-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : سعادتكم رهن محبتكم

الباحث :  د. فادي ناصر
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - صيف 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 4 / 2019
عدد زيارات البحث :  378
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: Nفَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِق‏M [1]؛ هذه الآية المباركة على الرغم من صغرها تعدّ مفتاحاً من مفاتيح الهداية الإنسانيّة، التي تبدأ من معرفة النفس؛ باعتبارها أنفع المعارف، حيث ورد في الحديث الشريف: «معرفة النّفس أنفع المعارف»[2]، وذلك لأنّ الإنسان يستطيع من خلالها أن يصل إلى ربّه، كما ورد عن رسول اللهs: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»[3].
وفي الحقيقة إنّ معرفة الإنسان لنفسه هي القاعدة الأساس والمحور لأيّ عمليّة تربويّة وتعليميّة، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: Nيا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْM  [4].

حقيقة خلق الإنسان:
إنّ التأمّل في آيات خلق الإنسان يكشف أنّه يمتاز ببعدين أساسين؛ هما: البعد الماديّ، والبعد الروحيّ.
أمّا البعد الماديّ المتشكّل من التراب والطين والصلصال والحمأ والفخار وغيرها من التعابير القرآنية، فقد أشارت إليه مجموعة من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى: Nهُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْض‏M [5]، وقوله: {فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابM [6]، وفي مورد ثالث: Nإِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طينٍ لازِب‏M [7]، وغيرها من الآيات الكريمة، التي إذا تمّ الالتفات إليها وإلى أصل خلقة الإنسان وترابية نشأته، فإن ذلك يمنعه من الغرور الذي يعتريه في هذه الحياة، وينبّهه إلى ضرورة الحذر من الوقوع في فخّ الشهوات والرغبات والغرائز التي تجرّه بعنف نحو التراب، فلا يغفل عن وجهته الحقيقيّة، ولا يسهو عن هدفه النهائيّ الذي خلق من أجله.
وثمّة طائفة أخرى من الآيات القرآنيّة، لو تأملنا فيها لاكتشفنا في الإنسان بعداً آخر غير البعد الماديّ الحسيّ الطبيعيّ، وهو البعد الروحيّ الذي عبر عنه القرآن الكريم بالروح، والنفس، والخلق الآخر وغيرها، حيث ورد في قوله تعالى:
Nوَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طين‏...ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقين‏M [8]، وقوله تعالى: Nإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طين‏ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي‏ فَقَعُوا لَهُ ساجِدين‏M [9].

ضرورة تربية كلا البعدين:
تبيّن الآيات الكريمة بشكل واضح «أنّ الإنسان مكوّن من قبضة تراب ماديّ محسوس يُدعى بـ «الجسد»، و«نفخة روح» غير محسوسة، ولا بدّ من الاهتمام بكلا الجانبين في التربية والتعليم، بحيث يكون العمل عليهما متناسقاً من أجل تطويرهما معاً»[10]. فكما أنّ البعد الماديّ للإنسان ينبغي أن يكون خاضعاً لقوانين صارمة في التربية والتعليم من أجل ديمومته والمحافظة عليه وعلى الحياة المادية للإنسان، كذلك فإنّ البعد الروحيّ بحاجة ـ أيضاً ـ إلى هذه العملية، بل حاجته إلى ذلك أقوى وأشدّ؛ باعتبار أنّ الأصالة في الإنسان للروح لا للجسد؛ فالأخير ليس سوى أداة ووسيلة من أجل استمرار الإنسان وبقائه في هذا العالم. ورد في الحديث عن
الإمام علي g: «إنّ للجسم ستة أحوال: الصحة والمرض، والموت والحياة، والنوم واليقضة، كذلك الروح، فحياتها علمها، وموتها جهلها، ومرضها شكّها، وصحّتها يقينها، ونومها غفتلها، ويقظتها حفظها»[11].

