-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : العزوبية خيار الشباب ام المجتمع؟!

الباحث :  فاطمة نصر الله
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - صيف 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 4 / 2019
عدد زيارات البحث :  401
العزوبيّة في التعريف القانونيّ وصف للشخص الذي لم يسبق له الزواج من قبل، وفي اللغة من تعزّب ترك النكاح، والعزوب هو الذهاب أو الغياب[1].
تعتبر العزوبيّة ظاهرة اجتماعيّة تطال الذكور والإناث على حدٍّ سواء، مع وجود بعض الفروقات الشخصيّة والاجتماعيّة التي تحكم عزوبيّةَ كلّ منهما، حيث إنّه كثيراً ما تكون عزوبيّة الذكور إراديّة وتعود لعدم رغبة الفرد أو عدم اقتناعه بالتوجّه إلى الحياة الزوجيّة بغض النظر عن الدوافع والأسباب، أمّا عزوبيّة الإناث، فغالباً ما تكون ناتجة عن عزوف الذكور عن الارتباط والزواج؛ فالعادات الحاكمة في مجتمعاتنا الشرقيّة والإسلاميّة تقضي بأن يتقدّم الشاب لخطبة الفتاة، وفي حال لم يحصل ذلك فإنّه، وبحسب العادات والتقاليد، ليس من اللائق أو المقبول اجتماعيّاً أن يحصل العكس، وإن حصل فهو نادر.
هذا وقد أولى علماء النفس والاجتماع اهتماماً بالغاً بالعزوبيّة بوصفها حالة إنسانيّة، وعملوا على دراسة واقع العازبين من النواحي العمليّة، كما درسوا أثرها على إنتاجيّة الفرد، مع إبراز بعض النتائج المتعلّقة بميادين الدراسات وفئاتها المستهدفة، والتي عملت على المقارنة بين فئتي المتزوّجين والعازبين، وقد أظهرت بعض الدراسات[2] أنّ العازبين حافظوا على رغبتهم في التطوّر والتقدّم، كما أنّهم يهتمّون بإنجاز عملهم بطريقة أفضل. وتشير هذه النتائج إلى الجانب العمليّ والمهنيّ، أما الجوانب المتعلّقة بشعور الفرد بالانتماء والاستمراريّة، فلم يتمّ تسليط الضوء عليها بشكل كافٍ.
بالإضافة إلى الاستفادة من الدراسات التي تجري على العديد من الظواهر الاجتماعيّة، فإنّ الملاحظة المباشرة للواقع تشير إلى أنّه يمكننا أن نقسّم العزوبيّة في حياة الإنسان إلى قسمين:

1 - العزوبيّة المؤقّتة:
لا يوجد تحديد واضح لسنّ العزوبيّة في المجتمعات، وليس ثمّة فترات زمنّية ملزمة لها، إذ إنّ الأمر خاضع بشكل كامل لعادات البيئة المجتمعيّة التي ينتمي إليها كلّ من الشاب والفتاة، حيث إنّ سنّ الزواج خاضع للعديد من الاعتبارات الخاصّة بكلّ بيئة، فما قد يعتبر زواجاً مبكراً في مجتمعٍ ما، قد لا يكون كذلك في مجتمعات أخرى.
إذن فالعزوبيّة المؤقّتة -غالباً- ما تخضع للظروف الحياتيّة المحيطة بالفرد، لأنّه غالباً ما يؤجل الشباب (ذكوراً وإناثاً) خطوة الزواج بانتظار تحقيق بعض المستحقّات الشخصيّة مثل: الدراسة والمهنة وغيرها من الأمور الحياتيّة، كالجهوزيّة الماديّة التي تتمثّل بتأمين المنزل الزوجيّ ومستلزماته. ومع انتفاء هذه الظروف لا يتمّ الإقدام على الزواج.

