-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مصطلح و معنى : دولة الرفاه

الباحث :  هادي قبيسي
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  2
السنة :  السنة الاولى - ربيع 2018 / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 28 / 2018
عدد زيارات البحث :  937
عبارةٌ قليلة التداول نتيجة فقدان مصداقها في عالمنا العربي، إذ تشير إلى رؤيا حالمة وباذخة تتخطى تاريخنا. هي دولةٌ يعيش سكانُها حالة اكتفاء ورفاه بعيدًا عن النقص والحاجة، بالإضافة إلى ما يستفيد منه المهاجر المغترب من الرعاية الاجتماعية في حال كان من خارج البوتقة القومية للدولة المضيفة.
قليلٌ من البحث يحدوه الالتفات إلى مُخرجات دولة الرفاه وتحديدًا في سياساتها تجاه «العالم الثالث»، يدفعنا إلى كسر القشرة الشكلية والعوْد هنيهةً في التاريخ.
فلماذا كانت دولة الرفاه؟
يعود تأريخ المصطلح إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. تقول المتخصصة في دراسات الرعاية الاجتماعية إيلين ماكلويد: «ظهرت دولة الرفاه كمجموعةٍ من السياسات والمؤسسات التي كانت، بالأساس، رد فعلٍ على «مشكلة العمل»، أي مواجهة تهديد الصراع الطبقي. الهدف الأساسي كان احتواء ودمج الحركة العمالية»، وبحسب الألماني ستيفن ماو المتخصص في الماكروسوسيولوجيا، يرى أنّ «دولة الرفاه يمكن النظر إليها كترتيبٍ مؤسساتيٍ رئيسيٍ في المجتمعات الغربية. إذ يساهم في إعادة توزيعٍ مقبولٍ اجتماعيًا للثروة». ويضيف: «هي أداة تستخدمها السلطة السياسية لإعادة التوازن المختل نتيجة اللامساواة غير المقبولة المتأتية من حركة السوق، ولذلك فإن نسبةً معتبرةً من الناتج العام ينبغي أن يعاد تدويرها اجتماعيًا». وعليه، فإنه من المنظار الجزئي، تكون المشكلة اقتصاديةً بأساسها، وتُصبِح الرعاية الاجتماعية نتيجةً.
وفي هذا السياق، يصبح الفائض الماليّ مهددًا، ولذلك ينبغي تدويرُ جزءٍ منه لكي تستمرّ عمليةُ مراكمةِ رأس المال، وذلك في دائرة النظام نفسِه الذي أنتج مشكلات الفقر والتفكك العائلي. فهل يُسهم نظام الرعاية الاجتماعية في استمرار إنتاج المشكلة، أو يشكّل مدخل الحل؟
الواقع أنّ الناتج الكليّ للنظام العام هو المزيد من الفوارق الطبقيّة والمزيد من التفكّك الاجتماعي. وبالنتيجة فإن الرعاية الاجتماعية تساهم في استمرار إنتاج المشكلة وليس حلّها، من خلال منع انفجارها وتنفيس غضب الفقراء. وبحسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الفوارق الطبقية تزداد ارتفاعًا بشكل دائم في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة وقد تزايدت بشكل كبير خلال السنوات الثلاثين الماضية.
على الرغم من ذلك، تشيرُ الباحثة ماكلويد إلى التحول الذي طرأ على محور المشكلات في البلدان الغربية، حيث تراجعت أهميّة الطبقيّة لصالح إشكاليّة التفكّك. منذ نهاية الحرب الباردة كان الصراع الطبقيّ قد كفّ عن كونه سبب القلق الأساسي للمجتمعات الرأسمالية، حيث كانت مُخرجات النظام الرأسمالي المسبّبة للتفكّك الاجتماعيّ قد حلّت مكانه كمصدرٍ أساسيّ للقلق. تزايد المخاوف والقلق حول اللاإستقرار الاجتماعي، بما في ذلك البطالة والتشرد والانحراف، والإدمان على المخدرات والجريمة والطلاق، والأم العزباء واستغلال الأطفال. ويرى البعض أن مشكلة اللامساواة والتفاوت الطبقي هما نتيجة حتمية للنظام الرأسمالي ولا يمكن بأيّ شكل تلافيها، كما يعتبر جيري مولر في مجلة «شؤون خارجية».
وعلى خطٍّ موازٍ، يُنتج النظام الرأسماليّ سلسلةً من المشكلات الاجتماعية مثل: تدمير الروح، تفكيك العائلة، تخريب الأخلاق العامة، الفردانية، انتشار الاستهلاك المادي. إلا أنّه يتمُّ تصويرُه من قِبل وسائل الثقافة والمعرفة على أنّه جنّة. فيُعطى وسمًا مختلفًا عن واقعه، لأنه يحاول حلّ المشكلات التي يتسبّب بها من خلال نظام الرعايةِ الاجتماعية، الذي يشكّل روحَ دولةِ الرفاه. إنّه في الحقيقة يحاولُ توظيف هذه المشكلات لصالِحه بحسب البعض، ليقدّم نفسَه بذلك على أنّه جوهرةُ التاريخ ونهايتُه.
