-----------

الجندر / Gender

{ زينب فهدا }

الجندر / Gender

اتّفقت معظم التعريفات على أنّ الجندر مفهوم يُعنى بالأدوار والاختلافات التي تحدّدها المجتمعات بين الرجل والمرأه[1]. ومن هذه التعريفات[2]:

تعريف الموسوعة البريطانيّة: «Gender Identity» شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى، فالهويّة الجندريّة ليست ثابتة بالولادة، بل تؤثّر فيها العوامل النفسيّة والاجتماعيّة، وهي تتغيّر وتتوسّع بتأثير العوامل الاجتماعيّة.

تعريف منظّمة الصحّة العالميّة: الجندر مصطلحٌ يُفيد استعماله وصفَ الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصِفات مركّبة اجتماعيّة، لا علاقة لها بالاختلافات العُضويّة.

وقد ورد تعريف الجندر ـ بحسبَ بعض الشبكات الإلكترونيّة ـ بأنّه: النوع الاجتماعيّ الذي يتعلّق بالأدوار المحدَّدة اجتماعياً لكلٍّ من الذكر والأنثى، وهذه الأدوار تُكتسب بالتعليم وتتغيَّر مع مرور الزمن، وتختلف اختلافاً واسعاً في إطار الثقافة الواحدة.

تطوّر مفهوم النوع الاجتماعيّ:

نشأ مصطلح النوع الاجتماعيّ وساد في مجال العلوم الاجتماعيّة ترجمةً لمصطلح الجندر الذي تعدّدت صيغ ترجمته منذ نشأته في النظريّة النسويّة الغربيّة، وما تبع ذلك من استخدامه في أدبيّات البرامج التنمويّة والترجمات إلى اللغة العربيّة.

أمّا في سياق الدراسات الثقافيّة، فقد تُرجم المصطلح بداية بترجمة أكثر توضيحاً لمضمونها وهي؛ «صيغة التشكيل الثقافيّ والاجتماعيّ للجنس»[3].

وقد سعى بعضهم لطرح صيغة عربيّة للمصطلح مشتقّة من جذور اللغة العربيّة، وهي: «الجنوسة» على وزن الأنوثة والذكورة. لكنه لم يلقَ قبولاً، بينما أخذت الجندرة في الانتشار باللغة العربيّة، وأصبحت السائدة في كثير من مناطق العالم العربيّ[4].

 واستُخدم مصطلح الجندر أي «النوع الاجتماعيّ» للمرة الأولى من قبل «آن أوكلى» في سبعينيّات القرن الماضي، وذلك لوصف خصائص الرجال والنساء المحدّدة اجتماعيّاً في مقابل تلك الخصائص المحدّدة بيولوجيّاً. لكنّ بعض الباحثين يرجّحون القول بأنّ انتشار المصطلح في الأدبيّات العالميّة واستخدامه ساد في فترة الثمانينيّات من القرن الماضي، وهي الفترة التي اتّسمت بمناقشات التفرقة بين الذكر والأنثى على أساس الدور الاجتماعيّ لكلّ منهما تأثّراً بالقيم السائدة.

وقد تبنّت الحركات النسويّة في النصف الثاني من القرن العشرين هذا المفهوم، وعملت على التفريق بينه وبين مفهوم الجنس؛ الذي يُعنى بالأسس البيولوجيّة للفروق الجنسيّة التي خُلقت مع الأفراد. كما أنّ الأبحاث والدراسات دعت إلى الفصل بين الجنس البيولوجيّ والجنس الاجتماعيّ الذي يقابله بالإنجليزيّة gender وبالفرنسيّة genre، وهو مفهوم يشير إلى الخاصيّة الثقافيّة والاجتماعيّة التي تتميز بها الفروق القائمة على الجنس. ومن هنا ظهرت مقولة الجنوسة[5].

وفي الوقت نفسه كثرت الشعارات والمفاهيم المنادية بتحرير المرأة؛ باعتبار أنّ لديها القدرة على القيام بكلّ أدوار الرجل، كما أنّ لدى الرجل القدرة على القيام بأدوار المرأة، وبالتالي فإنّ لكل منهما الحق في أن يغيّر هويته الجنسيّة وأدواره المترتبة عليها.

الفرق بين مفهومي الجندر والجنس:

الجندر كلمة إنجليزيّة؛ من أصل لاتينيّ، تعني في الإطار اللغويّ الجنس. وبحسب تعريف عِلم الاجتماع للجندر نجد أنّه يشير إلى كلمة الجنس التي تشير بدورها إلى التقسيم البيولوجيّ بين الذكر والأنثى[6]، بينما يشير النوع Gender إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة اجتماعيّاً إلى الذكورة والأنوثة.

وبينما يقتصر مصطلح الجنس على الاختلافات البيولوجيّة بين الرجل والمرأة التي تتّسم بالثبات والأبديّة، فإنّ الجندر يعتبر من المفاهيم التي ترتكز على العلاقات والأدوار الاجتماعيّة والقيم التي يحدّدها المجتمع لكلّ من الجنسين، والتي تتغير وفقاً لتغيّر المكان والزمان، وتغيّر الثقافات، العرق، الطبقة الاجتماعيّة، الظروف الاقتصاديّة والعمر؛ لذا فإنّ طرح مفهوم الجندر كبديل لمفهوم الجنس يهدف إلى التأكّيد على أن جميع ما يفعله الرجـال والنسـاء يمكن أن يتغيّر بمرور الزمن وتبعاً للعوامل الاجتماعيّة والثقافيّة المتنوّعة[7] .