2 - العزوبيّة الدائمة:
إنّ العزوبية الدائمة خيار إراديّ في حياة الفرد ناتج عن قناعاته وأفكاره التي تكوّنت من خلال تجربته الشخصيّة، وتأثّره بكثير من الأحداث التي واجهها مع نفسه أو مع الآخرين. لكن لهذا الأمر استثناء، وذلك حين يتحوّل هذا الخيار الحُرّ إلى مُلزِم بمكان، حيث يجعل الفرد محصوراً ضمن خيارٍ واحدٍ هو العزوف عن الزواج، ومثال ذلك رفض بعض فئات الشباب (ذكوراً وإناثاً) -وربّما لدى الإناث أكثر- لأيّ فرصة زواج نتيجة شعورهم بالمسؤوليّة تجاه بقيّة أفراد العائلة، سواء أكانوا إخوة وأخوات أو أحد الوالدين أو كلاهما، وذلك للاعتناء بهم بسبب حاجتهم الفعليّة لذلك لأسباب تتنوّع وتتعدّد، حيث يعتبِر المضحّي هنا أنّ إقدامه على الزواج سوف يعرّض هؤلاء الأشخاص إلى الضياع بسبب انشغالات الحياة الزوجيّة ومسؤوليّاتها التي ستقع على كاهله، باعتبار أنّه من الصعب التوفيق بين المهام الرعائيّة المطلوبة منه تجاه هؤلاء وبين مسؤوليّات الحياة الزوجيّة الكبرى.
وثمّة أسباب إضافيّة للعزوبيّة الدائمة، وهي الأفكار التي قد يتبنّاها بعض الأفراد من أنّ الحياة الزوجيّة مسؤوليّة كبيرة جداً تفوق طاقة الإنسان على النجاح فيها، ولا سيما تأسيس الأسرة من خلال الإنجاب وما يترتب على ذلك من بذل الجهود على كافة الأصعدة، بالإضافة إلى الاستعداد المُلزم للإنسان على التضحية وتقديم أجود ما يمكن ماديّاً ومعنويّاً من أجل إسعاد عائلته، هذه الحقيقة قد تكون سبباً مباشراً لشعور الفرد بالقلق حيال الحياة الزوجيّة، ما يدفعه للإحجام عنها والإبقاء على حياة العزوبيّة التي يعتاد عليها، والتي قد تجعل بعض من يعيشونها غير قادرين على الانغماس في الحياة المشتركة سواء أكان ذلك من ناحية الشكل أم المضمون.
كما أنّه لا ينبغي الغفلة عن الأفكار التي تروّج لها العديد من المنظّمات العالميّة تحت عنوان الحياة العصريّة، والتي تعزّز فردانيّة الإنسان وتشجّعه على العيش وفق منظومة الحرّيّة الشخصيّة التي تتيح له الاستمتاع بكلّ مفردات الحياة بعيداً عن الارتباط الزوجيّ الذي يمثل رأس الضغوطات النفسيّة والاجتماعيّة، ما يؤدي إلى الحدّ من إنتاجيّته وازدهاره على كافّة الأصعدة والمجالات.
وثمّة مجموعة من الأسباب التي تدفع الشباب إلى حياة العزوبيّة، أبرزها:
أولاً: واقع الحياة الاقتصاديّ الذي قد يكون سبباً مباشراً للعزوبيّة المؤقّتة أو الدائمة، ويتمثّل ذلك بالآتي:

ـ غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.
ـ فشل مؤسّسات الدولة في وضع خطّةَ توجيه مهنيّ أو تخصّصيّ تساعد الفئات الشابّة على التوجّه السليم الذي يعينهم على تأمين حياة كريمة تكون سبباً لاستقرارهم الماليّ والاقتصاديّ ومن ثم النفسيّ والاجتماعيّ.
ـ ندرة فرص العمل التي تؤمِّن للإنسان الحياة الكريمة وفق منظومة الكفاف.
ـ عدم تحمّل الدولة لمسؤوليّاتها تجاه فئة الشباب لجهة تأمين منازل لائقة وفق عروض تتناسب مع أصحاب الدخل المحدود.

ثانياً: واقع الحياة الاجتماعيّة المتمثّلة بالعادات والتقاليد التي ترهق الشباب من حيث تحضيرات الزواج الملزِمة، ومنها:
ـ غلاء المهور.
ـ ربط تحضيرات الزواج وإجراءاته بالمظاهر الفاخرة لحفلات الزفاف المرهقة ماليّاً ونفسيّاً.
ـ التعقيدات المتعلّقة ببعض الاعتبارات الطبقيّة التي قد تشكّل حجر عثرةٍ أمام تحقيق خطوة الزواج في بعض البيئات الاجتماعيّة المعقّدة.
هذه الأسباب وغيرها هي التي دفعت وتدفع الشباب إلى حياة العزوبيّة، علماً أنّ الإسلام أكّد على استحباب الزواج، حيث ورد في الآية القرآنيّة المباركة: Nوَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَM [3].
وعن رسول اللهs أن قال: “ما بُني في الإسلام بناء أحبّ إلى الله من التزويج”[4].
هذا التوجيه الذي نطّلع عليه من خلال العديد من الآيات الكريمة، والأحاديث النبويّة الشريفة، إنما هو حثٌّ وتحفيزٌ للفئات الشابّة لترك العزوبيّة كأسلوب حياة، والتوجّه إلى الزواج باعتباره ارتباطاً سامياً.
وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه بمعزل عن تحمّل المسؤوليّة المشتركة من كافة فعاليّات المجتمع ومؤسّساته المدنيّة التي تكون الأسرة على رأسها، فهي المهد الأول الذي ينشأ فيه الشابّ -ذكراً كان أم أنثى- منذ ولادته حتى خروجه إلى الحياة شابّاً فاعلاً مؤثّراً في المجتمع.
إنّ التفكير الجمعيّ الذي لا بدّ وأن يكون له التأثير البالغ على واقع الحياة الاجتماعيّة ومسارها الزمنيّ، إنّما يترسّخ ويتقوّى من خلال الوعي الذي يبثّه المهتمون؛ سواء أكانوا من شريحة الشباب أم من غيرهم، وسواء أكانوا آباءً أو علماء دين أو مرشدين موجِّهين أو تربويّين وغيرهم.         
ومن خلال جهودهم النّقية يكون التغيير...

--------------------------------------
[1]- يراجع: معجم مقاييس اللغة ابن فارس، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1404هـ، ج4، ص: 310.
[2]- يراجع: شبكة النبأ المعلوماتية الالكترونية، لماذا ازدادت العزوبية في عالمنا المعاصر؟، بقلم: مروة الأسدي.
[3]- سورة الروم، الآية: 219.
[4]- النوريّ، حسين: مستدرك الوسائل، ط2، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت، 1408هـ ، ج14، ص: 153.