دولة الرفاه بين اليسار واليمين
ثمّة رأيان متطرّفان، الأول يساريّ يعتبر أنّ المؤسسات الرأسماليّة تُدخل العمال بشكلٍ دوريٍّ في حالة طوارئ حياتيّة شاملة، كما يرى الباحث الألماني اليساري فريرك هويسكن. والثاني يميني ينعكس في التساؤل الذي طرَحَه أستاذ جامعة هارفرد ريكاردو هوسمان، حول ما إذا كان ضعف القدرة على لجم الرأسمالية هو الذي يتسبب بالأضرار التي تصيب المجتمع بشرائحه المختلفة، أم أنّ السبب هو الحدود الموضوعة للرأسمالية والتي تمنع من توسّعها وانتشارِها.
الواقع أنّ قدرة التبرير لدى الثقافة الرأسماليّة مثيرةٌ للإعجاب. فثمّة من يبرّر بأن نظام الرعاية الإجتماعيّة يستهلّ منتجاتٍ صحيّةً ورعائيّةً مختلفةً من إنتاج اليد العاملة المحليّة. على الرغم من وضوح عودة الأرباح الهائلة لأصحاب الرساميل. فكيف يفوت أستاذ هارفرد هنا أن الرأسماليّة شكّلت ولا تزال أكبر إمبراطوريّةٍ في التاريخ البشريّ في الانتشار والسيطرة والنفوذ؟
وبالعودة إلى الرأي اليساريّ، يمعن هويسكن في إساءة الظن بالرأسماليّة، وهذا طبيعي، فمن ينظر إلى الناتج الكليّ للنظام وتأثيره على الفقراء داخل وخارج الحدود، يحق له ذلك: «فالتعويضات التي توزّع خلال الحالة الطارئة محسوبةٌ بحيث تدفع متلقّيها إلى البحث عن عملٍ مدفوع الأجر مجدّدًا، ضمن العلاقة التي ستؤدي به لاحقًا إلى البطالة»، ويضيف الباحث اليساريّ: «إنّ المساعدات التي تقدَّم للعاطلين عن العمل تهدف حصرًا إلى الإبقاء عليهم قابلين للعمل مجددًا، وبذلك فإن مؤسسات الرعاية الاجتماعية تنظر إلى مصلحة المواطن المفضل، وهو مـــــــالك رأس المال». ثـمّ يذهــــب بعيدًا في المخيّلة التحليليّة التشــــــــــاؤميّة ليعتمد «نظريّة المؤامرة» فيقول: «خلال استقبال العاطلين عن العمل، فإنهم يخدمون مالكي رؤوس الأموال كذلك، من خلال زيادة عرض العمل، فتتدنى الأجور وتتراجع نسبة ما يدفعه الرأسمالي مقابل العمل».
بعيدًا عن النقاش الرأسماليّ الداخليّ، تنظر الأنظمة في الشرق الأوسط إلى الرأسماليّة على أنّها نموذجٌ للمثاليــــــــــّة النهائيّة. على الرغم من أنّه يشترط على الدول النامية التي تستدين منه وقف مشاريع الرعاية الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، وإن هو استطاع توفير الفائض المالي لتمويل الرعاية الاجتماعيّة، فذلك من خلال فوائد تلك الديون أولًا، ومن السيطرة على الأسواق المحليّة العالمثالثيّة ثانيًا، والتي تُفتح قسرًا أمام منتجاتِه كشرط لدفع القروض «التنمويّة». وكذلك من خلال تراكم البنى التحتيّة والمجالات الاستثماريّة التي بُنيت على أكتاف الشعوب المستعمرة قديمًا والمسلوبة حديثًا.
وفي النتيجة، تخدم الرعاية الاجتماعية في الدول الاستعمارية استمرارية الطبقة الرأسماليّة، واللامساواة الداخليّة. كما تخدِم من جهةٍ أخرى دوام الآثار الاســــــتعمارية للــــــــرأسماليّة التوسعيّة التي لا تعرف حدودًا. أما الدول المنهوبة، فيحقّ لها فقط أن تحلُم بالرفاه دون أن تتذوَّقَه يومًا. ويُهاجر شبابُها نحو العالم الغربيّ لتقدّم لهم نُظم الرعاية الاجتماعية بقايا فتات الأموال، التي تراكمت بفعل الاستعمار بأشكالِه المختلفة. فينعمون بها ويشعرون بالتقدير الفائق تجاه «الأخلاقية» الرأسمالية.