-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : الدين : الشباب هم قوة التغيير الاجنماعي

الباحث :  جهاد سعد
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  2
السنة :  السنة الاولى - ربيع 2018 / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 28 / 2018
عدد زيارات البحث :  1634
لعلّ قضيّة الشباب هي من أهمّ ما يطرحُه المبلّغون ويُطرَح عليهم لجهة أفضل الأساليب في تنمية الحسّ الديني لهذه الفئة المتوقّدة. والأهم من ذلك، هو الإجابة على اسئلتهم مهما كانت متمرّدة. ذلك أن أساليب التبليغ تتغيّر بحسب طبيعة الأسئلة وطبيعة الشباب، الذي يتّسم بالتوقّد والتمرّد بسبب الشعور بالقوة والقدرة على الإستقلال. فتصبح أولويّة المبلّغين والآباء أن يتسلّحوا بالعلم والحوار. فلا يكون العلمُ وحده، أو الحبُّ وحده هو زاد الطريق إلى قلوبهم.
تلبية الحاجات أم تربية العادات
الواقع أنّه ابتداءً من فترة الكمون، وهي الفترة السابقة للمراهقة، من 7 إلى 14 سنة، يبدأ تدريب الأولاد على نمط حياة المتديّن. تكمن القوة في هذه الفترة في القدوة، وفي العمل، وليست فقط في الحوار. ذلك أنّ هذه الفترة تتسم بالمرونة، وبالتالي تتحقق القدرة على ترسيخ العادات الإسلامية كالصلاة والطهارة والدعاء والإرتباط الروحي بالأنبياء والأولياء عبر القصص الهادفة. كما أنّ سماع القرآن الكريم وحفظه، ولو مع التفسير البسيط للمفــــــردات، يوصـــــل رسالة إلى القلب لا يدركها حتى المتلقي. فالقرآن الكريم يخاطب الإنسان كلّه، ويسبّب له بعثًا ونشاطًا لقدراته. حتى ولو لم يفهم المستمع آيات الكتاب بالتفصيل. والأهم من ذلك كلّه، هو ممارسة هذه العملية بمحبّةٍ وتسامحٍ مدروس.
وحتى ينتهي سنّ الكمون وتتفجر الشخصيّة المراهقة التي تريد أن تبني لنفسها حيزًا منفصلًا عن الوالدين والبيئة المحيطة، تكون هذه العادات الدينية قد ترسخت وتجذّرت وأصبح من الصعب جدًا التفلت منها، فمن شبّ على شيء شاب عليه.
إلا أنه ثمّة تحدّي في هذا العصر يصعّب عملية التربية على العادات الدينية، وهو انشغال الأهل عن أولادهم بسبب صعوبة تلبية الحاجات الأساسية من غذاء وكساء وسكن وتعليم وطبابة. فمتطلبات هذا العصر المادية لدى عدد لا يُستهان به من العائلات، تحتاج الى عملٍ شاقّ بل إلى أكثر من عملٍ واحد. وخروج كلا الوالدين إلى العمل قد بات أمرًا شبه ضروريّ لتأمين مستلزمات الحياة. وهذا الواقع يجعل المتابعة المطلوبة مفقودة. وبات الصبر على تأمين الأجواء النفسية الملائمة لهذه العملية المعقّدة أيضاً قليل. وللتعويض عن تقصيرهم يلجأ الوالدان إلى استخدام السلطة المفرطة، فتتلاشى القدرة على جذب الأولاد الى الواجبات الدينية. والجدير بالذكر أنّ ظاهرة التواصل الإلكتروني وتعدّد وسائط الاتصال قد أثرا مباشرة على بنية الحوار بين الأهل والأولاد، الأطفالُ منهم والمراهقون والشباب.
النظرة إلى المراهقة بين العرف والدين
تعلمنا من القرآن الكريم وسنّة المعصومين أنّ موقف الدين من الشباب هو موقف إيجابي، على عكس العرف التقليدي الذي يخاف من جذوة التمرّد التي تُمّيز الأجيال الطالعة. فهذا أبو الانبياء إبراهيم عليه السلام يعاني من استخفاف عمّه وبيئته، ولكن القرآن الكريم ينحاز له ويندّد بموقف المجتمع الوثني منه، يقول تعالى: (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم). وفي سورة الكهف يشير القرآن إلى شباب مؤمن، هجر مجتمع الشرك، فأيّده الله بهدًى منه ومعجزة: ((نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: «أحبُّ إلى الله شابٌّ تائب». وعن الصادق عليه السلام أنه سأل الأحول: أتيتَ البصرة؟ قال: نعم، قال عليه السلام: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنهم لقليل...فقال: «عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كل خير».
وهكذا كلّما توسّعنا في البحث وجدنا موقفًا إيجابيًا وتأسيسيًّا من هذه المرحلة في حياة الإنسان، حتى أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تؤكد إمكان اجتماع الحماسة مع الحكمة. بل إنّها تؤكّد أن التمسّك القويّ بالحكمة لا يتوفّر إلا إذا نهض به الإنسان وهو شاب، فيختلطُ بلحمه وروحه ودمه. يقول تعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة، وآتيناه الحكم صبيا). وقد كان عليه السلام بالفعل متشددًا على نفسه في ذات الله سبحانه. أمّا في قصة يوسف عليه السلام فنراه يؤثر السجن على الانجراف في عالم الشهوات المحرمة، (قال ربّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه)، وعن أيوب عليه السلام: «إن الله يزرع الحكمة في قلب الصغير والكبير، فإذا جعل الله العبد حكيمًا في الصبى لم يضع منزلته، عند الحكماء حداثة سنّه وهم يرون عليه من نور الله وكرامته».
