-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : معاً لمساندة الشباب في رحلتهم الاجتماعية

الباحث :  د. سحر مصطفى
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 23 / 2019
عدد زيارات البحث :  349
في عالم القرية الكونية والتواصل بين الأفراد عبر القارات، يبدو للوهلة الأولى أنّ الحديث عن سبل تعزيز التواصل والعلاقات الاجتماعيّة أمر مستهجن. فهل ثمّة ضعف في العلاقات الاجتماعيّة عند الشباب فعلاً؟ وماذا عن شبكة العلاقات التي ينسجونها عن طريق عشرات مواقع التواصل؟
وتُجرّ السبحة إلى عشرات الأسئلة التي تضعنا أمام نقاشات لا يسعنا معالجتها في هذا المقال. ولكي نتعرّف إلى واقع الشباب في تعاملهم مع العلاقات الاجتماعيّة[1]، يمكننا البدء من نقطة معيارية وهي مهارات الشباب في نسج العلاقات الاجتماعيّة، والمحافظة على الشبكات الاجتماعيّة الواقعية وليس الافتراضيّة، ابتداءً من صلة الرحم داخل المؤسّسة الأسريّة والعائليّة، وصولاً إلى علاقات الصداقة والزمالة والعمل والاهتمام بالفئات الاجتماعيّة المختلفة، وخاصّة المستضعفة والمهمّشة.
إنّ الباحث الاجتماعيّ لا يجد صعوبة في رصد مؤشرات علميّة عديدة، تدلّ على تراجع مهارات فئة الشباب في التواصل السليم مع المحيطين بهم[2]، ويظهر ذلك جلياً من خلال طغيان الأساليب العنفية، وتراجع قيمة الاحترام، وصعوبة تقبّل آراء الآخرين، وضعف مهارات الإنصات، وغيرها من المهارات التي لا بدّ منها لنسج علاقات اجتماعيّة سليمة ومستدامة مع المحيط.
وقد يُقال: لماذا التركيز على تعزيز العلاقات الاجتماعيّة؟ وما هي أهمّيتها في عالم تسوده النزعة الفرديّة؟
 الإجابة عن هذا التساؤل تكمن في تفحّص أحوال المجتمعات التي تراجعت فيها الصلات الاجتماعيّة، وما أفرزه ذلك التصدّع من بغضاء وتنافس غير شريف، وقلق وأمراض نفسيّة... ولائحة الأضرار طويلة جداً.
إنّ مجتمع المحبّة والتواصل والتعاون والإخاء والتكافل الذي يدعو إليه الإسلام هو مجتمع تتكسّر فيه الحواجز النفسيّة بين أبنائه، ويكون مصداقاً لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} (سورة آل عمران، الآية: 103)، وقوله: {يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم} (سورة الحجرات، الآية: 13).
عندما ننسج شبكة علاقات اجتماعيّة متينة تقوم على التوادّ والتراحم، فإنّنا نسهم في تعزيز الأمان الاجتماعيّ والحماية الاجتماعيّة التي تلهث وراءها المنظّمات الدوليّة حاليّاً[3]، بعد ما خلّفته حالة الوهن في العلاقات الاجتماعيّة من مآسٍ على صعيد العالم...«مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعت سائر الأعضاء بالسهر والحمى»[4].
إنّ بيان أهمّيّة العلاقات الاجتماعيّة السليمة وجدواها، يعدّ خطوة مهمّة في طريق تعزيزها، فإذا لم يكن الإنسان مقتنعاً بإيجابيّات أمر ما، فإنّه لن يكون مندفعاً نحوه.
صحيح أنّ نسبة كبيرة من الشباب في العالم الإسلاميّ اليوم، تفتقر إلى مهارات بناء العلاقات الاجتماعيّة، لكنّ الروابط الاجتماعيّة في العالم الإسلاميّ ما زالت تكتسب أهمّيّة خاصّة في المجتمع ومؤسّساته.
من هنا لا بد أن نستفيد من نقاط القوّة ونعمل على معالجة الثغرات، حتى نساند الشباب في رحلة بنائهم لشبكة علاقات اجتماعيّة سليمة وصحيحة، تكون وقاية لهم من الوقوع في براثن العزلة والقلق والاكتئاب وإدمان الإنترنت وغيرها من أمراض العصر المرتبطة بالاغتراب الحالي الذي يعيشه الأفراد عن محيطهم ومجتمعهم.
وقبل طرح مقترحات تفصيليّة تساعد في تعزيز العلاقات الاجتماعيّة عند الشباب، لا بدّ من تدريبهم على مجموعة من مهارات التواصل الإنسانيّ بشكل عام، ومنها الإصغاء الفعّال، وحسن طرح الأفكار والحوار، وتعزيز قيمة الاحترام وتقبّل الآخر، ونبذ التكبّر والتعالي.. .وغيرها من المقدّمات الضروريّة لتعزيز إمكاناتهم الفرديّة على الانخراط في الحياة العامّة.

