-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

بقعة ضوء : كيف يغير الدين حياتي ؟

الباحث :  سامر توفيق عجمي
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  3
السنة :  السنة الأولى -صيف2018 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 23 / 2018
عدد زيارات البحث :  492
لعلّ أولى أزماتنا في المراهقة، هي عند بوّابة الخروج من الطّفولة. عندما ننمو جسديّاً بنحو نصبح فيه كالرّجال من حيث الحجمُ والشّكلُ...، قبل أن نخرج على المستوى العقليّ من مرحلة الطّفولة. سنقف أمام أنفسنا مضطربين، في حالة ما يُسمّى بـ «اضطراب الهويّة». 

وكذلك الحال، لو انعكس الأمر، لو أنّ مراهقاً نمت مهارات تفكيره وتطورت وظائف دماغه بشكلٍ ملحوظٍ، إلّا أنّه بقي من حيث الجسمُ شبيهاً بالأطفال، فإنّه سيعيش حالةً من الاضطراب، خصوصاً إذا نظر إليه الآخرون بلحاظ جسمه، فسيفقد الشعور منهم بتقديره انطلاقاً من تعاملهم معه على أساس شكله لا وزن دماغه.

فالتوافق بين أضلاع مربع الشّخصيّة (العقلي – النفسي – السلوكي – الجسدي) والنّموّ المتوازن لها هو الذي يجعل المراهق يعيش حالةً من الشّعور بالاستقرار والسعادة مقابل اضطراب الهويّة. 

لكن، يبقى السؤال: ما الذي يؤمِّن هذا النّموّ المتوازن في بناء مربّع الشّخصيّة؟

الجواب: إنه الدِّين. نعم، الدين هو الذي يقوم بإيجاد حالة التوافق والنمو المتوازن في أبعاد شخصيّتنا.

كيف ذلك؟

عندما ندخل في مرحلة المراهقة، ينضج دماغنا، ويتبلور التفكير التجريدي عندنا، فبعد أن كنا كأطفالٍ وبدافعٍ من حبّ الاستطلاع والاستكشاف نطرح الأسئلة بطريقةٍ استفهاميّةٍ انطلاقاً من شعورنا بجهلنا والعجز عن تحصيل المعرفة بأنفسنا، نصبح في مرحلة المراهقة نطرح الأسئلة بأسلوبٍ استنكاريٍّ انطلاقاً من شعورنا بقدرتنا على تحصيل المعرفة نتيجة الشعور بالاستقلالية والحرية والخروج من تحت السلطة المعرفية لأيِّ شخصيّةٍ أو جهةٍ، فتنشط فينا غريزة حبّ التأكّد من صدق المعلومات والتثبت من صحة المعطيات التي تلقيناها خلال مرحلة الطفولة، إذاً تتّسم مرحلة المراهقة بالخروج من دائرة السّؤال الاستفهاميّ إلى دائرة السّؤال الاستنكاريّ طلباً لتحصيل القناعة الذاتية بالأجوبة عن الأسئلة التي كنّا نطرحها.  

وأول ما تطال هذه النزعةَ في شخصيتنا الأسئلةُ الوجوديّةُ التي تُلحُّ فطرتُنا بتحصيل الجواب عنها، فندخل في حالةٍ من الشكّ المنهجيِّ في الثّوابت والمسلّمات، فنسأل عن مبدأ الكون، والحياة، والمصير، والموت...، ونريد جواباً قائماً على أساس الاستدلال ومنطق البرهان.

والواقع، أنّ الدّين الحقّ وحده يؤمّن الاستقرار في شخصيتنا تجاه هذا القلق الوجودي والمصيري؛ لأنّ الدين هو الذي يدعونا إلى التأمل والتدبر والتفكر في الآيات المنتشرة في الآفاق وفي أنفسنا للعثور على الجواب وتحصيل العلم بأنّ وراء هذه الكائنات العجيبة في دقة هندستها خالقاً قادراً عالماً حيّاً حكيماً...

والدين هو الذي يدعونا أن يكون هذا التفكر قائماً على أساس معيارية البرهان في صدق العقيدة، (قل هاتوا برهانكم إنْ كنتم صادقين).

والدين هو الذي يحرّرنا من تقليد الآباء في التفكير الكوني ويدعونا إلى نبذ الموروث العقائدي إذا لم يتطابق مع منطق العقل والبرهان (قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أَولَوْ كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون).

والدين هو الذي يأمرنا باتّباع العلم وينهانا عن اتّباع الظن (لا تقف ما ليس لك به علم)، (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً).

وبهذا الأسلوب من تربية العقل، يؤمِّن الدينُ حالةَ الاستقرار الذهنيّ تجاه الأسئلة الوجودية التي تقلق المراهق، ولعل هذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) في قوله: «رحم الله امرءاً عرف من أين وفي أين وإلى أين».

وهذا الفهم لتربية العقل، ينسف محاولات فكّ الارتباط بين العقلانيّة والإيمان، كما في قول أبي العلاء المعرّي:

اثنان أهلُ الأرض: ذو عقلٍ بلا                 دِينٍ وآخرُ دَيِّنٌ لا عقلَ له.

فالعقلانيّة والتديّن أمران متلازمان، كما رسم لنا ذلك الإمام عليّ عليه السلام بقوله: «لا دين لمن لا عقل له». وحفيده الإمام جعفر الصادق بقوله: «من كان عاقلاً كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنّة».



وبإيجاز 

- يصبح المراهق قادراً على التفكير في معتقداته والتأمل فيها.

- تتنشط لدى المراهق غريزةُ حبّ التأكّد من المعلومات التي اكتسبها في طفولته.

- يبدأ المراهق بالاهتمام بالقضايا الكونية والإنسانية والدينية.

- يكون اهتمام المراهق بالدِّين مخلوطاً بانفعالاتٍ نفسيّةٍ حادّةٍ وشعورٍ بالتمرّد.

- يؤمِّن الدِّين حالة الإشباع الفكري والعقلي عند المراهق تجاه اهتماماته الكونية والإنسانية. 

ثمّ، تنعكس حالة الإشباع الفكري في بناء الرؤية الكونية على ضوء منطق البرهان، على نفسيّة المراهق.

فيعزّز الدين عند المراهق الشعور بالهدفية في الحياة، وأن هذه الحياة لم توجد لعباً ولا لهواً ولا عبثاً.

ويمنحه الاستقرار النفسيَّ والطمأنينةَ، فيطرد عنه الإحساسَ بالاضطراب وما يصاحبه من القلق والاكتئاب...

في هذا السياق، يقول مؤسِّس علم النفس التحليلي كارل يونغ: «إنّ انعدام الشعور الدينيّ يسبّب كثيراً من مشاعر القلق والخوف من المستقبل، والشعور بعدم الأمان والنزوع نحو النزعات المادّية البحتة، كما يؤدّي إلى فقدان الشعور بمعنى هذه الحياة ومغزاها، ويؤدّي ذلك إلى الشعور بالضياع».

ويُكسِب الدينُ المراهقَ القوّةَ في مواجهة التّحديّات، واقتحام صعوبات الحياة، ويَهَبه الشجاعة والثّقة بالنّفس، نتيجة شعوره بالمعيّة الإلهيّة، وهذا ما نلمسه في حياة الكثير من المراهقين والشباب، بل والأطفال. فالنبيُّ يوسف عليه السلام، حين ألقاه إخوته في غيابت الجُبّ، وأُخرج من البئر، بدل أن تجد السيارة إنساناً مضطرباً قلقاً خائفاً كئيباً، وجدت إنساناً صلباً قويّاً شجاعاً، فحين قال أحدهم: استوصوا بهذا الغريب خيراً، أجابهم النبي يوسف عليه السلام: «من كان مع الله فليس عليه غربة».

كما أنّ الدّين هو الذي يوجِد عند المراهق حالةَ الإشباع العاطفيّ والتوازن الوجدانيّ، ويمنحه طاقةً إيجابيّةً تحقّق له الشعور بالبهجة، وتساهم في تخفيف التوتّر والعصبيّة والعدوانيّة والأرق، لأنّ الدّين يدعو المراهقَ إلى أنْ يعيش الحبَّ في كلّ تفاصيل حياته، عن الإمام الصادق عليه السلام: «وهل الدّين إلا الحب؟!».

وإذا كان النمو العقلي للإنسان سليماً، والنمو النفسي له سليماً، فإنه سينعكس على سلامة السلوك، وصّحة نمط الحياة وأسلوب العيش، لأن سلوكَ الإنسان وليدُ تفكيره ووجدانه، ونتاجُ عقيدته وحبّه، فمن اعتقد بأنّ الله تعالى هو الخــــالق والمـــــالك والمحسن والمنعم، وأنّه تعالى له على المراهق حقّ الشكر والطاعة، فإنه سيعيش كيوسف عليه السلام مع الله، وسيجد أنه يبني ذاتَه ويشقّ طريقَه لتحقيق أهدافه في الحياة في ظلّ الشجرة الإلهيّة، فيسعى ليترجم عقيدته هذه في سلوكه في الحياة، فيعيش بعيداً عن القلق والاكتئاب لأنّه (بذكر الله تطمئن القلـــــوب)، ويعيــــــش بعيداً عن العنف (لأنّ الله رفيقٌ يحبّ الرفقَ)، ويعيــــــش بعيــــــداً عن الســـرقة، والمخـــــدِّرات، والانتحار و.... «لأن الله تعالى يباهي بالشابِّ العابِد الملائكةَ، يقول: «انظروا إلى عبدي: ترك شهوته من أجلي».  ولأن «الله يحب الشابّ الذي يُفني شبابَه في طاعة الله». كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله.