-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مصطلح ومعنى : الليبرالية Liberalism

الباحث :  الأستاذ عبد البر العلمي
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  4
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 13 / 2019
عدد زيارات البحث :  426
الليبراليّة   فلسفة سياسيّة  تأسّست على أفكار الحريّة والمساواة، تتبنّى مجموعة واسعة من الآراء تبعاً لفهم هذين المبدأين، وتدعم - بصفة عامّة - أفكاراً مثل: حرّيّة التعبير، وحرّيّة الصحافة، والحرّيّة الدينيّة، والسوق الحر، والحقوق المدنيّة، والمجتمعات الديمقراطيّة، ومبدأ الأمميّة... وغيرها.

إنّ للفكر الليبراليّ خطورة على المجتمعات، ولا سيّما أنّه فكر يركّز على العلاقات بين الأفراد، أو العلاقة بين الرجل والمرأة، أو أطروحاتها حول العائلة والتعليم وتربية الطفل، والعلاقات الجنسيّة داخل الجنس الواحد، هذه القضايا يقدّمها الفكر الليبراليّ تحت راية الحداثة والعصريّة والتقدّم، أو راية حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل. في هذا المقال نتوقّف مع المفكر «منير شفيق» وقراءته لموضوع الليبراليّة.
يرى المفكر «منير شفيق» أنّ نقطة قوّة الظاهرة في تأسيس شعارتها تكمن فيما توجهه للفكر السياسيّ المحافظ، وللتقاليد الاجتماعيّة، والقيم الدينيّة المطبّقة في حياة الناس، مثل: نقد التمييز العنصريّ أو التمييز ضدّ الأقليّات أو مظاهر استبداد الرجل في العائلة، أو مظاهر النفاق الاجتماعيّ والازدواجيّة في المعايير الأخلاقيّة، لكنّ موضوع اضطهاد المرأة ينال «حيّزاً واسعاً في النقد الليبراليّ للفكر المحافظ، أو للتقاليد الاجتماعيّة، أو للقيم الدينيّة المطبّقة واقعيّاً، وتقدِّم ذلك كلّه باعتباره تقييداً للعقل وتكبيلاً للفرد وانتهاكاً لحقوق الإنسان وجموداً أمام التطور. ومن ثمّ تقدم الليبراليّة نفسها بوصفها حركة تحرّريّة؛ تحرّر الفرد والعقل والإنسان والمجتمع، وتمثّل الحداثة والعصرنة والتقدّم والمستقبل».

فهل الليبراليّة بهذه الصورة البرّاقة؟
إنّ المدرسة الليبراليّة التي تتّسم بما تقدم، لا يمكن اعتبار مشروعها خطوة نحو التقدّم أو المعاصرة، فهي بتعبير «منير شفيق» ليست حركة تجديديّة؛ لأنّها في قطيعة مع الماضي، تحاول طيّ كلّ الصفحات (كلّ التجارب التاريخيّة والمرجعيّات الدينيّة) لتخطّ على صفحة بيضاء تجربة فرديّة أو اجتماعيّة لا علاقة لها بتلك الصفحات سوى الموقف النقديّ التهديميّ العدائيّ. يقول «منير شفيق»: «إنّ النهج الليبراليّ لا يحترم التاريخ ولا التجربة الإنسانيّة، ولا يتأمّل جيّداً بالأسباب والعوامل العميقة التي سمحت لقيم ما، سواء أكانت دينيّة أم اجتماعيّة تقليديّة، أن تعيش وتستمر مئات وآلاف السنين، وتصمد أمام امتحان الحياة في مختلف تبدّلات الظروف. إنّ ما يهمّ النهج الليبراليّ أن يلتقط السلبيّات المتفاقمة في ظلّ هذه القيم في التطبيق العمليّ، لكي يُصار إلى نتيجة تطالب بالتخلّي عنها تماماً وإعدامها والانتقال فوراً إلى الطرف البعيد المقابل ليطرح بديلاً. أي ثمّة انفصام هنا بين النقد والمشروع. فالمشروع قام على السلب ولم يبن إيجاباً من خلال النقد، ولم يأت من خلال مقدّمات تسمح بالوصول إليه سوى إعدام النقيض. فالمقترح الليبراليّ يأتي قفزة في الهواء، أو يهبط من تأمّل عقليّ بحت»[1]. هكذا يكون النهج الليبراليّ من دون أساس، بل أساسه الوحيد ضرب القيم المبنيّة على أسس دينيّة وتاريخيّة حضاريّة.
فلو أخذنا موقفها من العائلة مثلاً، سنجد حسب «منير شفيق» أنّه بإمكان الليبراليّة أن توجّه النقد القويّ لعدد من السلبيّات، سواء أكان من ناحية علاقة الرجل بالمرأة أو علاقات الأب بالأبناء والبنات، فتبرز حالات اضطهاد الرجل للمرأة أو استبداده بأبنائه وبناته، أو تضخّم حالات النفاق والخيانات الزوجيّة أو حالات المآسي الفرديّة حين يقع الحبّ خارج مؤسسة العائلة أو خارج التقاليد والقيم السائدة. «وبهذه الحصيلة يقفز الفكر الليبراليّ إلى رفض مؤسسة الزواج والعائلة من حيث أتى، ومن ثمّ الدعوة إلى علاقات حرّة تتشكّل وتنفرط بلا قيود وأنظمة وقيم محدّدة، وبلا التزامات نحو الأطفال. فالليبراليّة من جهة اعتمدت على نظرة أحاديّة الجانب لحالة العائلة، ولم تدرس موضوع العائلة من كلّ جوانبه. بل لم تلحظ علاقة تلك السلبيّات بالوضع الاجتماعيّ العامّ»[2].

وهنا يرى «منير شفيق» أنّ الليبراليّة لم تلحظ أنّ الإنسانيّة لم تحافظ على هذه المؤسّسة عبثاً آلاف السنين، وفي مختلف القارات عموماً، ولا سيّما في المجتمعات المتحضّرة، بما فيها تلك التي لم تعرف ديناً سماويّاً. فيقول: «لم تتأمّل بالعمق الكافي الوظيفة المتعدّدة الجوانب التي تلعبها هذه المؤسّسة في حياة الأفراد والمجتمع وبناء الأجيال القادمة، سواء أكان من جهة تحقيق الدرجة الضروريّة من الاستقرار والاستمراريّة، ومن التنظيم والانسجام والتعاون والتماسك الاجتماعيّ، أم كان من جهة تحقيق الصمود أمام مصاعب الحياة في ظروف السلم والحرب والكوارث والهزائم، أم من جهة ضرورتها في بناء أجيال متوازنة تمتلك خبرة الأجيال السابقة وقيمها السامية»[3].
إنّ مشروع الليبراليّة لم يكن نتيجة دراسة وتحقيقات تثبت أنّ إقامة المجتمع بلا مؤسّسة العائلة، وبعلاقات حرّة من كلّ قيد قد يؤدّي إلى نتائج أفضل أو يحقّق السلام للإنسان أو السعادة والأمن، كما ينتج مجتمعاً أقوى أو أكثر صحة وعافية. وبهذا «تكون الليبراليّة قد اتسمت بالخفّة والطيش والارتجاليّة في تعاملها ومسألة العائليّة، ليس من جهة عدم التقاط وظيفتها وأهدافها فحسب، وإنما أيضاً في طريقة تحليل أسباب السلبيّات والأخطر في الاستنتاج بتدميرها واقتراح بدائل مرتــــجلة لم تمتحنها الحياة»[4].
وقد سارت الليبراليّة على النهج نفسه في تناول أشكال الجريمة والعقاب، ففي نقدها للعقوبات المشدّدة أو للشدّة في التعامل مع المجرمين لم تأخذ بعين الاعتبار أشكال ضحايا الإجرام. فالضحيّة في التفكير الليبراليّ «ليست موضوعَ بحث، إنّما المشكل هو المجرم وعقوبته ومعاملته، كما لم تتنبه أنّ التشدّد في العقوبة عبر التجربة التاريخيّة الإنسانيّة، أو عبر الحدود التي تتضمنها الشريعة الإسلاميّة، لم يأت من مشاعر القسوة أو حبّ الانتقام، أو من عدم الاكتراث بحقوق الإنســـــــــــان، وإنّــــــــــما جـــــاءت أساساً من حرص على الحدّ من الجريمة، والحرص على الأبرياء وعلى المجتمع بل على المجرم نفسه، وقد أثبتت الوقائع المعاصرة أنّ الأخذ بالرأي الليبراليّ في التعاطي مع المجرمين لم يصلحهم، ولم يساعدهم، ولم يقلّل من حجم الإجرام، بل ربّما كان العكس هو الصحيح، فالتشدّد يهدف أولاً إلى إنقاذ الضحايا الأبرياء المحتملين، كما يردع بعض المجرمين المحتملين، وبهذا ينقذهم»[5]. وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الأشخاص قد ينظر إلى التشدّد من منطلق سلبيّ مبنيّ على العسر وهذا غير صحيح البتة، فالتشدّد هنا معناه إيجابي يتضمّن الحفاظ على السير العام.
وهنا يرى «منير شفيق» أنّ الخطورة في الفكر الليبراليّ تكمن في تقديمه لأفكاره بشكل مرتجل، مع عدم مبالاته بالنتائج؛ فهو مستعدّ، مثلاً أن يتعايش في مجال التعليم مع انخفاض مستويات التعليم، وحتى مع الجريمة المنظّمة داخل المدارس، ومستعدّ أن يتعايش مع ازدياد نسب الجرائم وتعاطي المخدّرات واللامبالاة والتفسّخ والأمراض وانتشار العنف بين الناشئة. وهو مستعدّ أن يتعايش مع كلّ المآسي التي راحت ضحيتها الملايين من الفتيات والنساء وأطفالهنّ نتيجة الانهيارات في مؤسّسة الزواج، وسيادة الأفكار الليبراليّة في العلاقة بين الجنسين، ومن ثمّ فهو غير معنيٍّ بالنتائج النهائيّة حين يصبح المشروع الليبراليّ هو السائد على المستوى العامّ. وبهذا «تكون الليبراليّة التي تقطع مع الدين والتاريخ والتجربة الإنسانيّة المتراكمة تقود إلى تجريبيّة خطرة تتعامل مع الفرد والمجتمع والإنسانيّة باعتبارهم مختبراً للتجارب. الأمر الذي يولّد بالضرورة (... ...) مآسٍ وكوارثَ قد لا يكون علاجها إذا تفاقمت ممكناً»[6].

