-----------

قضية ورأي.. ترددي يعيق اختياري...

{ محمد باقر كجك }

قضية ورأي.. ترددي يعيق اختياري...

أنا شاب في السابعة والعشرين من عمري، لدّي العديد من الهواجس التي تجعلني أتردّد في الإقبال على الخطوبة والزواج. فما هي التساؤلات الاستراتيجيّة التي يمكن أن أتوجّه بها للفتاة عند التعرّف إليها؟

وهل من الضروريّ أن تكون أفكارها متوافقة تماماً مع أفكاري؟ وإن لم تكن كذلك، فهل يمكن تغيير أفكارها بعد الزواج، وأن أجعلها تحبّ ما أحبّ؛ من خلال التعامل الجيّد والخُلق الحسن؟


الجواب:

ثمّة بعض الاعتبارات والمقاصد الكلّيّة التي يقوم على أساسها توجّه الإنسان نحو الزواج، وهي:

أولاً: الزواج هو الفرصة الأمثل لبناء الذات وتهذيبها، وإيصالها بالحبّ نحو الله تعالى، من هنا ينبغي للشابّ أن يعزّز هذا الاتجاه الشريف في علاقته الزوجيّة، ويعرض هذا الهدف والمفهوم على الزوجة التي يريد اختيارها، ويختبر رأيها في ذلك، ويؤسّس كل مفهوم الزوجيّة على هذا المعطى؛ فعليه تبنى العاطفة وتتّخذ العلاقة الزوجيّة موقعها، ومن خلاله تتحدّد العلاقات الاجتماعيّة بعد الزواج.

 ثانياً: الزواج مؤسّسة «بالتراضي»، فإن كان الدين لا إكراه فيه، فالزواج كذلك، فهو نصف الدين، وبالتالي لا إكراه في الزواج على شيء. من هنا يمكن القول: إنّ الدوافع والملكات والقابليّات والقدرات الموجودة عند الزوج أو الزوجة لا بدّ أن تتطوّر وتتكامل، بحسب الظروف والإمكانات، فلا يصح القمع والإكراه والترهيب بشيء، لأنّ ذلك سيعني وضعاً لظلامٍ على بقعة من نورٍ وموهبة وإمكانيّة ما.. فتخيَّل كم يمكن لك أن تطفئ بقاعاً من النور في روح شريكك طوال سنوات الزواج؟

من هنا، لا بدّ للمقبل على الزواج، أن يضع يده على أهم الملكات والقابليّات والقدرات الموجودة عند الطرف الآخر، ويتحاوران بوعي وجدّية حولها، وحول كيفيّة تطويرها وتكاملها، دون أن يؤدّي ذلك إلى حصول أذىً للطرف الأول، أو خطأ في جنب الله تعالى. ويجب عليهما الاقتناع بأنّ الواجبات والحقوق الزوجيّة، تكفل لهما كلّ الحرية والإمكانيّة لإكمال درب التكامل في سبيل الله؛ بالعلم، والعبادة، والعمل...

ثالثاً: الاختلاف أمر إلهيّ، وكلّ أمره سبحانه جميلٌ؛ (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)  [1] لذلك عليك أن تتأكّد أنك ستجد في زوجتك ما تحبّ، وما تكره.. وهي ستجد فيك ذلك!! يبقى أن تؤسسا قبل الزواج  لمنطق الاعتراف بحقّ الاختلاف، وأنّه أمر جميلٌ، وأنّه حقٌّ، وأنّه أمرٌ فطريّ، لكن  إضافة لذلك، لا بدّ أن من التأكيد على أنّه في حال الاختلاف لا حلّ إلا بالحوار، والصبر، والاعتماد على المعرفة في تنقيح التجارب التي ستمرّان بها.

وقد لفتني في كلام الشابّ، تعبيره بــ «جعلها تحبّ ما أحبّ»!!!! في الواقع، إنّ كلّ المصائب تأتي من هذا الاعتقاد عند الشباب؛ والصحيح، هو جعل أنفسنا تحبّ ما يحبه الله!!!.

إنّ الرغبات الشخصيّة، في بعض السلوكيّات، والشهوات، والتصرّفات أمرٌ لا يمكن الهروب منه، لكنّ الإصرار عليه منبعٌ للمشاكل، وتقريب المذاقات المتنافرة يمر عادة بمرحلتين:

الأولى: الشرح الهادئ وتقريب ذلك معرفيّاً، فتقول لها مثلاً: «أنا لا أحبّ الاختلاط غير الضروريّ بين الشاب والفتيات، وأرى أن هذا قد يأتي بأضرار كبيرة على زواجنا»، تقول ذلك ببسمة ومحبة.

والثانية: الصبر وتحمّل الأخطاء أثناء تعديل السلوكيّات المتنافرة، وإيّاك والتهديد بسوط الدين والجنة والنار دائماً، خصوصاً حال الغضب، فإنّ ذلك لا ينفع، بل إنّ أضراره على التديّن عند الزوجة لا تخفى.

----------------------------------

[1]- سورة الحجرات، الآية: 13).