-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحياة الطيبة : العمل وحسن التدبير، قوام الحياة الرغيدة

الباحث :  عمار محمد الحموي
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  4
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 13 / 2019
عدد زيارات البحث :  556
العمل وحُسن التَّدبيرِ قوام الحياة الرغيدة .
التدبير هو التفكير بعاقبة الأمور، وإمعان النظر، والتحسّب لما سيكون، وأن يُدبِّر الإنسان أمره هو: أن ينظر إلى ما تَؤول إليه عاقبته وآخرته. والتدبير هو الإتيان بالشيء عقيب الشيء، ويُراد به: ترتيب الأشياء المتعدّدة المختلفة، ونظمها، بوضع كلّ شيءٍ في موضعه الخاصّ به، بحيث يلحق بكلٍّ منها ما يُقصَد به من الغرض والفائدة، ولا يختلّ الحال بتلاشي الأصل وتفاسد الأجزاء وتزاحمها...، ويكون التدبير في موارد عدة، منها، تدبير البيت؛ وهو: تنظيم الحياة المنزليّة على الصعيد الماليّ والمادّي. يُقال: دبَّرَ أمر البيت، أي نظَّمَ أموره، والتصرّفات العائدة إليه، بما يؤدّي إلى صلاح شأنه، وتمتّع أهله بالمطلوب من فوائده.

أهميّة التدبير:
لا يختلف اثنان في أنّ تدبير شؤون الحياة يُعدّ من الأمور الهامّة لكلّ إنسانٍ. وبالطبع، فإنّ هذا الأمر مرهونٌ بالاستعانة بما أنعم الله علينا من قوى إدراكيّة. وما أحوج المجتمعات البشريّة اليوم إلى للعمل بالتشريعات المُطَابِقَة للفطرة التي فطر الله النّاس عليها؛ باعتبار أنّها تكفّلت بوضع برنامج شامل ومتكامل يهدي الإنسان إلى السعادة المنشودة في الدّنيا والآخرة؛ لأنّها تتناول جميع جوانب الحياة المادّيّة والمعنويّة، للفرد والمجتمع على حدٍّ سواء.
ومن الطبيعيّ أنّ الإنسان في بادئ الأمر بحاجةٍ ماسّةٍ إلى معرفة الدّين، وإدراك مفاهيمه، فالذي لا دين له لا حياة له. ومن هنا، ينبغي عليه المثابرة،لتنظيم شؤون معيشته، بحُسن التقدير، ثمّ بعد ذلك لا بدّ له من الصبر وتحمّل المصاعب التي تعترض طريقه. وقد ورد في احديث عن الإمام جعفر الصادق8 قوله: «لا يَصلُحُ المؤمنُ إلا على ثَلاثِ خِصالٍ: التَّفقُّهِ في الدِّينِ، وحُسنِ التَّقديرِ في المعيشةِ، والصَّبرِ على النّائبَةِ»[1].

النَّظم والانضباط كاستراتيجيّة للحياة
خلق الله عزّ وجلّ هذا الكون على أساس منظّم، فوضع كل شيء في موضعه وجعل له مهمّة عليه أن يؤدّيها في هذه الدنيا. ومما لا شكّ فيه إنّ النظم والانضباط يُعدَّان من أهمّ استراتيجيّات التدبير في المعيشة، وهذه الاستراتيجيّة تعني: «ترتيب مناهج الحياة وتنظيمها»، بحيث يُؤدَّى كلُّ عملٍ في الزمان والمكان المناسبين، على أن لا يمنع هذا الأداء عملاً آخر أو يزاحمه. فالمدير والمدبّر الكفء هو الذي يراعي النظم والانضباط في عمله، ولا يُوكِل عمل اليوم إلى غدٍ؛ لأنّ الإنسان العاقل يؤمن بأنّ كلّ يومٍ يتطلّب عملاً خاصّاً به.  جاء في موعظةً للقمان الحكيم ، يقول فيها: «إِعْلَم أَنَّكَ سَتُسأَلُ غَدَاً إَذا وَقَفتَ بَينَ يَدَي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَن أربعٍ: شبابِكَ في ما أَبلَيتَهُ، وَعُمرِكَ في ما أَفنيتَهُ، وَمالِكَ مِمّا اكتَسبتَهُ وَفي ما أَنفَقتَهُ, فَتَأَهَّبْ لِذلِكَ، وَأَعِدَّ لَهُ جَوابَاً»[2].
ولا شكّ في أنّ نظمَ المدير وانضباطه يوجبان عليه أن يدبّر الأمور بطريقةٍ صحيحةٍ يمكنه معها الوفاء بالتزاماته في أوقاتها المحدّدة، من دون أن يخلف وعداً في أيّ عملٍ من أعماله. وبالتالي فهو سيحظى بمكانةٍ اجتماعيّةٍ مرموقةٍ، وسيحفظ مكانة المؤسّسة التي يديرها، ويبقى عزيزاً بين النّاس ومحترماً.  وكذلك، فإنّ النشاطات التي يمارسها الإنسان لتوفير معيشته، والخدمات التي يقدّمها للمجتمع، وتوزيع الأعمال بين أفراد الأسرة الواحدة،كلّها أمورٌ تنطوي تحت مبدأي النظم والانضباط.