خصائص الروح:
عندما نتحدث عن الروح، فإننا نتحدّث عن البعد المعنويّ في وجود الإنسان، والذي له صور ومظاهر عديدة منها: النفس، الخيال، العقل، والقلب. ونحن في هذه المقال المختصر سوف نحصر الكلام بالقلب، باعتباره جوهر الحياة الروحيّة عند الإنسان، وأساس حياته العاطفيّة؛ ولأنّ تأثيرات هذا الجوهر النورانيّ ـ المسمى بالقلب Nمَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنيب‏M [12] أو الفؤاد، Nوَاللَّـهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون‏M [13] ـ في القرآن الكريم كبيرة جدّاً على حياة الإنسان وعلاقاته مع نفسه ومحيطه، وعندما نتحدّث عن المحيط والآخر، فلا شكّ أنّ الحياة الزوجيّة هي من أجلى صوره.

أهمّيّة العواطف في الحياة الزوجيّة:
العواطف والمشاعر من الأبعاد الأساسيّة في شخصيّة الإنسان، تنشأ جذورها في القلب وفي الفؤاد، ولهذه الميول والعواطف الإنسانيّة دور حسّاس في السلوك البشريّ؛ إذ إنّها تتدخل في تحديد مسار الفرد الأخلاقيّ والاجتماعيّ والفكريّ، فنلاحظ تأثيرها بشكل واضح على جسد الإنسان، وعلى خياله وعقله؛ بل على سلوكيّاته ومواقفه المختلفة، وفي جميع أبعاد حياته خصوصاً الحياة الزوجيّة؛ لأنّ العنوان الأوّليّ الذي ينبغي أن يحكم مفاصل الحياة الزوجيّة هو الحبّ، وهو شعورٌ عاطفيٌّ قويٌّ نابعٌ من أعماق الروح الإنسانيّة، يحصل عندما تنجذب هذه الروح نحو من ترى فيه كمالاً ما، فيتعلّق كلّ وجودها به، لتصبح أسيرة له. فالحبّ تعلّق خاص، وانجذاب مخصوص بين المرء وكماله.
وقلب الإنسان لا يتعلّق إلا بمن يرى فيه كمالاً يهواه، ويسعد به، فيميل إليه دون أيّ تفكير أو إعمال للعقل، ومن مصاديق هذا الحبّ العاطفيّ والمعنويّ؛ حبّ الزوج لزوجته وبالعكس، نظراً للآثار الكبيرة المترتبة على هذ الحبّ المتأسّس بينهما لناحية متانة العلاقة، واستمراريّتها، وقدرتها على تحدّي كلّ عوائق الحياة ومصاعبها، وأعباء تربية الأبناء في هذا العصر؛ ولذلك كانت العلاقة العاطفيّة بين الرجل والمرأة آيةً من آيات الله سبحانه التي تورث الزوجين السكينة والطمأنينة، وهو أكثر ما يحتاجان إليه من أجل ديمومة الحياة الزوجيّة، وصيرورتها حياةً ملؤها السلام والرحمة والأنس والسعادة. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
Nوَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في‏ ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون‏M [14].
فالمودّة والحبّ من أصول الحياة الزوجيّة، ومن دونهما تصبح الحياة أشبه ما يكون بالوظيفة الخالية من الروح والمعنى، والتي تؤدي غالباً مع ازياد وتيرة الضغوط الحياتيّة والاجتمــــاعيّة إلى تصدّع الصرح الزوجيّ، حيث يكون عرضة لرياح النزاعات العائليّة العاتية التي تدمّر أركانه مع مرور الوقت، وتجعله خاوياً وضعيفاً، بدل أن يكون كلّ من الزوجين عوناً للآخر ولباساً له كما يقول الله تعالى في كتابه الكريم: Nهُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُن‏M  ‏ [15]، واللباس هو ما يستر به الإنسان بدنه، لكنّ الجملتين هنا وردتا من باب الاستعارة؛ فإنّ كلاًّ من الزوجين يمنع صاحبه عن اتبّاع الفجور وإشاعته بين أفراد النوع،  لكونه لباساً[16].
فكما أنّ اللباس يحفظ الجسم من الحر والبرد وأنواع المخاطر، ويستر عيوب الجسم، وهو أيضاً زينة للإنسان، كذلك فإنّ الزوجين يحفظ كل منهما الآخر من الوقوع في الانحراف ومن العيوب، ويوفّر لهما سبل الراحة والطمأنينة، فيصبح كلّ منهما زينة للآخر. و"هذا التعبير يوضّح غاية الارتباط المعنويّ بين الرجل والمرأة ومساواتهما في هذا المجال، فالتعبير جاء للرجل كما جاء للمرأة بدون تغيير"[17].

أصول التربية العاطفيّة والمعنويّة في الحياة الزوجيّة:
ـ الأصل الأول: الاعتقاد بوجود الاختلافات الطبيعيّة بين الرجل والمرأة
يعدّ هذا الأصل من الأمور المهمة جداً، فقد ينظر الرجل إلى المرأة من منظاره، وكذلك تنظر المرأة من دون أن يلتفت كلّ واحد منهما إلى أنّه أمام كائنٍ مختلف عنه على المستوى النفسيّ أو الجسديّ.
إنّ عدم إدراك هذه الحقيقة توقع أكثر الأزواج في المشاكل، مع قدرتهما على تلافيها عند أدنى تأمّل في طبيعة تكوينهما وخلقتهما الإلهيّة. يقول الأستاذ مطهريّ حول طبيعة الاختلاف بين المرأة والرجل: “الرجل أكثر وقوعاً في أسر الشهوة من وقوعه في الحبّ، والمرأة أكثر وقوعاً في أسر الحبّ من وقوعها في أسر الشهوة. الرجل يريد امتلاك المرأة، والمرأة تريد تسخير قلب الرجل، الرجل يريد أن يأخذ المرأة، والمرأة تريد أن يأخذها الرجل، المرأة تريد من الرجل الشجاعة والبطولة، أمّا الرجل فيريد من المرأة الجمال والجاذبيّة”[18].

ـ الأصل الثاني: إشباع الحاجات الروحيّة
الإنسان مخلوق عاطفيّ، وإشباع هذا البعد مرتبط بعلاقته مع الآخرين. فالإنسان يسعى بشكل مستمر لإقامة علاقات مع بقية الناس لسدّ هذا النقص وهذه الحاجة الوجوديّة. وتعود جذور هذه الحاجة الروحيّة إلى أعماق روح الإنسان نفسه، ويمكن إشباعها بوسائل مختلفة. يلعب الزوجان دوراً أساسيّاً ومحوريّاً في إشباع هذه الأبعاد، وهذا يضمن الاستقرار النفسيّ والروحيّ. ولن يهدأ بركان حاجات الإنسان المتمرّدة والمتوقّدة إلا بالحنان والمحبة والعطف، ومن وجهة نظر الدين، يشكّل اكتساب السكينة والمحبّة عاملين أساسين في إيجاد العلاقة واستمرارها بين الزوجين.
فالحاجة إلى المحبّة، تعدّ جزءاً أساساً من حاجته، ففي الحديث المروي عن رسول اللهs أنه قال: «قول الرجل للمرأة إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً»[19].
أما الهدوء والسكينة، فقد جعلهما القرآن الكريم من الأهداف الأساسيّة للزواج، حيث إنّ أنس الإنسان بالإنسان وشعوره بالسكينة في جواره، إنما هو ثمرة استمرار المحبّة، ونتيجة قيام كلّ واحد من الزوجين بواجباته تجاه الآخر، ومن هذه الناحية كان وجود الزوج من وجهة نظر الدين، إلى جانب زوجه نعمة إلهيّة تستحقّ الشكر والاعتراف بالحقّ[20]. من هنا يقول الإمام زين العابدين g في رسالة الحقوق: «وحقّ الزوجة أن تعلم أنّ الله -عزّ وجلّ- جعلها لك سكناً وأنساً، وتعلم أنّ ذلك نعمة من الله تعالى عليك»[21].

