-----------

فيلم بروميثيوس Prometheus : البحث عن مبدئنا قد يؤدي إلى نهايتنا

{ حيدر الكعبي / محمد علي العسكري }

فيلم بروميثيوس Prometheus : البحث عن مبدئنا قد يؤدي إلى نهايتنا

فيلم Prometheus  هو الفيلم الحادي والعشرون للمخرج البريطاني الشهير ريدلي سكوت Ridley Scott  الذي قدّم سلسلة لها بصمة خاصّة من أفلام هوليوود منذ العام 1979، وقد توّج أعماله بهذا الفيلم في العام 2012.

ترتكز قوّة فيلم «بروميثيوس» على العناصر الفنيّة، كالمؤثرات البصرية فضلًا عن براعة في تصميم الديكورات بشكلٍ مذهل. وكذلك التصوير بتقنيّة الأبعاد الثلاثيّة التي تتميّز بالعمق ودقّة التفاصيل. كما يتميّز الفيلم بقوّة أداء ممثليه. وبذلك صعد فيلم «بروميثيوس” إلى المركز الثاني في قائمة الأفلام التي تحقّق أعلى الإيرادات في دور السينما الأميركية. وقد فاقت إيراداته العالمية الإجمالية 300 ميلون دولار، مع أنّ تكاليف إنتاجه بلغت 130 مليون دولار فقط.

يجمع فيلم “بروميثيوس” بين الخيال العلمي والمغامرات. تتمحور أحداثُه حول بعثةٍ علميّة على متن مركبة فضائيّة، يستقلّها فريقٌ من العلماء إلى أعماق الفضاء الخارجيّ، بحثًا عن الخالق، وعن أصل وجود البشر. وبالتحديد للإجابة عن الأسئلة الثلاثة التي صرّح بها مموّل البعثة العلمية (بيتر ويلاند) إذ يقول:

من أين جئنا؟

ما هو هدف وجودنا؟

ماذا يحدث بعد مماتنا؟ [1]

المشهدُ الأوّل يعود بالمشاهد إلى ما قبل وجود الحياة على الأرض. ويظهر فيه أحد «المهندسين» وهو ينزلُ إلى الأرض ويقف على حافّةِ نهرٍ كبير. فيتناولُ شيئًا يحوّل جسدَه إلى ذرّات تمتزجُ بالماء. وتلك الذرات ستتطوّر لتكوّن الكائنات الحيّة فيما بعد. في مشهد يجسّد أول ظهور للحياة على الأرض.

ثمّ تبدأ قصّة هذا الفيلم في المستقبل عام 2089، حين يكتشف عالما الآثار (إليزابيت شو) و(تشارلي هولواي) رسومًا جداريّة قديمة داخل كهفٍ من العصور الغابرة، تشتملُ على خريطةٍ للنجوم. ويستنتجان منها ومن مجموعةٍ أخرى من آثار الحضارات القديمة (الفرعونية والبابلية والسومرية وحضارة المايا)، أنّ للبشر خالقين يُدعَون باسم «المهندسين» يقطنون في أحد الكواكب التي تقع في أعماق الكون السحيق، وكان هذا الاكتشاف بمثابة فرصة ذهبيّة لمعرفة أصل خلق البشر [2].

إلى ذلك يتكفّل (بيتر ويلاند) مدير شركة «ويلاند» ببناء مركبة فضائيّة استكشافية اسمها «بروميثيوس» [3]، لتتبع ما ورد في خريطة النجوم الأثريّة للعثور على خالق البشر، ومعرفة أسباب خلقه لهم ومصيرهم بعد الموت.

وعلى الرغم من أنّ الفيلم يحشد العديد من الأفكار المتعلّقة بالأديان ابتداءً من الميثولوجيا اليونانية وتعدّد الآلهة، مرورًا بنظريّة داروين للتطور، إلا أنّ الفكرة الأساسيّة التي تمّ التركيز عليها تتعلّق بفلسفة الإلحاد الأيديولوجي الذي لا يجد فائدةً من الإيمان بالربّ. بل على العكس من ذلك، إذ من الممكن أن تكون نتائج البحث عنه والإيمان به سلبيّة جدًا، وهي الفكرة التي تعبّر عنها تمامًا الجملة الأساسيّة التي تصدّرت البوست الدعائي للفيلم إذ تقول: «البحث عن مبدئنا قد يؤدي إلى نهايتنا».