ثم يمكننا تقديم مجموعة من الاقترحات العمليّة عن طريق تقسيم ميادين العلاقات الاجتماعيّة على الشكل الآتي:
أولاً: العلاقات الأسريّة:
الأسرة هي مهد العلاقات الإنسانيّة، فيها يكتسب الأفراد المهارات الأساسيّة للتواصل مع المحيط. وتتنوع داخلها الروابط بين علاقة الزوجيّة والأخوّة، وروابط الدم (القرابة) من خلال الأسرة الممتدّة[5]. وتتأثر شبكة العلاقات الأسريّة بمجموعة من العوامل، منها:
ـ ثقافة الوالدين ومدى امتلاكهما لمهارات التواصل.
ـ اهتمام الأهل بتعزيز التواصل الفعّال مع الأبناء، وإعطائهم الوقت الكافي.
ـ انفتاح الأسرة النواتيّة[6] على الأقارب واهتمامها بتعزيز صلة الرحم.
ـ مدى الحرص على إحياء المناسبات الأسريّة بشكل مشترك.
وفي سبيل تعزيز الروابط الأسرية وتمتينها، يمكن القيام بمجموعة من الأمور، يتعلّق بعضها بالتثقيف وتغيير بعض الأفكار المغلوطة، أو توضيح بعض الاعتقادات المشوّشة في أذهان الشباب، ويتعلّق بعضها الآخر بإجراءات عمليّة تعزّز السلوكيّات التواصليّة الجيّدة في مجال الأسرة. نذكر منها:
ـ التركيز في وسائل الإعلام المختلفة على أهمّيّة الأسرة، وخاصة في ما يرتبط بالعلاقة مع الوالدين التي جعلها اللّه سبحانه وتعالى على درجة كبيرة من الأهمّيّة، كما برز اهتمام الجهات التربويّة والاجتماعيّة والدينيّة بتأصيلها.

ـ تفسير معنى العقوق للشباب ومصاديقه.
تشجيع الهيئات والجمعيّات المختلفة على تكثيف الأنشطة المتعلّقة بتعزيز الروابط الأسريّة، ومنها، على سبيل المثال: إحياء أسبوع للأسرة من خلال احتفاليّات عامّة، التشجيع على إقامة أنشطة رياضيّة وترفيهيّة تجمع بين الآباء وأبنائهم الذكور، وخاصّة ضمن الفئة العمريّة بين 15-25 سنة. وكذلك إقامة أنشطة ومسابقات تجمع بين الأمهات وبناتهنّ الشابات.. .وغيرها من الأنشطة التي تسهم في إحياء العلاقات الأسريّة وتصويبها، وتزيد الود،ّ وتقرّب وجهات النظر بين جيل الآباء والأبناء.
ـ مواجهة النكات والبرامج التي تضرب صورة الأهل والأسرة.
ـ تقديم الدعم والمشورة لحلّ المشكلات الأسريّة، سواء أكان بين الأهل والأبناء، أو بين الإخوة، أو الأرحام.
ـ تعزيز العلاقات مع الأسرة الممتدّة؛ بحيث يحرّض الشباب أنفسهم على إيجاد البيئة الخصبة والحيويّة مع الدائرة الأقرب إليهم، فيمكنهم- مثلاً- إجراء مقابلات مع الأجداد للتعرّف إلى طريقة تعاملهم مع الأمور الحياتيّة، وكيفية مواجهتهم للمشكلات، من قبيل: الجفاف أو معالجة بعض الأمراض، أو تحضيرهم للزواج. كما يمكن تحديد يوم في الشهر لاجتماع العدد الأكبر من أفراد الأسرة الممتدّة، وإقامة سلسلة من الأنشطة.

ثانياً: العلاقة مع الجيران:
على الرغم من الاهتمام الكبير الذي يوليه الإسلام لعلاقات الجيرة والجيران، لكنّنا نشهد تراجعاً في هذه العلاقات، بل نجد في بعض المدن أنّ سكان المبنى الواحد لا يعرفون بعضهم. ولمعالجة هذا الخلل يمكن القيام بعدة خطوات منها:
ـ تعميم ثقافة حسن الظن داخل المجتمع الإسلاميّ، على قاعدة «احمل أخاك على سبعين محمل حسن».
ـ محاربة الإشاعات وأجواء الغيبة والنميمة التي تبثّ أجواء الشحن والبغضاء بين الناس.
ـ التثقيف على أهمية العلاقات مع الجيران، ومدى الفائدة التي يحصّلها الأفراد والمجتمع من تعزيز هذه العلاقات[7].
ـ اللجوء إلى تشكيل بعض الأطر الأهليّة على غرار العديد من التجارب العالميّة، والتي كان العالم الإسلاميّ سبّاقاً إليها في ما مضى، مثل: لجان الأحياء ولجان البنايات في المدن.
ـ تعزيز بعض المشاريع الجماعيّة بين الجيران، من خلال مسابقات أفضل حيّ، أو قرية نموذجيّة، حيث يشترك الجيران في أعمال تحسين قريتهم أو تجميل حيّهم.
ـ إحياء المناسبات الدينيّة بشكل جماعيّ، من قبل الجيران، مثل: الإفطارات المشتركة في شهر رمضان، أو تزيين الحيّ وتوزيع الحلوى في الأعياد.
ـ التشجيع على تفقّد الجيران والسؤال عن أحوالهم، والعمل على إبراز أهمّيّة التزاور، ونشر آداب الزيارة.
ـ إعادة إحياء فكرة مساعدة الجيران لبعضهم في أعمال بناء المنازل، أو جني المحاصيل الزراعيّة وغيرها، والتي كان يطلق عليها سابقاً اسم «العَوْنة»[8].

