-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : عقبات على طريق المودة

الباحث :  بتول شاهين
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - صيف 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 4 / 2019
عدد زيارات البحث :  376
خطوبة زفاف، فرحة تغمر الجميع... ما هي إلا مدّة قصيرة حتى نبدأ بسماع الشكاوى بين الأزواج وخاصّة من الشباب الذين يلجأون في كثيرٍ من الأحيان إلى الطلاق. حيث بيّنت بعض الدراسات الميدانيّة أنّ النسبة الأعلى من الطلاقات تقع في السنوات الخمس الأولى للزواج[1].

 فما هي الأسباب المؤدّية لذلك؟ وما هي سُبُل حلّها؟
يُعدّ الزواج الرابطة المقدّسة التي تنادي بها الفطرة والشريعة معاً، لحفظ النوع البشريّ وتكاثره، وعمارة الأرض وازدهار الحياة، وهو يجسّد أنبل صور التواصل والترابط والاندماج الروحيّ والنفسيّ، وأجلى مظاهر الشراكة والتعاون لمواجهة مصاعب الحياة، وتفادي المشكلات النفسيّة التي تعيق الفرد من التكامل والعطاء.
وقد اعتبر الإسلام الزواج أمراً إيجابياً وكمالاً للإنسان، حيث ورد عن الرسول الأكرم s: «ما بُني بناءٌ في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ وجل من التزويج»[2]. لكن -وللأسف- يُلاحظ وجود عديد من المشكلات بين الزوجين التي تحول دون الوصول إلى السعادة المراد تحقيقها من هذا الزواج في الدنيا والآخرة.

فكيف يمكن تحقيق أهداف الزواج، وما سبب المشكلات المؤدّية إلى ضياع هذه الأهداف؟
أولاً: الزواج في الإسلام عقدٌ تحكمه الأخلاق
الزواج في الإسلام مبنيّ على عقد اسمه «عقد زواج»، وبمجرّد أن يتمّ هذا العقد بين رجل وامرأة، فهذا يعني أنّ ثمّة مجموعة من الحقوق والواجبات قد ترتّبت على كلٍّ منهما، أي أنّهما قد وافقا على نمط من العلاقة، وعلى مجموعة من الضوابط، وذلك بمجرّد الموافقة على عقد الزوجيّة. يقول الله تعالى: Nوَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَM [3] .
 وعند مطالعة النصوص الدينيّة التي تتحدّث عن الزواج، يتبيّن بشكل واضح أنّ الله -تعالى- لا يريد للحياة الزوجيّة أن تُبنى على أساس قوانين إلزاميّة، فالتعامل القانونيّ لا يحقّق السعادة المبتغاة من الزواج، بل إنّ ما يحقّقها هو ذلك العطاء الذاتيّ والأخلاق الحسنة بين الزوجين[4].

ثانياً: مفاتيح السعادة الزوجيّة
وضع الإسلام السعادة الزوجيّة في ثلاثة مفاتيح رئيسة، هي:
ـ السكن: يُعتبر الزواج عاملاً لإيجاد الطمأنينة لدى الرجل والمرأة، فهما يشكّلان معاً وجوداً متكاملاً؛ إذ يستند كلٌّ منهما إلى شريكه، فالمرأة هي موطن سكن الرجل، وهو موطن سكنها.
ـ المودّة: وهي إظهار المحبّة، والمحبّة هي الميل النفسيّ الّذي يشكّل قاعدةً أساسيّة للتفاهم والانسجام. وهذه المودّة ينبغي أن تُترجم وتظهر من خلال الأعمال.
ـ الرحمة: لا بدّ أن تظهر في الأعمال على شكل عطاء لا ينتظر مقابلاً[5]، وقد ورد عن الرسول الأكرم s: «اتّقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة، فإنّ خياركم خياركم لأهله»[6].

ثالثاً: المداخل الرئيسة للمشكلات بين الزوجين
أظهرت الدراسة الميدانيّة التي قامت بها جمعيّة أمان، أنّ أسباب الطلاق كثيرة ومتعدّدة، ونادراً ما يوجد سبب واحد لحدوث الطلاق، بل يكون نتيجة عوامل عديدة تتفاعل وتتراكم لفترة من الزمن قبل الوصول إلى حالة الطلاق، وتنتج أسباباً متشابكة ومتداخلة يصعب الفصل بينها.
وقد جاء على رأس أسباب الطلاق عدم التفاهم وعدم الانسجام بين الطرفين، كما ذكر معظم المطلِّقون والمطلَّقات أنّ خلافاتهم بدأت في السنوات الثلاث الأولى من الزواج.
ويمكن تحديد المداخل الرئيسة للمشكلات بين الزوجين في الآتي:
ـ الجهل بالاختلافات بين الجنسين.
ـ الجهل بقيمة الحياة الأسريّة.
ـ تفشّي النزعة الفرديّة.
ـ الغفلة عن الحياة الآخرة.
وفي ما يلي نعرض كلّاً من هذه الأسباب التي تساعدنا في تخطّي كثير من العوائق التي تحول دون تحقيق السعادة الزوجيّة.

