-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تربية : من سيساعدني على فهم اسراري

الباحث :  محمد باقر كجك
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  3
السنة :  السنة الأولى -صيف2018 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 23 / 2018
عدد زيارات البحث :  616
عندما تصبح في بداية مرحلة الشباب، تبدأ نظرتك نحو محبطك تتغيّر. ومع أنّ المجتمعات البشرية تتغيّر في الإجمال، إلا أنّ مسار تغيّرها الثقافي يكون بطيئاً في العادة، لذلك، قد يكون تقييمكَ بأنّ محيطك الاجتماعي يتغيّر، تقييماً غير سليمٍ.
الذي يتغيّر، هو أنت!
أنت أكثر الأشخاص تغيّراً بين كل الذين تعرفهم!
تتغيّر لأنّ عقلك يريد أن يفهم ما حوله، بأجوبةٍ ذكيّةٍ أكثرَ. ويريدُ أن يشاركَ في صناعة الواقع حوله، لا أن يتلقّاه فقط.  وكلنا نعلم، أن «الكبار» حولنا هم على أصنافٍ، بين من سئم البحث من دون نتيجةٍ، وبين من هو مشغولٌ بالبحث عن سبل العيش، وبين من لا يهمّه إلا اتباع الأوامر.. فمن سيهمّه عقلك؟
تتغيّر، لأنّ الحياة بطبعها تدفع فيكَ هورمونات النشاط والبلوغ والقوّة والسّعادة، لكي تُكمل درب الإنسانية.. والهورمونات هذه لغةٌ خاصّةٌ، لا يفهم أسرارها الجميع! فمن سيفهك؟
تتغير، لأنّ لك حاجاتٍ تتولد بعنفٍ، بتدفُّقٍ دائمٍ.. تارةً يضجّ بها جسدُك، وتارةً قلبُك، أو عقلُك، أو روحُك! 
وتارًة أخرى، تجتمع حاجاتٌ متنوعةٌ في لحظةٍ ما وتدفع بك نحو حافة الغربة، الحزن، الوحشة، أو الصدام العنيف مع النّاس.
ولكنْ، الذي لا تعرفه ولا يعرفه أغلب مَنْ حولك، أنّ هذا التغيّر الذي يضجُّ على بساط روحك ووجدانك، هو نعمةٌ ثوريّةٌ إلهيّةٌ، ويبقى أن تعرف أنت هذه الحقيقة، ويعرف النّاس ذلك.
ولكنْ!
ولأسبابٍ كثيرةٍ، قد تجد نفسَكَ، وفي ظروفٍ اجتماعيّةٍ ونفسيّةٍ ما، كقنبلةٍ موقوتةٍ، وحيداً، بين حاجاتٍ تضجّ فيك، وواقعٍ جامدٍ قاسٍ حولك، ومحرّكٍ هادرٍ فيك يريد التغيير... ولكن؟ كيفَ تصل؟ وكيف ستحافظ على توازنك النفسيّ والفكريّ؟ وكيف تأخذ المبادرة؟
قديماً قيل: «ما خاب من استشار»، واستشارة الخبير تحصنّك من السقوط وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لن يهلك امرؤٌ عن مشورةٍ».
وعلى كلِّ حالٍ، فالاستشارة في هذا الزّمن، تعني الرجوع إلى المتخصّص، بين استشارةٍ قانونيّةٍ، وعلميّةٍ، وتقنيّةٍ، ودينيّةٍ، ونفسيّةٍ وهي التي تهمنا هنا بالدرجة الأولى.

فما هي الاستشارة النفسية؟
الاستشارة النفسية Psychological consultaiton:هي العملية التي تتمّ بين مستشارٍ نفسيٍّ «مرشد أو معالج» ومستشير يعاني من قلقٍ واضطرابٍ نفسيٍّ بسيطٍ أو عاديٍّ ولديه بعض المشكلات الانفعالية أو الاجتماعية أو الشخصية التي لا يستطيع مواجهتها والتغلّب عليها وحلّها بمفرده. 
والاستشارة النفسيّة عبارةٌ عن موقفٍ تعليميٍّ في جملته يؤدّي بالمستشير إلى زيادة فهم نفسه وفهم مشكلته وفهم سلوكه وحلِّ مشكلته، وتهدف دائماً إلى تحقيق التوافق النفسيِّ أو زيادة التوافق.
ولا أريد أن أُثقل عليك بنقل التعاريف والتفريعات الخاصة بهذا العلم. ولكن، قلتُ في نفسي أن أشرح لك وجهة نظري في ما يتعلّق بالاستشارة النفسية.
فمن أين أبدأ؟
تخيَّل نفسَك واقعاً في مشكلةٍ مع محيطك من الأصدقاء، تتعلق بالموضة القديمة للثياب التي تلبسها. افرض أنك ابن عائلةٍ كلاسيكيّةٍ في تقاليدها وتراثها وتمسّكها الشديد بالآداب والعادت التي يجري عليها المحيط حولك. 
في الحقيقة، قد يكون الضغط الذي يمارسه عليك أصدقاؤك، يوميّاً، في المشوار والنزهة، أو في المدرسة والثانوية.. وفي الجلسة بعد الصلاة في المسجد.. أو في التعليقات على صورتك في الفيسبوك والانستغرام. سيكون الأمر محرجاً. حينما تريد أن تطلب أمراً من فتاةٍ ربما، وأنت في ثيابك التقليدية، بينما يمر جنبك شابٌّ في آخر موضةٍ من الثياب وتزيين الشعر!
سأقول لك ماذا سيحصل في كلِّ مرّةً تتعرّض فيها لهكذا إحراج، راقب معي المشهد:
في البداية سيدخل مزاح الشباب عنك، إلى داخل عقلك، الذي سيتمّ استفزازه بشكلٍ موجعٍ، ممّا يجعله يرسل مجموعةَ من الأوامر المستعجلة إلى الغدد المتعلقة بالأدرينالين.. فتبدأ تلك بضخّ كمياتٍ كبيرةٍ من الأدرينالين فجأة في الدورة الدموية.. لتشعر أن وجهك قد احمرّ، وانتفخت شرايين رقبتك، وانتابتك فورةٌ من الغضب المكبوت. ثم، عندما لا تجد مكاناً لتفريغ هذه الشحنة.. سيصدر دماغك أمراً مباشراً إلى هرمونات السيروتونين والاندروفين والدوبامين بالاختفاء من شرايينك... فتبدأ بالشعور بإحباط قويٍّ جدّاً يجلس على جهازك العصبي ويضع فيه مهدئاتٍ قويّةً، تجعلك تدخل في حالةٍ من الصمت والكآبة، وعدم الارتياح بالوجود بين النّاس.
وأما وعيك الباطنيّ، فسيبحث عن منفذٍ ينفّس فيه هذا المستوى كلَّه من الضّغط العالي. حسناً، ههنا احتمالاتٌ:
- ستقول في نفسك، أبي هو المسؤول عن كلِّ هذا، فلولا تشدُّدُهُ الدائم في ما يخصّ ثيابي وشكلي.. ولو أنه سمح لي أن ألحق هذه الموضة ببراءة.. لما كنت وقعت في أيِّ إشكالٍ!
- سيـقف وعــــــيك الباطنيّ هنا لحظة، ليقول، ليس الحق على أبي فقط، بل أبي أيضاً هو ضحيّةٌ للمجتمع الذي يضغط عليه. 
- ثم، سيتداعى إلى ذهنك، أن المجتمع ضحية من؟
وهنا ستنفلت الأمور إلى غاياتٍ لا يمكن حصر آثارها. وستجلس أنت في الزاوية، لتفكر: حسناً؟ وماذا سأفعل! فالكلُّ هنا قد أصيبَ بفيروس الترهيب والتخويف.. ومن سيساعدني كي أتخذ الموقف السليم؟ وهل هناك موقفٌ سليمٌ أصلاً!!
الاستشارة لكن بذكاء!
هنا، دعني أَقُلْ لك التالي أيها الحبيب!
بشكل عامٍّ، هذه الدنيا تقوم على مبدأ السببية. كلُّ مسبّبٍ له سببٌ. ومعرفة أسباب الأشياء هي، أحد أهم السّبل التي تساعدك في حل الأمور التي تواجهها.
مثلاً، معرفة الخلل الذي يجعل مجموعةً من الأسلاك الكهربائية تحترق كلَّ مرةٍ، يساعدك على وقف الحريق.
ومعرفة سبب المرض، وسبب التّعب، وسبب الإخفاق الدراسي، وكذلك الخجل الاجتماعي إلخ.
وبيني وبينك، إنّ معـــــرفةَ سبــــب أمرٍ ما، يحتاج إلى عالِمٍ به، خبيرٍ ضليعٍ وحكيمٍ وصادقٍ. إذا سألته عن سببٍ لأمر خطيرٍ، بذل جهده الكامل من أجل تقديم التحليل والمساعدة المطلوبة. فلا يمكن مثلا، أن تسأل طبيباً عن خللٍ ميكانيكيٍّ في الطائرة.
وهكذا، في الأمور التي تجعل قواك النفسيّةَ منهكةً، ومحبطةً، وعديمةَ الفعّالية.. فمن الطبيعي، إذا كانت تهمّك نفسُك (أو فقدت الاهتمام بها مثلاً)، فإلى أين ستلجأ؟
إلى استشارة نفسيّة. 
عند من؟
عند من لديه معرفةٌ بالنفس البشريّة، وأمراضها، وعللها، ونقاط قوّتها وضعفها، ومن في إمكانه أن يأخذ بيدك كيْ تحقّق أهدافاً ساميةً، دون أن يضعك تحت سلطته المعرفية والنفسية. فعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): «مشاورة العاقل الناصح رشدٌ ويمنٌ وتوفيقٌ من الله، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإيّاك والخلاف، فإنّ في ذلك العطب».
عند من يخاف اللهُ، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «شاوِر في أمرك الذين يخشون الله عز وجل».
عند من لديه تجربةٌ حقيقيةٌ في الحياة الاجتماعية، وكذلك في الميادين العلميّة، فعن الإمام علي (عليه السلام): «أفضل من شاورت ذو التجارب».
فإذا كانت الاستشارةُ هامّةً هكذا عند سادة البشرية عليهم السلام، فلا تتمنّع عن الوصول إلى الخبير لتستشيره في نفسك.. وشؤونها. 
فإنّ الوقت يمضي، فاسبق الوقت!