لقد عرف الإنسان كيف ينمي عضلاته...
عرف كيف يبني حياته المادية...
عرف كيف يستثمر الأشياء في سبيل صحة جسدية أفضل...
لكن ماذا عن الصحة النفسية؟
الواقع أنّ البنية النفسيّة للمراهق هي الأساس. فإذا كانت هشّةً، ولم يكن تقديرُ المراهق لنفسه مرتفعًا، فذلك قد يسبِّب بعض المشاكلِ النفسيّةِ والإجتماعيّةِ. فالتغيّرات الجسديّة السريعة التي تطرأ على المراهق ستجعله يركّز على المظهر الخارجيّ. فنلاحظ في الذكور مثلًا الإفراط في بناء العضلات واستعمال الوشوم، خاصة تلك التي ترمز إلى القوّة. وتميل الفتيات إلى المبالغة في الاهتمام بلباسهنّ وبوضع مساحيق التجميل. هذا التّركيز يعكس غالباً ثقةً منخفضةً بالذات فيلجأ إلى لتعويض عبر محاولته الإبهار بالمظهر الخارجيّ. أما إذا لم يتقبّل جسدَه فقد يتوجّه إلى العزلة الإجتماعيّة، والخجل المفرط، وعدم القدرة على التكيّف مع المحيط، وقد ينغمس في العالَم الافتراضيّ كبديلٍ عن العالمَ الحقيقيّ الذي عجز عن إثبات نفسه فيه وأحياناً قد يصل إلى الاكتئاب المَرَضيّ، والأخطر هو الإدمان.
الثقة بالنفس والإنحرافات السلوكية:
في كتاب (false stigma: low self esteem) توصل الكاتب إلى أن تدني تقدير الذات هو القاسم المشترك بين جميع المُدمنين. فالمدمن يختار الإدمان لأنه الحلّ الذي لا يتطلّب مواجهةً. فبدل أن يحاول حلّ مشكلاته، يهرب إلى عالمٍ وهميٍّ قاتلٍ. كما أن ّالثقة المنخفضة بالذات تجعل المراهق ينقاد للرفاق وتجعله دائم الرغبة في إرضائهم أو تقليدهم بهدف «كسب ودّهم» فيدخّن اعتقاداً منه أنه قد ينتزع الاحترام مِمّن حوله. كما قد يصل أحياناً إلى السرقة أو التهديد أو الإبتزاز، رغبةً منه في إثبات القوة لنفسه ولأصدقائه، أو رغبةً منه في لفت النظر والتعويض عن ضعفه أو فقره.
وخلال القرنين الأخيرين، شهد العالم تزايدًا في هذه السلوكيات:
-تزايد المتعاطين للمخدِّرات. فقد أظهر تقرير المخدِّرات العالميّ عام 2016 أنّ نحو 250 مليون شخصاً في العالم تعاطوْا المخدِّراتِ غيرَ المشروعةِ unnodc. وفي لبنان كشف وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور أن 24 ألف من السكان هو عدد المدمنين على المخدِّرات أيْ نسبة 6% من السكان. في حين أنْ النسبة في دولة عُمَان 12%، وفي السعودية 75، وفي تونس 8%، وفي الكويت 7%. وفي مصر أعلن صندوق مكافحة الإدمان أن 80% من الجرائم غير المبرَّرة تحصل تحت تأثير المخدِّرات.
-زيادة الحوادث الناتجة عن تعاطي الخمور. فقد تبيّن أن 15% من حالات الانتحار سببها الإفراط في تناول الكحول. وأن 22% من الأمريكيين يذهبون إلى المصحات العقلية بسبب الانغماس المفرط في تناول المشروبات الكحولية. ومليون مثلهم يموتون سنويّاً في ما كان يُسمَّى الاتحاد السوفياتي. و50% من جرائم العنف في العالم تحدث تحت تأثير الخمور.
زيادة عدد المترددين إلى مصحات الأمراض النفسية ومراكز العلاج النفسي.
- زيادة عدد المترددين إلى مصحات الأمراض النّفسية ومراكز العلاج النفسي.
- زيادة تعاطي العقاقير المهدِّئة، إذْ تُبيِّن الإحصائياتُ العلميّة بأنّ ما يقارب واحداً من بين خمسة أشخاصٍ من الذين يستعملون العقاقير المهدِّئة عندهم القابليّة على الإدمان لفترةٍ طويلةٍ.
- زيادة ظهور حالات القلق والإحباط والاكتئاب، حيث يقدّر عدد حالات الاكتئاب في العالم بحوالي 340 مليون حالة، ونسبة الإصابة تناهز 7% من سكان العالم.
- زيادة حالات الانتحار ومحاولاته، لا سيّما لدى أبناء المترفين والأغنياء. فقد بيّنت الاحصائياتُ بأنّ 800 ألف شخصٍ يموتون سنويّاً بسبب الانتحار. ويعتبر الانتحارُ ثانيَ أهمِّ سببٍ للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و 20 سنة.
- وصول نسبة أعباء الأمراض النفسية والعصبية إلى 10.6% من مجموع الأمراض مجتمعةً. ويمثّل عدد مرضى الفصام في العالم حوالي 45 مليون إنسانٍ، كما يبلغ عدد مرضى الوسواس القهري حوالَيْ 3% من النّاس في العالم، ويبلغ عدد مرضى الصَّرَع 40 مليوناً.
ألا تدلّ هذه الحالات والإحصائيات على أهمية المشكلات النفسية؟
لمَ يصاب الإنسانُ بحالة القلق والضيق، ما يُفسد عليه حياته وصحته؟
وعلى الرّغم من كلّ تلك الأرقام الإحصائية التي وردت أعلاه، فإن من المفيد ذكره بأنّ 20% فقط من المراهقين قد عانَوْا من اضطراباتٍ نفسيّةٍ جديّةٍ. وأنّ 80% من المراهقين في اليابان يعتبرون المراهقةَ مرحلةَ سعادةٍ عائليّةٍ.
لقد ذكر لنا دينُنا الإسلامي نماذجَ مشرِّفَةً لشخصيّاتٍ عاشوا فترة صباهم حياةً عمادُها القِيَم. فالإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام عاش مراهقته متنقّلاً بين دفاعٍ وفداءٍ وتقوى. فالوعي بالذات وبقدرتِها على اجتراح المصاعب سيجعلك تشهد على ولادةٍ جديدةٍ لشخصيتك، ستقرّر كيف ستكون حياتك في المستقبل عندما تشكّلها بالمثابرة والبحث عن الأفضل لنفسك. والبداية من حب الله الذي رسم لنا خارطة طريقٍ لمحبةِ الأهل والنّاس والحقّ.
وهنا بعض الخطوات التي تساعدك على تحويل مرحلة المراهقة إلى مرحلةٍ أكثرَ استقراراً وراحة:
من سمات مراهقتك سرعةُ التأثّر والاعتياد. عوِّدْ نفسك على بناء علاقةٍ خاصةٍ مع الله من خلال الأدعية والأذكار، فإحساسُنا بأنّ هناك قدرةً عظيمةً تواكبنا من شأنه تقليل شعورنا بالقلق، ابدأ من اليوم فأنت أكثرُ قدرةً على ذلك من الراشد.
من سمات مراهقتك الشجاعةُ. فلا تخفْ من إظهار مشاعرك وحاجاتك العاطفيّة لأهلك، فهم الحضن الذي سيساعدك على تخطّي معظم قلقك ومشاكلك.
من سمات مراهقتك أيضًا الحاجةُ إلى وجود مثلٍ أعلى. فلا تقبلْ مثلًا أعلى أقلَّ من القادة الذي غيّروا خريطة عالمنا الحاليّ.
من سمات مراهقتك الإصرارُ. لذا ضعْ قائمة أهدافٍ وحاول بإصرارك أن تحقّقها. تدرّجْ من قائمة أهدافٍ يوميّةٍ ثم أسبوعيةٍ وهكذا. وقد يكون الهدفُ عادةً تودّ اكتسابها أو عادةً ترغب بالتخلّص منها.
من سمات مراهقتك الحاجةُ للشعور بالاحترام. قبل أن تطلب من الآخرين احترامك ابدأ بإحترام نفسك ولا تجعلها ضعيفة أمام الغرائز والرغبات.
من سمات مراهقتك أنّها تولّد لديك طاقةً جسديّةً كبيرةً ناتجةً عن النّموّ السّريع. عليك بإدارة هذه الطاقة الزائدة عبر الإكثار من ممارسة الرياضة وخاصّةً ضمن فريقٍ فذلك يُبعِدك عن الأنانيّة.
من سمات مراهقتك الاندفاعيّةُ. فكنْ مندفِعاً ومبادِراً، ودافِعْ عن المظلومين أينما وُجِدوا.
من سمات مراهقتك الخجلُ. وجِّهْ هذا الخجل لتكون إنساناً رساليّاً كما أراد الله حين قال في كتابه العزيز: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ»[1].
من سمات مراهقتك الحاجةُ إلى الحُبّ. فابدأ بتكوين حلقة صداقاتٍ تتناسب مع قِيَمك وأخلاقك ودينك. وتقبّل نفسَك وجسدَك كما هما، قبل أن تطلب من الآخرين ذلك.
من سمــات مراهقتــك الحسّاسيّةُ. استثمرْها بشكلٍ صحيحٍ ولا تُهمِل العمل التطوعيّ، فأنت جاهزٌ له.
----------------------------------
[1]- سورة النور الآية رقم 30