-----------

كيف تتغيّر
القيم في المجتمعات؟

إذا ما دقّقنا النظر في كيفيّة تغيّر القيم في المجتمعات، فإنَّنا نتلمَّس عملاً دؤوباً يهيّئ مناخات التغيير، ويتوافر على وسائله المناسبة، في تظافر مدروس ومبرمج للجهود الثقافيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة التي ينتج عنها تسالم المجتمع على القيم الجديدة؛ فالقيم لا تنتج عن تحوّل آليّ بسبب مرور الزمن أو تطوّر المجتمعات، وإنّما تنتج عن خطة وعمل دؤوبين لإحداث التغيير.
ومثالُه التحوّل في الغرب من قيمة طهارة العلاقة الجنسيّة عن طريق الزواج وضوابط المحارم، إلى قيمة سلبيّة بإطلاق العنان للشهوة الجنسيّة؛ تحقيقاً للذّة، وإنشاء الضوابط التي تحمي هذا الاتجاه. فلم يحصل هذا التحوّل بسبب التطوّر الاقتصاديّ أو مرور الزمن، حيث كان للعالم الإسلاميّ حضوره العلميّ المميّز، وتطوّر إمكاناته ومدنيّته، ومع ذلك لم تتغيّر قيمه؛ والسبب يكمن في تظافر جهود المفكّرين والتربويّين والاتجاه العامّ للمحافظة على قيم الإسلام والعمل لها. بينما عملوا في الغرب على التنظير للحرّيّة الفرديّة التي لا يحدّها إلاَّ الإضرار بحريّات الآخرين، وأطلقوا العنان لمراكز الفساد الأخلاقيّ والدعارة، ونظّموا «مهنة» الزنا، وبثّوا البرامج الإباحيّة، وقاموا بحملات إعلاميّة مكثّفة للتأكيد على اللذّة المادّية بلا ضوابط، بوصفها حقّاً مشروعاً من حقوق الإنسان. وقد ساهم رأس المال في الاستثمار في هذا الصدد، وحمى السياسيّون والمشرّعون في المجالس النيابيّة هذا الاتجاه بقوانين؛ ما أوصل إلى حرّيّة المساكنة دون زواج، بل تطوّر الاتجاه الجنسيّ إلى الشذوذ، الذي شرّعته بعض الدول، مثل: بريطانيا وهولندا، وعملوا على ضخّ هذه الأفكار في البرامج التعليميّة؛ ما جعل البيئة الحاضنة محاطة بهذا الاتجاه السلبيّ.

وفي الحقيقة إنّ الأخلاق نتاج التربية، وكذلك القيم؛ حيث يبدأ كلّ شيء من الأسرة، ثمّ المدرسة والمجتمع.

د. أحمد الشامي
أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية