-----------

تطورت الألعاب ولكن!!

{ محمد حسن }

تطورت الألعاب ولكن!!

مرَّ على البشرية زمن كان فيه الطفل يقنع بلعبة خشبيّة بسيطة يصنعها بنفسه، ويتباهى بها أمام رفاقه الذين لا يملكون مهارة الصناعة. ولكن مع مرور السنوات تحوّلت تلك اللعبة الخشبيّة إلى لعبة بلاستيكيّة ومعدنيّة، وبعدها إلى مختلف أنواع المواد الصناعيّة حتى وصل الأمر إلى مرحلة لم تعد المادّة تحمل الألعاب، فتحوّلت إلى شكلٍ جديد غير مسبوق وغير ملموس، عُرف بالألعاب  الإلكترونية.

فما هي مخاطر هذه الألعاب على القيم الفرديّة والاجتماعيّة؟

تكمن قوة اللعبة الإلكترونيّة في قدرتها على إطلاق العنان لخيال اللاعب مهما كانت المرحلة العمريّة التي ينتمي إليها؛ فتأخذه وهو جالس في مكان لا يحرّك فيه سوى أصابعه- غالباً- إلى كلّ أنحاء العالم ليعيش قصصاً تستند إلى الحقيقة أو إلى الخيال، ويلعب مئات من الأدوار الخيّرة أو الشريرة أو حتى الاثنين معاً في اللعبة عينها. ويحصل كلّ ذلك عن طريق الإبهار البصريّ والسمعيّ في تصاميم غرافيكيّة مؤثّرة تضمن لمن يلعبها أعلى مستوى من الانغماس في عالم اللعبة والانفصال الكامل عن عالم الواقع. ولأنّ أيّ أداة بصريّة وسمعيّة لا يمكن الحكم عليها بالشرّ المطلق أو الخير المطلق إلا بسياقات محدّدة، فلا يمكن القول إنّ جميع الألعاب الإلكترونيّة تؤثّر سلباً على قيم من يلعبها. بل إنّ ثمّة أنواعاً محدّدة تسهم في هدم القيم لدى الفرد والمجتمع.

الألعاب العسكريّة القتاليّة:

إنّ من أكثر أنواع الألعاب الإلكترونيّة جدلاً هي تلك المتمحورة حول التقاتل العسكريّ، وفيما يجنح التربويّ الغربيّ إلى اعتبارها سيّئة بالمطلق؛ لأنها تروّج للعنف، يُجمع التربويّون على أنّ المشاهد الدمويّة المرافقة لأحداث هذه الألعاب تنمّي الميول العنفيّة لدى اللاعب، ويعتبرونها إضافات غير ضرورية لا يؤثّر غيابها على جودة اللعبة ولا على ميزاتها الغرافيكيّة، ولا على المحتوى العسكريّ المتخصّص الذي تقدّمه. فالقدر المتيقّن أنّ الألعاب العسكريّة التي تتضمّن كمّاً كبيراً من المحتوى الدمويّ، تسهم في زيادة الميول العنفيّة لدى اللاعب الذي يقضي فترات طويلة في رؤية تلك المشاهد ويتفاعل معها.

ومن الألعاب العسكريّة الكلاسيكيّة إلى الألعاب العسكريّة المبتكرة، وتحديداً لعبة انتشرت في الآونة الأخيرة وأدمن عليها كثيرون، تطلب من اللاعب التحالف مع غيره من اللاعبين، في مرحلةٍ ما لقتل الآخرين قبل أن يصبح الجميع أعداءً، ويكون البقاء للأقوى. هذه اللعبة الحديثة ترسّخ المثل القديم «أنا وخيي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب» مع إضافة مميّزة وهي «أنا على خيي» في نهاية الأمر.

 لا تقدّم هذه اللعبة أيّ قصّة، ولا تتضمّن أيّ قضيّة حق أو باطل سوى أنّه يجب أن أبقى «أنا» على قيد الحياة، وأن يموت الآخرون بعد أن يكون بعضهم قد ساعدني على البقاء في مرحلة ما! وبلغة مجرّدة، تروّج هذه اللعبة للعلاقات الإنسانيّة الماديّة، المستندة إلى المصالح الآنيّة. وتزرع في ذهن اللاعب نسبيّة العداوة والصداقة من خلال تحوّل الصديق إلى عدوّ في غضون دقائق، استناداً إلى المصلحة الشخصيّة. هذه الفكرة تحديداً يتمّ الترويج لها في كثير من الأفلام والبرامج الغربيّة، ومن الواضح أنّها بعيدة عن الأخلاق الإنسانية السامية.

الألعاب الإلكترونيّة الاجتماعيّة؟!

وننتقل من عالم الألعاب الإلكترونيّة العسكريّة، إلى عالم الألعاب الإلكترونيّة الاجتماعيّة، وهي ألعاب تسمح للاعب بأن يعيش حياة افتراضيّة موازيّة لحياته، فيمتلك اسماً ومهنة وحياة اجتماعيّة يختارها كما يريد في إعدادات اللعبة، ويعيش كثيراً من الأحداث الدراميّة التي تأخذ من وقته وجهده. وغالباً ما يؤدي هذا النوع من الألعاب إلى إدمان، تكون نتيجته الأولى الانسحاب من العالم الواقعيّ إلى العالم الافتراضيّ. وهذا الانسحاب يترافق مع هدم بعض القيم الأساسيّة، مثل: الصدق، والقناعة، والمسؤوليّة الاجتماعيّة والأسريّة وغيرها.

ألعاب المقامرة!!!

ثمّة مجموعة أخرى من الألعاب الإلكترونيّة، وهي تلك التي تستند إلى ألعاب المقامرة، حتى وإن لم تكن واقعيّة، وحتى وإن لم تكن الأموال فعليّة تُدفع من لاعب إلى آخر. فإنّ أخطر ما في هذه الألعاب أنّها تجعل غير المقامر يقع فريسة عقليّة المقامرة، ويدمن على رفع رصيده الوهميّ أو الواقعيّ. وإن كانت المقامرة مشهورة في كلّ الآفات القيميّة التي ترافقها، فإنّ الألعاب الإلكترونيّة للمقامرة لا تقلّ عنها، بل قد تكون أخطر؛ لأنّ الأولى محصورة في أماكن معيّنة لا يرتادها إلا قاصدها، وفي وقت محدد من اليوم، أما الثانية فتصل إلى الشخص أينما كان وفي أيّ وقت أراد.

وتجدر الإشارة إلى خطر خفيّ وعام قد لا يلتفت إليه بعض الأشخاص، حتى وإن تمّ اختيار اللعبة بعناية لتناسب القيم الإنسانيّة الساميّة، يبقى هناك خطر الإعلانات التي تظهر خلال اللعبة إذا كانت متصلة بشبكة الإنترنت، ومعظم الألعاب -اليوم- هي كذلك. ولا يمكن التحكّم بمضمون هذه الإعلانات على الإطلاق، وهي تروِّج لكثير من الأمور التي لا تنسجم مع قيم المجتمعات المحافظة، لا من ناحية الصور ولا الموسيقى ولا الأفكار.

ختاماً، في زمن أصبحت فيه الألعاب الإلكترونيّة تصل إلى كلّ جهاز محمول متّصل بالإنترنت بلا دعوة من صاحبه، لا يكون الحلّ في الانعزال، بل في المواجهة والاستهلاك المنظّم الواعي والمدروس، وعليه يجب أن يشرف الآباء على أبنائهم، ويشرف الراشدون على أنفسهم؛ فثمّة بعض الألعاب التي لا ينبغي أن تكون موجودة أساساً على أجهزتنا، وهي تلك التي تقدّم محتوىً غير أخلاقيّ. وهناك بعض الألعاب التي ينبغي الانتباه إلى الرسائل الخفيّة التي توجّهها، كي لا تتسلّل إلى عقولنا، وحينها نستطيع أن نلعب بشكلٍ آمن.