-----------

تربية الشباب بين المعرفة والتوجيه / د. علي القائمي

{ غسان الأسعد }

تربية الشباب بين المعرفة والتوجيه / د. علي القائمي

لا شكّ بأنّ فئة الشباب هي الفئة التي تعوّل عليها المجتمعات البشريّة على اختلاف مشاربها وأصنافها وتوجّهاتها؛ لما لها من دور أساس في بناء المجتمع وتطويره، بما تملكه من وعي، وقدرة، وحماسة، واندفاع ونشاط.

من جهة أخرى، فإنّ هذه المرحلة العمريّة تعدّ من أعقد المراحل على المستوى التربويّ، وبخاصّة في فترة المراهقة؛ حيث يمرّ الشاب -ذكراً كان أم أنثى- بمجموعة من التغيّرات الفيزيولوجيّة والهرمونيّة التي تؤثّر في طباعه وأحواله النفسيّة والروحيّة، ويجد خلالها كثير من الآباء صعوبة في التعامل مع أبنائهم.

وعلى الرغم من أهمّية هذه المرحلة العمريّة، وحاجة الشباب إلى جهد مضاعف على مستوى الاهتمام بالجانبين التربويّ والسلوكيّ-  من جهة الآباء والمؤسّسات التربويّة المختلفة، نلحظ أنّ ثمّة غياباً كبيراً للدراسات التي تعنى بتربية الشباب والعناية بهم، في مقابل آلاف الدراسات التي تركّز على تربية الأطفال، وأكثر من ذلك، فإنّ الدراسات الموجودة التي تُعنى بالشباب والمراهقين مع قلّتها لا تفي بسدّ الحاجة المطلوبة في هذا المجال.

انطلاقاً من هذه الحاجة الملحّة إلى دراسات متخصّصة تعنى بتربية الشباب وكيفيّة توجيههم والتعامل معهم، قام الدكتور علي القائميّ بنشر كتاب: «تربية الشباب بين المعرفة والتوجيه»، نحاول في هذه القراءة أن نستعرض أهم فصوله، وما تضمّنته على صعيد النتائج، مع تقديم رؤية نقديّة موجزة للكتاب.

التعريف بالكتاب:

جاء الكتاب في 430 صفحة من القطع المتوسط، وقد اشتمل على أربعة عشر باباً يحتوي كلّ باب على عدّة فصول.

في البداية أشار الكاتب إلى تعريف مرحلة الشباب، وبيّن خصوصيّات هذه المرحلة العمريّة وأهمّيّتها، ثمّ تعرّض إلى مسؤوليّة الآباء والمربّين، وإلى أهمّية مراقبة الشباب والاهتمام بهم، وضرورة إرشادهم وتوجيههم، مع بيان الآليات التي ينبغي اعتمادها في التعامل معهم، بما يتوافق مع حالتهم النفسيّة والروحيّة.

وقد أكّد على الأبعاد والجوانب المختلفة التي تحيط بالشباب، مشيراً إلى خطورة الحيرة والضياع التي يعيشونها، وبخاصّة في ما يرتيط ببناء شخصيّاتهم ومواقفهم، ومؤكّداً أنّ التغلّب على حالة الضياع يتيح لهم إمكانية توظيف طاقاتهم وقدراتهم؛ إذ إنّهم ثروة المجتمع في المستقبل.

كذلك أشار الكاتب إلى أهمية التعرّف على التغيّرات الجسميّة والتبدّلات الهرمونيّة، مبيِّناً تطوّر البعدين الفكريّ والنفسيّ عند الشباب، وداعياً إلى ضرورة فهم سلوكهم وحالاتهم المختلفة من التشاؤم والتفاؤل، وحالات التردّد، والانزواء... وغيرها؛ خاصّة أنّ هذه الحالات قد تنعكس على سلوك الشباب مع والديهم وأصدقائهم ومختلف معارفهم، ما يُعرّضهم لانتقادات كثيرة.