1 - الجهل بالاختلافات بين الجنسين
في كثير من الأحيان تبدأ المشكلات بين الزوجين بسبب الاختلاف الفيزيولوجيّ والنفسيّ بينهما، فكلٌّ يفسّر الحادثة التي تحصل طبقاً لمنطلقاته النفسيّة والفيزيولوجيّة، والأسلوب التربويّ الذي تلقّى من خلاله مفاهيم الحياة في إطار الأسرة.
وفي ظلّ التقدّم العلميّ فقد أصبح التفاوت بين المرأة والرجل محدّداً وواضحاً، وذلك اعتماداً على الملاحظة والتجربة والإحصاء والدراسة الميدانيّة، ونذكر مجموعة من الاختلافات القائمة:

من الزاوية الجسميّة:
* الرجل بشكل عامّ ضخم البنية، والمرأة ليست كذلك.
* الرجل أخشن والمرأة ألطف، صوت الرجل أضخم وأكثر خشونة وصوت المرأة ألطف وأكثر نعومة.
* متوسّط حجم دماغ الرجل أكبر من متوسّط دماغ المرأة، مع أخذ نسبة الدماغ إلى مجموع البدن بعين الاعتبار.

من الزاوية النفسيّة:
* إحساسات الرجل معارضة وحربيّة، وإحساسات المرأة سلمية.
* المرأة أكثر حيطة من الرجل، وأكثر خوفاً.
* عواطف المرأة أموميّة، ويظهر هذا الإحساس منذ مرحلة الطفولة. وللمرأة علاقة أكبر بالأسرة، وهي تلتفت بشكل غير شعوريّ لأهميّة محيط الأسرة قبل الرجل[7].
ومن المهم أن نُلفت إلى أنّ ما ذُكر من فروقات لا تعدّ عيوباً على الإطلاق، بل هي مميزات اقتضتها فلسفة الوجود الإنسانيّ.

2 - الجهل بقيمة الحياة الأسريّة
من المهم أن يضع الشباب نصب أعينهم أنّ قيمة الحياة الأسريّة تكمن في تحقيق الاطمئنان الداخليّ لأفرادها، وبناء المجتمع السليم من خلال بناء الإنسان الصالح.

3 - تفشّي النزعة الفرديّة
لا بدّ أن تقوم الحياة الزوجيّة على مبدأ أساس بعيداً كلّ البعد عن الفردانيّة ألا وهو: «الشراكة»، فالشراكة الناجحة تتطلّب استعدادًا من كلا الطرفين لتقديم التنازل تجاه الآخر، وذلك في سبيل إنجاح هذه المؤسّسة.
وحيث إنّ الأمور تجري بأسبابها، فإنّ زرع أسباب المودّة والرّحمة هي مسؤوليّة الزوجين معاً، فلا ينتظرا أن تنزل عليهما المحبّة من السماء، فلا بدّ لكلا الزوجين من السعي لبناء الأسرة التي يريدها الإسلام.

4 - الغفلة عن الحياة الآخرة
من المهم أن يضع الشباب المتزوّجون نصب أعينهم أنّ كلّ ما يفعلونه من أجل استمراريّة الأسرة في فضاء من المودّة والرحمة، هو من مسؤوليّتهم، فالدنيا هي مزرعة الآخرة.

رابعاً: سبل الحلول المقترحة
ـ إيلاء مرحلة الخطوبة أهمّيّة كبيرة، والحرص على التواصل والتفاهم على العديد من النقاط، وأن يبيّن كلّ طرف آراءه ومواقفه وشخصيّته على طبيعتها، دون أيّ أقنعة، حتى لا يتفاجأ أحد الشريكين بعد الزواج بشخصيّة الآخر أو بمواقفه.
ـ المشاركة في دورات خاصّة بالمقبلين على الزواج، تتضمّن المعلومات والمهارات التي يحتاجها الشريكان لحياة زوجيّة سعيدة.
ـ أن يهتم كلّ شريك بواجباته تجاه الطرف الآخر، ولا يصبّ تركيزه على ما يجب أن يقوم به الآخر تجاهه فقط.
ـ عند بداية حدوث المشاكل يجب عدم إهمالها، بل ينبغي تدارك تفاقمها من خلال التواصل بين الشريكين، وتحديد أسباب سوء الفهم، وإيجاد الحلول المناسبة التي يرضى عنها الله سبحانه وتعالى.
ـ في حال تفاقم المشاكل، يجب أن لا يتردّد الشريكان في طلب الاستشارة من المتخصّصين في المجال الأسريّ.
أن يكون هدف كلّ شريك إسعاد الطرف الآخر، وتأمين جوّ أسريّ آمن تسوده المودّة والرحمة، ليكون البيئة الخصبة لبناء الإنسان الصالح.
أخيراً، إنّ وعي الزوجين، عامل رئيسيّ في إيجاد الحلّ المناسب لمشاكلهم ضمن الخيارات المتوافرة، بحيث يتمّ من خلاله مراعاة مصلحتهم ومصلحة أبنائهم.

----------------------------------
[1]- دراسة ميدانيّة أعدّتها جمعية أمان للإرشاد السلوكيّ والاجتماعيّ حول واقع الطلاق في المجتمع اللبنانيّ بين عامي 2000 و 2010م.   
[2]- النوريّ، حسين: مستدرك الوسائل، ط2، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت، 1408ه، ج14، ص: 152.  
[3]- سورة الروم، الآية: 21.
[4]- يراجع: بركات، أكرم: 3 حقوق لحياة زوجيّة ناجحة، ط5، بيت السراج للثقافة والنشر، بيروت، 2012م، ص: 7. 
[5]- يراجع: مركز نون للتأليف والترجمة، الزواج الناجح، ط1، بيروت،  2013م، ص: 35.
[6]- المجلسيّ، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1403هـ،
ج 76، ص: 268
[7]- مركز نون للتأليف والترجمة، الزواج الناجح، (م.س)، ص: 37.