فبعد سلسلة من الأحداث والتطورات المثيرة والغريبة، يلتقي فريق العلماء أخيرًا بـ «المهندسين»، ويتبيّن بأنّ لقاءهم هذا لم يثمر إلا عن خيبةِ أملٍ شديدة، فهؤلاء المهندسون الذين يُفترض أنّهم كانوا سببًا مباشرًا لخلق البشر على الأرض، لم يعلنوا عن أيّ سببٍ واضحٍ للهدف من خلق الإنسان. بل إنهم أظهروا عداوًة بدائيّةً تجاه البشر، تدفعهم إلى محاولةِ إبادتِهم من دون نقاش.

بذلك يرسّخ الفيلم فكرة أنّ الخالق نفسَه لم تكن له غاية عُقَلائيّة من خلقِه للبشر، وإنّما خَلَقَهم لمجرّد قدرتِه على ذلك. وذلك بالفعل ما يعكسُه الحوارُ الذي يدور بين رجل آليٍّ متطوّر الذكاء الاصطناعيّ، وبين الدكتور (هولواي)، وهو أحد العلماء الذين سافروا في الرحلة الاستكشافية، والآتي نص الحوار:

هولواي: هل تعتقد بأنّ قدومنا إلى هنا كان مضيعةً للوقت؟

الرجل الآلي: سؤالُك يعتمدُ على فهم ما تأمَلون إحرازَه من المجيء إلى هنا.

هولواي: ما كنّا نأمل إحرازه هو مقابلة خالقينا، وأنّ نحصل على جوابٍ لسؤال: لماذا خلقونا أصلًا.

الرجل الآلي: لماذا تظنُّ بأنّ قومَك صنعوني؟

هولواي: صنعناك لأنّنا استطعنا ذلك.

الرجل الآلي: هل بوسعِك أن تتخيل مدى خيبتِك عندما تسمعُ نفس الجواب من خالقِك؟

هولواي: أعتقد أنه من حسنِ ظنِّك بأنك لا تعرف خيبة الأمل، صحيح؟

الرجل الآلي: نعم إنه أمر رائع في الواقع.

خلاصة القول:

يتضح أن رسالة الفيلم قائمةٌ على فلسفةِ الإلحاد الأيديولوجي. فبقطع النظر عن وجود إله أو عدم وجوده في هذا الكون ، فإن الإيمان به لا ينفع بشيء. لأنه خلق هذا الكون من دون هدف واضح. وعلى البشر أن يكفوا عن البحث عنه وعن شريعتِه، لأن ذلك لن يجعل حياتَهم أفضل، بل ربّما يجعلُها أسوأ.

تعبيرٌ واضحٌ عن الشعور بالسخط تجاه الربّ لكونه يتعامل بقسوةٍ مع خلقه، إذ يسمح بتعرّضهم للماعاناة من الشرور التي يتعرّضون لها في هذه الحياة. وهو ما يعدّه الفكر الغربي دليلًا صارخًا على تصرفات الربّ العابثة وغير المسؤولة تجاه ما خلق.

----------------------

حيدر محمد الكعبي : باحث اعلامي - العراق

[1] هذه المقولات تناظر تمامًا المقولات الواردة في التراث الإسلامي، وبالتحديد مقولة: «رحم الله امرأً عرف من أين وفي أين وإلى أين».

[2] وضع الكاتب السويسري «إريك دانكن» صاحب كتابي «عربات الآلهة» و»العودة إلى النجوم»، فرضيّة مفادها أن كاثنات كونيّة قد زارت الأرض في أزمنة عابرة، وأثرت على الثقافة الأوليّة للجنس البشري. ودليله على ذلك أنّ بناء هياكل ضخمة مثل الأهرامات وتماثيل جزيرة القيامة هي من الضخامة بشكل لا يمكن لشعوب تلك الأزمنة القيام بها، وكذلك العديد من الأعمال الفنية القديمة التي تصوّر الفضائيين وتقنيات معقدة لم تملكها البشرية في ذلك الزمان. ويرى دانكن أن تلك المرئيات أثرت في المحكيات الدينية وأسهمت في وضع الأسس والشعائر، وخاصة في التواراة.

[3] اسم مأخوذ من الأساطير اليونانيّة القديمة. وهو اسم الربّ المطرود من جبل الأولمب الذي تسكنه آلهة اليونان. ويعني اسمه «بعيد النظر» وهو قادر على التبؤ بالمستقبل.