص: 1597.

[17]- الشيخ النوريّ، حسين: مستدرك الوسائل، ط2، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت،  1408هـ، ج 12، ص: 344.

[18]- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص: 99.

[19]- (م.ن)، ص: 100.

[20]-  سورة الممتحنة، الآية: 8.