أمام هذه الصورة العامّة عن الليبراليّة يوصي «منير شفيق» بأنّه لا يجوز أن يترك لليبراليّة نقد العنصريّة والتمييز ضد الأقليّات أو الدفاع عن مصالح الفقراء أو نقد المظالم التي تتعرض لها المرأة أو إساءة معاملة الأطفال، لأنّ الليبراليّة تتخذ من هذه السلبيّات مرتكزات لا لمعالجتها، وإنّما لاقتراح مشروعها الذي يؤدّي في التطبيق العمليّ إلى مفاقمة العنصريّة والتمييز والفقر والمظالم التي تتعرّض لها المرأة والإساءة للأطفال والأجيال الصاعدة. وينبغي معالجة هذه الأمور في سياقها الخاصّ الذي يراعي الخصوصيّة الــــــدينيّة الحضاريّة، وبـــذلك يــتمّ الوقوف في وجه المــــدّ الليــــــــبراليّ.

جملة القول إنّ الفكر الليبراليّ هو فكرٌ هشٌّ لا أساس له سوى تلك الشعارات البرّاقة التي سرعان ما ينكشف وجهها الخطير. وعلى الرغم من وجود أتباع لهذا الفكر نتيجة مشكلة الأمّيّة في كثير من الأقطار، ووجود أقلام لديها عقدة مع الدين والهويّة الإسلاميّة الضاربة في عمق التاريخ، تحاول جاهدة نشر الفكر الليبراليّ في أوساطها، لكن ما بُني على باطل فهو باطل، وهذا هو حال الفكر الليبراليّ.

--------------------------------
[1]- في الحداثة والخطاب الحداثيّ، منير شفيق، ص: 123 
[2]- (م.ن)، ص: 123 - 124  .
[3]- (م.ن)، ص: 124.
[4]- في الحداثة والخطاب الحداثيّ، منير شفيق، ص: 125.
[5]- (م.ن)، ص: 126.
[6]- في الحداثة والخطاب الحداثيّ، منير شفيق، ص: 126.