العمل وبناء الشخصية
ولا يختلف اثنان في أنّ الجد في العمل والسعي الحثيث يُعدّ من الاستراتيجيّات الأساسيّة في تدبير المعيشة. وهو وسيلة لبناء شخصيّة الإنسان وترسيخ قيم الحياة الإيجابية فيها، وفي الوقت نفسه هو وازعٌ لاكتمال قدراته البدنيّة والعقليّة، ونضوج طاقاته الفطريّة والذاتيّة، وصقل شخصيّة الإنسان في الحياة الدنيا وتشذيبها...، - وحسب قانون الطبيعة- إنّ الحركة والعمل والكبَد(المعاناة) هي أمورٌ ضروريّةٌ في حياة البشر، ولا بدّ لكلّ إنسانٍ من مكابدتها. لذا، يُعدّ الإنسان بذاته ظرفاً للحاجة، وبإمكانه أن يلبّي حاجاته ممّا هو موجودٌ في الطبيعة من ثرواتٍ. وبالتأكيد، فإنّ هذه الثروات ليست مُعدّة على طَبَقٍ من ذهب، بل إنّ استثمارها بحاجةٍ إلى جهدٍ وعملٍ دؤوبٍ، وهذه الضرورة فرضتها قوانين الطبيعة على الإنسان، من أجل أن يتسنّى له الخلاص من الفقر، والحرمان، وكلّ ما من شأنه الإخلال بنظم حياته الفرديّة والاجتماعيّة.
وإنّ تطوّر شخصيّة الإنسان ورقيّ المجتمع مرهونان بالجهد والنشاط، فالمجتمع الذي لا وجود للعمل الحثيث فيه، والمتكاسل الذي لا عمل دؤوب له،لا يشهدان أيّ تطوّرٍ أو رقيٍّ. ومن هذا المنطلق، فإنّ ترك العمل يُعدّ من الأخطاء الفادحة التي تؤدّي إلى الكسل والخمول، وتحول دون نضوج شخصيّة الإنسان وانتعاش المجتمع.

استثمار المال والحياة الرغيدة:
إنّ استثمار الأموال يُعدّ أحد العوامل الأساسيّة في النموّ الاقتصاديّ، وتحقيق الرغد في العيش، وعلى الرغم من ضرورة هذا الأمر، إلا أنّه لا يزال غير متعارفٍ في النشاطات الاقتصاديّة الأُسريّة, إذ أنّ الأُسرة هي المصدر الأساس للاستثمار.
لذا، من الضروريّ السعي في إصلاح برنامج تخصيص الأموال وإنفاقها، بحيث يتمّ اجتناب الإسراف، والتبذير، وهدر الثروات، أو خمودها، وذلك لكي يتمّ تسخير الاستثمار والادّخار في خدمة التطوّر الاقتصاديّ. وهذه الاستراتيجيّة في تدبير المعيشة تؤدّي إلى القضاء على الفقر والحرمان، وتكون ذخراً لا ينضب لأبناء المجتمع. فالمال والثروة - بطبيعة الحال - رصيدٌ للفرد والمجتمع على حدٍّ سواء. وبعبارةٍ أخرى: إنّ المال قَوّامٌ عليهما، فأصل قوّاميّة المال تبيّن لنا أهمّيّة الاستثمار، حتى وإن كانت الثروة بأيدي الناس؛ لأنّ الثروة لو سُخّرت لخدمة المجتمع، وتأمين مصالحه, سوف لا تفقد قوّاميّتها، لكنّها لو ادُّخرت وأصبحت خاملةً, ستفقد هذه القوّاميّة.
وأكّد الدين الإسلاميّ على خاصّية العمل والاستثمار في جميع المجالات الاقتصاديّة التي تخدم المجتمع،كالزراعة، والصناعة، والتعدين، والخدمات العامّة، وما إلى ذلك من نشاطات، إمّا بشكلٍ مباشرٍ، مثل: إصلاح المال، والعمران، والإحياء، وإمّا بشكلٍ غير مباشرٍ، مثل: منع ركود الثروة، وحرمة الإسراف والتبذير، وحرمة إتلاف المال، وترويج مبدأ القناعة، والاقتصاد في استهلاك الأموال.
جاء عن أيّوب بن الحرّ: سمعتُ رجلاً يقولُ لأبي عبد الله8: بلغني أنّ الاقتصاد والتدبير في المعيشة نصف الكسب، فقال أبو عبد الله8: «لا، بَلْ هُو الكَسْبُ كُلُّهُ»[3].
ومن هنا، كان المسؤول اللائق بإدارة شؤون العائلة أو شؤون فئةٍ اجتماعيّةٍ ما، هو الذي يتمكّن من تمهيد الأرضيّة اللازمة، لاستثمار القابليّات والإمكانيّات أفضل استثمارٍ، وذلك عبر تخطيطٍ صحيحٍ، ومنهجيّةٍ مثاليّةٍ، وتنسيقٍ بين كافّة الأعضاء، على مختلف مستوياتهم ومسؤوليّاتهم. كما لا بدّ له من نظم نشاطاته وفعّاليّاته، ووضع كلّ شيءٍ في موضعه، وتأدية ما عليه من تكاليف في وقتها المناسب، حتى يستحق بذلك صفة المدبِّر.

--------------------------------------
[1]- الحراني، ابن شعبة: تحف العقول عن آل الرسول2، لاط، قم المقدّسة، منشورات الشريف الرضيّ، لات، ص263.
[2]- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب ذم الدنيا...، ح20، ص135.
[3]- الطوسي، الأمالي، م. س، ج2، ص458.