-----------

الشارح الأكبر لفلسفة ارسطو، ابن رشد الأندلسي

{ زينب قرصيفي }

الشارح الأكبر لفلسفة ارسطو، ابن رشد الأندلسي

هو محمّد بن أحمد بن محمّد بن رشد الأندلسيّ، المعروف عند الغربيّين باسم «Averroes».

لُقّب بـ “الحفيد”؛ تمييزاً له عن جدّه أبي الوليد محمّد بن أحمد بن رشد، قاضي الجماعة بقرطبة ومن أعيان المالكيّة.

وُلد ابن رشد الحفيد سنة 520هـ/ 1126م، وتوفي سنة 595هـ/ 1198م، عن عمر 72 سنة[1].

دراسته:

تفرّغ ابن رشد لدراسة جميع علوم عصره من شعرٍ، وأدبٍ، وطبّ، وفلسفة، وفقه، وموسيقى، وغيرها، بالإضافة إلى تلقّيه ثقافة واسعة في الإلهيّات وعلم الحديث. أولى ابن رشد علم الكلام عناية خاصّة، فدرسه دراسة دقيقة تجلّت في نقده الجريء لآراء خصومه، ومنهم: المعتزلة، والأشاعرة وغيرها من الفرق الإسلاميّة.

تسلّم منصب القضاء، ما جعل صلته قويّة ومتينة بمختلف وجوه الدراسات الفقهيّة والعلوم الدينيّة والعقليّة[2]

إنجازاته العلميّة:

اشتغل ابن رشد بالفلسفة، فعمل على تقديم شروحات لفلسفة أرسطو، وكان له دور كبير في تعريف الناس بالفلسفة اليونانيّة بصورة عامّة، وبفلسفة أرسطو بصورة خاصّة. كما كان له دور في تعريف المدارس والمعاهد المسيحيّة الأوروبيّة بالفيلسوف أرسطو، خاصّة بعد انتشار شروحاته بينهم[3]؛ ولذلك أُطلق عليه لقب «الشارح الأكبر»[4]. وقد بقيَ مذهب ابن رشد يُدرّس عند الأوروبيّين في الكتب والجامعات منذ منتصف القرن الثالث عشر وحتى أوائل القرن السابع عشر[5].

وعلى الرغم من الحذر الشديد الذي اتّبعه ابن رشد عند دراسته للفلسفة، إلا أنّ خصومه اتهموه بالزندقة والإلحاد، فعملوا على تشويه صورته في نظر المنصور الذي كان يقدّره ويجلّه، فنفاه إلى مراكش، وأحرق بعض كتبه، وبعد فترة من ذلك رضي عنه، وأذن له بالعودة إلى وطنه، لكنّه توفي في مراكش، ونُقلت جثته إلى قرطبة[6].

كتاباته:

1 - صنف ابن رشد نحو خمسين كتاباً، منها[7]:

2 - فلسفة ابن رشد

3 - التحصيل في اختلاف مذاهب العلماء

4 - فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال

5 - الضروريّ في المنطق

6- منهاج الأدلّة في الأصول

7- المسائل في الحكمة

8- تهافت التهافت في الردّ على الغزالي.

9-  بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه

10- جوامع كتب أرسطوطاليس في الطبيعيّات والإلهيّات.

11- علم ما بعد الطبيعة

12- «الكلّيّات» بالتصوير الشمسيّ في الطب، تُرجم إلى اللاتينيّة والأسبانيّة والعبريّة

13- رسالة في حركة الفلك

أبرز آرائه وأفكاره الفلسفيّة:

-  إيمانه بالمبادىء اليقينيّة البرهانيّة، ومناداته بتطبيقها على الفلسفة باعتبارها محكّاً للنظر السليم[8]. وقد أشار إلى ذلك بقوله: «أعني بالحكمة النظر في الأشياء بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان»[9]، «فالأقاويل البرهانيّة قليلة جدّاً حتى أنّها كالذهب الإبريز من سائر المعادن والدرّ الخالص من سائر الجواهر، والفلاسفة يبحثون على أساس هذا البرهان»[10].

- لم يستخدم ابن رشد الفلسفة والمنطق لمجرد الدفاع عن الدين كما فعل المتكلّمون؛ ولذلك يُلاحظ أنّ ثمّة فرقاً جوهريّاً بين منهجه كفيلسوف وبين منهج المتكلمين[11].

-  اعتبر أن علماء الكلام أهل جدل لا برهان؛ إذ إنّهم آمنوا بأفكار خاصّة بناءً على اعتقادات مسبقة، وعملوا على تأييدها بشتى الطرق[12].