ثالثاً: العلاقة مع الرفاق والفئات الاجتماعيّة الخاصّة[9]:
لطالما كانت جماعة الرفاق من الجماعات المؤثّرة في حياة الشباب، حتى قيل: «قل لي من تعاشر أقل لك من أنت». واهتمّت المنظّمات والدول بما سمي بجماعات الأقران، وكيفية توجيهها والاستفادة منها بما يسهم في رفع مستوى الأفراد من خلال تعزيز علاقاتهم بأقران مميّزين[10]. لكن شهدت جماعات الرفاق مؤخراً تراجعاً ملحوظاً لصالح المجموعات الافتراضيّة، عن طريق مواقع التواصل الرقميّ، التي استولت على حيّز كبير من هذه العلاقات، وذلك على حساب العلاقات الواقعيّة، على الرغم من أنّه أتى مكمّلاً وليس بديلاً في بعض الأحيان.
وبعيداً عن الخوض في جدليّة العلاقات عبر مواقع التواصل، فإنّ من المهمّ التركيز على الأنشطة التي تعزّز العلاقات الإيجابيّة، وترفض العنف والألفاظ النابية وبعض السلوكيّات الخاطئة، بين مجموعات الشباب، من خلال التركيز على العمل الكشفيّ، وتشجيع الانخراط في الأنشطة التطوعيّة.

ـ فتح المجال للمبادرات الشبابيّة الجماعيّة.
ـ ربط الشباب بالمؤسّسات التي ترعى عوائل الشهداء والجرحى، وكذلك الأيتام والفقراء والمسنين، وأصحاب الاحتياجات الخاصّة، والتشجيع على انخراطهم في خدمة هذه الفئات.
ـ التشجيع على الدفاع عن القضايا المحقّة، ومناصرة الفئات الاجتماعيّة المهمّشة، والمستضعفين الذين يتعرّضون للحصار والتجويع.
في المحصّلة لا بدّ من العمل على مساندة الشباب، وتنمية حبّ الاجتماع لديهم، حتى لا ينكفؤوا عن التواصل الحقيقيّ مع العالم الواقعيّ ويستعيضوا عنه بتواصل افتراضيّ لا يُسمن ولا يغني من جوع، تحت وطأة ضعف مهاراتهم في التواصل، وتنامي مخاوفهم من النزول إلى الحياة الواقعيّة، والاصطدام بعقبات وعراقيل تفرضها تعقيدات العلاقات الاجتماعيّة.

------------------------------------
[1]- العلاقات الاجتماعيّة تمثّل الروابط والتفاعلات المتبادلة بين أفراد المجتمع.
[2]- يمكن مراجعة العديد من الدراسات الميدانيّة في هذا المجال، منها دراسة بعنوان «الاتجاهات القيميّة والسلوكيّة للتلامذة الثانويّين»، 2015، مركز أمان للإرشاد السلوكيّ والاجتماعيّ.
[3]-يمكن في هذا السياق مراجعة الأدبيّات العالميّة المتعلّقة بمصطلح الحماية الاجتماعيّة، والحيّز الذي يأخذه من الدراسات والأبحاث والمشاريع الدوليّة.
[4]- ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد، ج4، لا ط، دار صادر، بيروت، لا ت، ص270.
[5]- الأسرة التي تمتد خارج الأم والأب والأخوة، والمكونة من الأجداد والأخوال والأعمام وأبناهما، ما يطلق عليهم الأرحام....
[6]- الأسرة المؤلّفة من الزوجين والأبناء.
[7] - يمكن في هذا المجال الاستعانة بالرصيد الغنيّ من الأحاديث النبويّة الشريفة، وسيرة أهل البيت (ع)، في هذا المجال.
[8]-من فعل أعان.
[9]- نقصد بهم الأسرى وعوائلهم، عوائل الشهداء، الجرحى وعوائلهم، أصحاب الاحتياجات الخاصّة...
[10]- يمكن في هذا المجال مراجعة العديد من المشاريع الدوليّة في عدّة دول عربيّة وإسلاميّة، حول التربية بالأقران، وموجهة العنف من خلال تعزيز العلاقة بالأقران وغيرها...