أيُّها الأعزاء والعزيزات الذين بلغوا سن المراهقة، وهي المرحلة التي يودّع بها الشباب جزءًا من الطفولة ويستقبل بها سنّ الرشد. هذه المرحلة من عمركم تتضمّن الكثير من التغيّرات التي إن أدْركتموها كما يجب عشتم مرحلةً تنعم بالسلام وبعيدةً عن الصراع النفسيّ والتصادم مع سلطة الأهل والمدرسة والمجتمع. لذا نرجو أن ينال هذا المقال اهتمامكم وقراءته بعناية والاستفهام حول أيِّ نقطةٍ أو موضوعٍ غيرِ واضحٍ.
إنّ التغيراتِ الفيزيولوجيةَ والبيولوجيةَ التي تُصاحب سنّ البلوغ لها أثرٌ على المزاج والسلوك معاً. لذا لا تترددوا في التعلّم والقراءة عن كيفية ضبط المشاعر والانفعالات والتحدث مع الأهل حولها لتطوير شخصيّةٍ سويةٍ والابتعاد عن التشنجات والقلق. في حال عدم تفهّم الأهل لمشاعركم وحاجاتكم النفسيّة لا بأس باللّجوء إلى من يستمع من المقرّبين وأهل النصيحة، وهنا لا بدّ أنْ نشدّد على حُسن اختيار الشخص وعدم وضع الثقة بأشخاصٍ لا يتمتعون بالحكمة.
كما أن مفتاح نجاح الإنسان وسر سعادته هو «الإحترام». وهذه القيمة الإنسانية لا تتحقّق إلّا من خلال العمل بمعناها السليم. فالإنسان الذي يحترم نفسه لا يقوم بوضعها في مواقفَ محرجةٍ أو سلوكٍ مهينٍ ومَعيب، وبالتالي يلتزم باحترام القوانين والعادات والعبادات وخصوصيّة الآخر والحُرمات والقيم الأخلاقية كالصّدق والأمانة وكلّ ما يرتبط بهذه الأمور. وهكذا، ينطلق احترام أيّ شيءٍ من احترام الذات وتقديرها واختيار الأفضل.
وعليه فإنّ هذه القاعدة مفيدةٌ جدّاً لاكتساب المودّة والنّجاح والسّلام الداخليّ الذي لا يتحقّق إلاّ بحُسن تقدير الذات وعدم المقارنة بالآخرين والقناعة والعمل للتقدّم في الحياة.
واعلموا أعزائي أنّ الأشياء لا تتحقّق بلا عملٍ وتفاؤلٍ، لذا إنّ قوّة الإرادة ترتكز على المثابرة والمحاولة مراراً وتكراراً لتحقيق الهدف المنشود. وعليه، لا يوجد إنسانٌ فاشلٌ بل محاولة فاشلةٌ على الرغم من أنني لا أعترف بشيءٍ اسمه «محاولةٌ فاشلةٌ» وإنّما أفضّل تسميتها «بالتجربة» والتعلم من الأخطاء لتحقيق النجاح. فالرسوب في الإمتحان مثلاً قد يكون بسبب خطأ في الإجابة. هنا نجد أن الامتحان الدراسيّ كان التجربة التي اكتشفنا من خلالها الإجابة الصحيحة والإجابة الخاطئة: لا تدع الإحباط يقضي على فرصة النجاح المتوفرة لك.
وقد يعتقد البعض أنّ السعادة هي في الحصول على كلّ ما يريده مثل الهاتف المحمول الحديث والثمين أو الملابس أو الجلوس مع الأصدقاء وعلى الرغم من ذلك يشعرون بالملل، لذا ننصح بما يلي لتجنب الملل وتبذير الأموال:
• التطوع للقيام بنشاطاتٍ ضمن بيئتك: جمعية خيرية، مسجد، حسينية: فهذا العمل سيمنحك بالإضافة إلى الفضيلة والثواب الشعور بالثقة بالنفس وتنمية الذكاء الاجتماعي واكتساب الحكمة والخبرة في الحياة.
• خصّص الوقت للرياضة البدنية وأقلّه المشي، فهو ينشّط الدورة الدموية بالإضافة إلى الجهاز العصبي مما يزيل الشعور بالملل والإحباط ويعزز الطاقة ويمنح الشعور بالهدوء والراحة بسبب الهرمونات التي يفرزها الجسم عند ممارسة الرياضة.
• لا تتسرّع في التورط بعلاقات عاطفية قبل سنّ الرشد، لأن أثرها السلبيّ أكثر من الإيجابي وركّز على عيش هذه المرحلة من عمرك في التخطيط والعمل لمستقبلك.
• لا تتردد كما ذكرنا سابقاً بإخبار أهلك عن مشاكلك، فهم يملكون الحكمة والخبرة لحلّ المشكلة.
• اعلم أنّ كلّ أبٍ وأمٍّ يبذلون جهدهم ضمن قدراتهم وفهمهم ولا يقصدون أيّ أذًى لأولادهم، لذا يجب أن تتفهم وجهة نظرهم وتتعامل معهم بودٍّ ومحبةٍ وإحترامٍ. واستخدم الحوار وسيلةً لإيصال أفكارك وتجنّب الصراخ كالأطفال.
• احذر من الأنانيّة والعصبيّة للحصول على ما تريد، فالتمرّد الذي تعيشه في هذه المرحلة على سلطة الأهل أو المدرسة أو المجتمع قد يدفعك للقيام بأمورٍ تندم عليها لاحقاً، وبهذا ستفقد النظرة الجميلة لنفسك والحياة.
• لا تنْسَ أنّ عليك واجباتٍ وإلتزاماتٍ يجب أن تقوم بها لكي يشعر الأهل بنضجك وعليك أن تعطيَ، لا فقط أن تأخذ لكي تكسب مكانتك التي تريد أن تصل إليها ضمن العائلة والمجتمع.
• أمّا العلاقة مع الله فتقوم على المحبة والإخلاص في العمل، لذا كن مخلصاً لنفسك واعلم أنّ كل ما ذكرناه سيجعلك تُحقّق القرب من الله وتتعلم الصبر الذي هو رؤية الخير في كلِّ شيءٍ، وهو مفتاح النجاح والفلاح.
وأخيراً، إعلم أيّها الشّاب وأيّتها الشابّة أن الصّراع الداخليّ سببه الاختلاف بين حقيقة الأمور وبين ما تفكّر به حاليّاً. فما تعتقد أنّه خيرٌ قد يكون شرّاً وأنت لا تُدرك، لذا خذ وقتك في الحكم على الأمور والتعلّم ممّن سبقك في الحياة لكي لا تعانيَ من الألم النفسيّ أو العزلة والانطواء أو العصبيّة.
أمّا مفتاح التفكير السّليم فهو بتحويل كلِّ فكرةٍ سلبيةٍ إلى ضدِّها وعكسها والعمل على أساسها، ومع المثابرة ستعتادون على هذا النّمط من التفكير وتكونون أصحاب شخصيةٍ قويّةٍ ومتوازنةٍ.
أنتم تعيشون مرحلة العنفوان والحماس وروح الحياة تنبض بكم، وأنتم مستقبل هذه الدنيا والحياة بأكملها بانتظاركم، فلا تحرقوا المراحل وعيشوا بما يتوافق مع عمركم واستقبلوا الغد بالتفاؤل.