- رفض التصوف باعتباره منهجاً خاصّاً بجماعة معيّنة؛ ودعا إلى وضع الأسس الشاملة والمبادىء العامّة التي يسير العقل على هديها في إصدار الأحكام على الأشياء، والنظر في الموجودات. وقد عُرف عن ابن رشد أنّه كان من أكثر الفلاسفة التزاماً بالاتجاه العقليّ وبخصائص الفكر الفلسفيّ؛ ولذلك كان يهاجم كل من ينكر أهمّيّة الفلسفة والفلاسفة[13].

«الفلسفة هي أعلى غايات طبيعة الإنسان»

وفّق ابن رشد بين الحكمة والشريعة بتبنّيه للتصوّر الفلسفيّ الماديّ للطبيعة والعالم، وقد عمل على دراسة النصوص القرآنيّة التي تطرّقت لهذا الموضوع، وقام بتأويلها وتقديم التعريفات والمعاني الفلسفيّة للمصطلحات التي

استخدمتها الشريعة؛ فأزليّة الطبيعة وأبديّتها، بحسب ابن رشد، هما نتاج طبيعيّ للاعتراف بوجود مبدأ أوّل وعلّة أولى وفاعل أوّل في هذا الوجود، والأمر اللازم لكلّ من يسلم بكمال هذا المبدأ الأوّل[14].

عرّف النفس بأنها جوهر روحيّ متكامل قائم بذاته لا يتجزأ ولا ينقسم بانقسام الجسم، وأنّها ذات روحيّة مستقلّة، وهي تستخدم الجسم كآلة لها. وتنقسم إلى خمسة أقسام، هي:النفس النباتيّة، النفس الحسّاسة، القوّة المتخيِّلة، القوّة النزوعيّة، القوّة الناطقة[15].

وضع تفسيراً خاصّاً لطبيعة العقل الإنسانيّ، وحاول التوفيق فيه بين رأي أرسطو وبين عقيدة الدين وخلود النفس. فقسّم العقل إلى ثلاثة أقسام: العقل الهيولانيّ، عقل بالملكة، عقل فعّال. فالعقل الهيولانيّ يستقبل الأفكار، ويعمل العقل الفعّال على إخراجها[16].

استطاع ابن رشد من خلال إنجازاته العلميّة وعلى رأسها الفلسفة أن يكون له بصمة في تاريخ الحضارات الإنسانيّة، فأسهم في تطورّها وتقدّمها.

-----------------------------

[1]- يراجع: الزركليّ، خيرالدين: الأعلام، ط5، دار العلم للملايين، بيروت، 1980م، ج5، ص: 318.

[2]- يراجع: زبيب، نجيب: ابن رشد الفيلسوف العربيّ الذي هزّت آراؤه محافل أوروبا، ط1، دار الهادي، بيروت، 1422ه-2001م، ص: 18.

[3]- يراجع: (م.ن)، ص: 28.

[4]- يراجع: الأمين، حسن: دائرة المعارف الإسلاميّة الشيعيّة، ط5، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1418ه- 1997م، ج 9، ص: 46.

[5]- يراجع: (م.ن)، (ص.ن).

[6]- يراجع: الزركليّ، الأعلام، (م.س)، ج5، ص: 318.

[7]-يراجع: الزركليّ، الأعلام، (م.س)، ج5، ص: 319.

[8]- يراجع: عويضة، كامل: ابن رشد الأندلسيّ (فيلسوف العرب والمسلمين)، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1413هـ، ص: 57-58.

[9]-القرطبيّ، ابن رشد: تهافت التهافت، قدم له وعلق عليه: أحمد شمس الدين، (لاط)، دار الكتب العلميّة، بيروت، (لات)، ص: 271.

[10]- القرطبيّ، تهافت التهافت، (م.س)، ص: 221.

[11]-يراجع: عويضة، ابن رشد الأندلسيّ (فيلسوف العرب والمسلمين)، (م.س)، ص: 58.

[12]- يراجع: عويضة، ابن رشد الأندلسيّ (فيلسوف العرب والمسلمين)، (م.س)، ص: 59.

[13]- يراجع: عويضة، ابن رشد الأندلسيّ (فيلسوف العرب والمسلمين)، (م.س)، ص: 59.

[14]- يراجع: عويضة، ابن رشد الأندلسيّ، (م.س)، ص: 71- 73.

[15]- يراجع: زبيب، ابن رشد الفيلسوف العربيّ الذي هزّت آراؤه محافل أوروبا، (م.س)، ص: 67.

[16]- يراجع: زبيب، ابن رشد الفيلسوف العربيّ الذي هزّت آراؤه محافل أوروبا، (م.س)، ص: 69.