وانطلاقاً من أهمّية الجانبين الدينيّ والأخلاقيّ في حياة الشباب، ودورهما في التغلّب على الاختلالات والأمراض النفسيّة، دعا الكاتب إلى ضرورة التركيز على هذين البعدين، ولا سيما أنّ الشباب يكون لديهم اندفاع وحماس نحو الأمور الدينيّة والمعنويّة. وقد أشار الكاتب إلى بعض أنواع الأمراض النفسيّة التي يتعرّض لها الشباب وطرق علاجها. وخصّص باباً تناول فيه مختلف الانحرافات التي تصيبهم، ومنها: الانحرافات الغريزيّة والجنسيّة، السرقة، الجرائم الاجتماعيّة، الانحرافات الدينيّة.

وفي سياق الحديث عن كيفيّة توعية الشباب وتوجيههم، أفرد الكاتب باباً بعنوان:  «الضروريّات الأساسيّة في التربية»، ركّز فيه على أهميّة التربية الدينيّة، ودور الأسرة والمدرسة في هذا المجال. وبيّن-أيضاً- أهمية العامل الأخلاقيّ ودوره في تعديل سلوك الشباب.

وركّز على ضرورة الاهتمام بالتربية الثقافية المرتبطة بمختلف الشؤون الفكريّة والعقديّة، وكذلك أشار إلى أهمّيّة التربية الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة، كما تحدّث عن أهمّيّة علاج التجاوزات لدى الشباب وضرورة إصلاح الانحرافات.

وقد ختم المؤلّف كتابه ببيان بعض الضوابط التربويّة، والتأكيد على أهمّيّة المعالجة والإصلاح.

رؤية نقديّة:

لا بدّ في البداية أن نشير إلى أهمّيّة الجهد الذي بذله المؤلّف في كتابه،  خاصّة أنّ اختياره للموضوع كان موفّقاً؛ حيث عالج موضوعاً مهمّاً يحتاجه الآباء والمربون في تعاملهم مع فئة الشباب تحديداً. وتكمن أهمّيّة الكتاب في بيانه لضرورة العمل التربويّ في هذه المرحلة العمريّة، حيث إنّ كثيراً من الآباء والمؤسسات التربويّة يبذلون جهوداً كبيرة في ما يرتبط بتربية الطفل، لكنهم يغفلون عن فئة الشباب، فيتوهّم معظمهم أنّ مهمّتمهم التربوية تنتهي بانتهاء مرحلة الطفولة.

لكن في المقابل لا بدّ من الإشارة إلى بعض الملاحظات الأساسيّة التي ترد على الكتاب سواء أكان على مستوى الشكل أم على مستوى المنهج والمضمون، وأبرزها:

ـ ورد الباب الأول دون عنوان بخلاف بقية الأبواب التي حرص على ذكر اسم لكل باب منها.

ـ الكتاب مليء بالأخطاء النحويّة والصياغيّة والإملائيّة، وهذا ما ينبغي معالجته، حيث إنّ هذه الأخطاء تزعج القارئ وتضعف من قيمة الكتاب.

ـ تمَّ تقسيم الكتاب إلى أربعة عشر باباً، لكن حجمه لا يحتاج إلى كلّ هذه الأبواب، خاصّة أن بعض الأبواب يمكن جمعها في باب واحد، فكان ينبغي أن يتم تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أبواب أو أربعة لا أكثر.

ـ من الملفت للنظر أنّ الكاتب لم يستند في هذه الدراسة إلى النصوص الواردة في السنة النبوية وأقوال أهل البيت(عليهم السلام)، وهي كثيرة في هذا المجال، فلا ينبغي لدراسة كهذه أن تغفل وصّية الإمام علي (ع) لابنه الإمام الحسن (ع) مثلاً، والتي تتضمّن وصايا مهمّة وضروريّة، تفتح للكاتب أفقاً واسعاً في دراسته، فضلاً عن النصوص الكثيرة في هذا المجال.

لذلك من الضروري الانطلاق -في جميع الدراسات التربويّة وغيرها- من النصوص الروائيّة التي تعدّ كنزاً مخفيّاً، والاستفادة منها لتكوين رؤية معرفيّة تستند إلى الوحي الإلهيّ.

من هنا فإننا بحاجة إلى جهود أخرى من قبيل هذا الجهد الذي بذله الكاتب لتكوين رؤية واضحة عن العمليّة التربويّة للشباب بما يضمن تربية جيل قادر على تحمّل المسؤوليّات الجسام في العالم المعاصر.