ألا ينافي هذا الموقف ما هو سائد في عرف الآباء، بأنّ الشاب جاهل! حتى أن كلمة مراهق تساوي كلمة جاهل أو «جهلان».
نستفيد مما تقدم أن منطلق التأثير على الشباب هو النظر إليهم كاستثمارٍ ناجح، وتقــبّل أسئلتــــــهم وتمرّدهم بصبرٍ وحكمة ٍوحبٍّ وعلم. أما حديث الإمام الصادق فيشيرُ إلى أنّ أصلح من يمكنُه حملُ المشروع التغييريّ الكبير، هم الأحداث والشباب.
وهذا خطابٌ ينطوي على حسن الظنّ، بعكس ما هو شائع عن المراهقة في الأدبيّات الحديثة. فالمسارعة إلى الخير تحمل مضامين الصدق والحماس والاستعداد للتضحية التي يتمتّع بها الشاب.
برنامج الإسلام
بعد تأسيس الطفل على العادات الدينية في فترة الكمون، ثم التعامل معه كاستثمار ناجح باتجاه التغيير والنهضة وليس بأنه مجرد متلقي سلبي لما يسمع ويرى، يترتّت على الشاب ممارسة مجموعة من الأمور لكي يكمل البرنامج الذي وضعه له الإسلام:
أولا: أن يستغل طاقتَه في طلب العلم
يقول الإمام الصادق عليه السلام: «لستُ أَحَبّ أن أرى الشابّ منكم إلا غاديًا في حالين: إما عالمًا أو متعلمًا فإن لم يفعل فرط، فإن فرط ضيع، فإن ضيع أثم».
ثمّ في طلبه للعلم أن يُعمِلَ الشابّ فكرَه فيما تطلبه الشريعة ويقدّمُه للواقع. ويعدَّ نفسَه لدورٍ قياديّ في المجتمع، ويجتهدَ في البحث عن أساليب تقريب الناس إلى الله تعالى بما يتناسب مع لغة جيلِه ولغة عصره. فهو بالتأكيد أعلم من أساتذتِه فيما يجتذبُ قلوب أترابه من الأصدقاء، وهذا يتطلّب شخصيّة متماسكة وأصيلة، مع قدرةٍ على الإنفتاح والتفاعل الصادق مع هموم الناس ومشاكلِهم.
ثانيا: حكمة الشباب تغيّر التاريخ
إذا انفتح قلب الشاب على نور الحكمة فإنّ بإمكانه أن يغيّر التاريخ. إنّها حقيقةٌ قرآنيّة ونبويّة وعلويّة.
والحكمة في القرآن الكريم هي سنّة المعصوم، بمعنى قولُ المعصوم وفعلُه وتقريرُه. يقول تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم والله عزيز حكيم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
يمكن ملاحظة أن الآية: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)، فيها إشارةٌ واضحة إلى تواصل الأجيال في تعلّم الكتاب والحكمة، التي هي فضل الله الذي يؤتيه من يشاء شابًا كان أو كهلًا، وضيعًا كان في المجتمع أو عزيزًا.
الحكمةٌ إذا تابعة للقلوب والنفوس والعقول، وليس للعمر أو للمركز الاجتماعي. وإذا دخلت إلى القلب أحدَثت ثورةً نفسيّةً وحوّلت الإنسان إلى طاقة محرِّكة ليس لجيلِه فقط بل لأجيالٍ متعاقبة. ولو فرضنا أن جيلًا ما تقاعس في العمل بالكتاب والسنّة، فإنّه سيكون قاطعَ طريقٍ بين الله والبشريّة. ولو قام بما عليه وجسّد الكتاب والسنة قولّا وفعلً، فإنه سينقلُ بقوّة القدوة، أنوارَ الحكمة من جيل إلى جيل. وعلى من تقوم هذه المهمة الصعبة التي أبت أن تحملها السموات والأرض؟ إنها تقوم على الإنسان وهو في أوج قوته وذروة نشاطه، يعني على الإنسان الشاب. فمرحلة الشباب إذا هي الجسر القويّ الذي ستعبر عليه أمانة الله من جيل إلى جيل، وهي القوّة التي ستحرّك بروح الله مسار التاريخ.
إن الإسلام يلخّص هنا رسالتَه إلى الشباب بهذه المقولة: أيّها الشابّ لا تعادي عصرك، ولكن أيضّا لا تجاريه إلى درجة تفقد فيها دورك فيه. وهو دور نقل الأمانة الإلهية للأجيال القادمة. أي تغيير العصر بشكل يجعلُ في العصور القادمة أجيالًا أكثر قربًا من الله. ويكون العصر أكثر تعبيرًا عن تجليّات الحكمة الإلهية بالوجه الذي يناسبُه. وهذا هو المقصود بأن كلمات الله لا تنفد في قوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا). أي أنّ لله في كل عصرٍ كلمةً هي غيرُ الكلمةِ التي قيلت في العصور السابقة، وهذه الكلمة هي فهمٌ جديدٌ لكتاب الله وسنّة المعصومين. وبتعبير عليّ عليه السلام، هي تجلّي جديد لأسماء الله وصفاتِه وكلماتِه في كلّ عصر إذ يقول: «إن الله قد تجلّى لخلقه بكلامه ولكنّهم قوم لايسمعون».