فلسفة الجندر:

يرتكز هذا الطرح إلى فكرة مفادها أنّ التقسيمات والأدوار المنوطة بالرجل والمرأة، وكذلك الفروق بينهما، والأفكار المتعلّقة بنظرة كلّ واحدٍ منهما للآخر ولنفسه، كلّها من صنع المجتمع، وبالتالي يمكن تغييرها وإلغاؤها، بحيث يستطيع كلّ واحد منهما أن يقوم بدور الآخر.

  وبعبارة أخرى، إنّ فلسفة الجندر تتنكّر لتأثير الفروق البيولوجيّة الفطريّة في تحديد أدوار الرجال والنساء وسلوكهما، وهذا يجعل من حقّ الذكر أن يتصرّف كأنثى، ومن حق الأنثى أن تتصرّف كذكر. من هنا نجد أنّ بعض المؤتمرات النسويّة قد طالبت بتعدّد صور الأسرة، بحيث يمكن أن تتشكّل الأسرة في نظرهم من رجلين أو من امرأتين، ويمكن أن تتألّف من رجل وأولاد بالتبنّي، أو من امرأة وأولاد بالتبنّي. وأشارت هذه المؤتمرات إلى أنّ الشذوذ الجنسيّ يعتبر علاقة طبيعيّة، وطالبت بإدانة كلّ دولة تحظّر ذلك.

ومن هنا يمكن القول إنّ دعاة الجندر سعوا إلى إزالة الفروق البيولوجيّة بين الرجل والمرأة مِن خلال برامجَ تنمويّةٍ تعمل على تغيير قِيميّ وبنيويّ داخلَ المجتمع لإزالةِ هذه الفروق.

لذلك فإنّ خطورة تعريفات «الجندر» تكمن في كونها تتنافَى والفطرةَ التي خلق الله الإنسان عليها رجلاً وامرأة، وتعتبر الأنوثة والذكورة بالمعنى العضويّ منفصلة عن البنيّة النفسيّة والأدوار المكتسبة عند الأفراد، فالتربية والمجتمع هما العاملان الحاسمان في تكوين النفسيّة الأنثويّة أو الذكوريّة بغضّ النظر عن الطبيعة البيولوجيّة.

أخيراً، إنّ الغاية التي يتوخّاها الإسلام هي الحفاظ على النسل البشريّ من خلال خلق جنسين مختلفين هما: الرجل والمرأه؛ ولذلك أكّدت الآيات القرآنيّة المباركة على أنّ الله -سبحانه- فرض أدواراً واستعدادات مختلفة ومتنوّعة للرجل والمرأه، تتيح لكلّ منهما ممارسة واجباته. فالأدوار المنوطة بالرجل والمرأة في الشريعة الإسلاميّة تهيِّئ لاستعدادات ومواهب خاصّة، بحيث يمكن تحقيق حالة من التوازن في معالجاتنا لقضايا المرأة وأوضاعها، وذلك عن طريق ضبط عناصرها الثلاثيّة: القيم (الأدوار)، المواصفات (الاستعدادات)، والأحكام (الشريعة) [8].

--------------------------

[1]- يراجع: مفاهيم عالميّة التذكير والتأنيث الجندر، ترجمة أنطوان أبو زيد، المركز الثقافيّ العربيّ، ط1، بيروت، 2005م، ص: 14.

[2]- شكري، شيرين: النوع الاجتماعيّ: التنوّع الثقافيّ والخصوصيّة الثقافيّة، ط1، دار الفكر المعاصر، (لام)، ص: 13.

[3]- مجلة ألف: الجنوسة والمعرفة بين التأنيث والتذكير، الجامعة الأمريكيّة، القاهرة، 1999م، ص: 6-7.

[4]- يراجع: العزيزيّ ، خديجة: الأسس الفلسفيّة للفكر النسويّ الغربيّ، ط1، مكتبة بيسان، بيروت، 2005م، ص: 26.

[5]- نظام الجنوسة هو بناء اجتماعيّ لا أساس له بالفروق الطبيعيّة بين الجنسين. هدفه العام إلغاء دور الجنس.

[6]- يراجع: مجلّة الحياة الطيّبة، العدد18، السنة الخامسة، صيف/ خريف 2005م، الحركة النسويّة أسسها وتيّاراتها ومنطلقاتها، بقلم: سوزان جيمس،  ص: 22.

[7] - يراجع: مفاهيم عالميّة: التذكير والتأنيث الجندر، ترجمة أنطوان أبو زيد، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2005م، ص: 77.

[8]- يراجع: مجلة الحياة الطيّبة : العدد18، السنة الخامسة ، صيف خريف، 2005م، إضاءات فكريّة حول الحركة النسويّة من وجهة إسلاميّة، بقلم: محمد رضا زيبائيّ، ص: 35.