ـ الأصل الثالث: إشباع الحاجات الماديّة والاقتصاديّة
يعتبر إشباع الحاجات الماديّة والجسديّة من الأمور الأساسيّة التي تؤدي إلى الوصال من جهة بين الزوجين، وإلى استمرار هذا التواصل من جهة أخرى؛ بل إنّ أحد التفسيرات التربويّة المهمّة فيما يتعلق بحصول السكينة بين الزوجين، ترتبط بضرورة إشباع هذا الجانب[22]، “فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بد من قضائها، وذلك عظيم ولا قوة إلا بالله”[23].
كما إنّ سدّ الحاجات الاقتصاديّة له دور أساس ومحوريّ في تعزير الرابطة العاطفيّة والمعنويّة بين الأزواج، لذا أكّد الإسلام على مسؤوليّة الرجل في تلبية حاجات زوجته الاقتصاديّة، وتأمين حاجات الأسرة ورفاهيتها، وإشاعة روح اليسر والتسامح؛ لأنّها تعدّ من المسائل الأساس في نجاح العلاقات الزوجيّة[24]. وقد ورد في الحديث الشريف: «إنّ أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله»[25].

------------------------------
[1]- سورة الطارق، الآية: 6.
[2]- التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمد: غرر الحكم ودرر الكلم، ط2، دار الكتاب الإسلاميّ، قم، 1410هـ، ص: 712.
[3]-  المجلسيّ، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، دار إحياء التراث العربيّة، بيروت، 1403 هـ، ج2، ص: 32.
[4]- سورة المائدة، الآية 105.
[5]- سورة هود، الآية: 61.
[6]- سورة الحج، الآية: 5.
[7]- سورة الصافات، الآية: 11.
[8]- سورة المؤمنون، الآيات: 12-14.
[9]- سورة ص، الآيات: 71-72.
[10]- فرهاديان، رضا: أسس التربية والتعليم في القرآن والحديث، ط1، دار الرسول الأكرم، بيروت، 1425هـ، ص: 22.
[11]-  المجلسيّ، بحار الأنوار، (م.س)، ج85، ص: 40.
[12]-سورة ق، الآية: 33.
[13]-سورة النحل، الآية: 78.
[14]-سورة الروم، الآية: 21.
[15]-سورة البقرة، الآية: 187.
[16]-يراجع: الطباطبائيّ، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، (لا ط)، دفتر انتشارات إسلاميّ، قم، 1417هـ .ق، ج2، ص: 44.
[17]-  الشيرازيّ، ناصر مكارم:  الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ط1، نشر مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب، قم، 1321هـ .ق ،ج1، ص: 537.
[18]-  الخامنئيّ، محمد: فلسفة الأنوثة؛ مقدّمة لحقوق المرأة في الإسلام، ترجمة حيدر نجف دار المعارف الحكميّة، ط1، (لا د)، بيروت، 2015م، ص: 142.
[19]-الكلينيّ، محمد بن يعقوب: الكافي، ط4، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1407هـ ، ج5، ص: 569.
[20]-يراجع: مركز المصطفى العالميّ للنشر والترجمة: أهداف التربية الإسلاميّة، ط1، قم، 1436هـ، ص: 279.
[21]-البروجرديّ، آغا حسين: جامع أحاديث الشيعة، ط1،  منشورات فرهنك سبز، قم، 1380هـ .ق، ج25، ص: 537.
[22]- يراجع: مركز المصطفى العالميّ، أهداف التربية الإسلاميّة، (م.س)، ص: 280.
[23]-المجلسيّ، بحار الأنوار، (م.س)، ج71، ص: 14.
[24]-يراجع: مركز المصطفى العالميّ، أهداف التربية الإسلاميّة، (م. س)، ص281.
[25]-الكلينيّ، الكافي، (م.س)، ج4، ص11.