-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ادب وفن : هامش للموت

الباحث :  محمد مجدي
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  1
السنة :  السنة الاولى - شتاء 2018م -/ 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  May / 1 / 2018
عدد زيارات البحث :  1843
في الفنّ، يكون الإبداع دِرعاً في مواجهة العدم، كما الحياة، تستمرّ مُكايدةً في الموت.
تلك هي المعادلة التي خرجت من رحمِ قرنٍ واجه فيه الإنسان احتماليّة فنائه من على وجه الأرض، بعد ظهور القنبلة النوويّة، وحروب غرق فيها سنواتٍ طويلة.
في أوروبا، ومع أنّها كانت ساحة حربٍ سنوات، إلاَّ أنّها شهدت ظهور عدّة حركات غيّرت مسار الفنّ، وخصوصاً الفنّ التشكيليّ، حيث جعلت منه منصّة للتغيّر والثورة، بعد أن كان جزءاً من أثاث القصور. فخرجت اللوحات إلى النور وإلى المجتمع، بعد أن ظلّت معلّقة على حيطان صالونات البرجوازيّين والنبلاء سنين. حيث أصبح الفنّان، أو الإنسان بوجه عامّ، هو البطل الأوّل للوحاته التي أصبحت تعبّر عن غضبه وأحلامه.
وقد أوجد ذلك الصراع بين الفنّ والموت مدارس واِتّجاهات عدّة، جعلت الفنّان كما لو أدرك أنّه على حافَة الهاوية. ويحاول بشتَّى الطرائق إضفاء المعنى لحياته. على عكس الفنّان العربيّ، الذي لا تعترف ثقافته بهذا الصراع. كما لا تُوجد فيها تلك الندّيّة بين حدثين تراهما أساساً للوجود، الحياة والموت. ولعلّ هذا ما تسبّب في حالة من التَعَثُّر أو البطء في الحركة الفنيّة العربيّة، وبمعنى أصحّ، رسّخت حالة من الطمأنينة والاستقرار في نفس الفنّان العربيّ فأصبح مستهلكاً، ناقلاً ومقلّداً لكلّ المدارس الغربيّة. لكنّه أضفى عليها طابعه الخاص، طابع تكوينه وبيئته.
من هنا نُدرك أنّ الفنّ الحقيقيّ ينشأ من الصراع بين الفنّان وذاته. من القلق والخوف الذي سيطر على الفنان الغربيّ. من دمار اِستشرى وهدّد وجوده، وهو مستمرّ إلى الآن، لكنّه بوجه حضاريّ، فنجد تلك النزعة التي نشأت من قلق وجوديّ هي المحرّك الأوّل والدافع الأساسيّ لكثير من الفنانين، للتساؤل عبر فنِّهم. ومن أمثال هؤلاء الفنّان التشكيليّ الإيطاليّ المُعاصر (Nicola Samori 1977).
يحتلُّ الموت أو الغياب في لوحاتِ ساموري فائض مساحات لونيّة، حيث تتحوّل لوحاته إلى ساحة للقتال، أجساد تتصارع كَيْ تقترب من الوضوح، ملامح ضبابيّة، مشوّهة إلى حدٍّ مخيف، تغطّيها طبقات من التخريب المُتعمّد، كشطّ، خدش...
وغيرها من الأدوات التي يبحث من خلالها عن هويّة حقيقيّة لشخوصه، من دون أن تتحوّل الملامح لمجرّد عنصر صُوري ليكتمل تكوينه. إنّه يدعو العين لترى وتبحث من خلال تلك الحلقة المفرغة بين الكتلة والفراغ في لوحاته. لذا كان التشويه بوّابَته لتوريط المُشاهد في رحلة للدخول في أعماقٍ وطبقات متعدّدة من الكوابيس. الأسئلةُ التي تتوارد في ذهن المُشاهد من دون نَسَق أو ترتيب.. محاولًا تجاوزَ تلك النظرةِ السائدة، التي ترى ريشة الرسّام بأنّها مُجرّدَ أداةٍ لإمتاع العين، لذا حوَّلَها إلى مطرقةٍ للهدم، ثمّ تُعيد العينُ بناءَ التكوين، وفق رؤية حُرّة لا تلتزم أُسُس التشكيل.
يستوحي ساموري نمط أعماله من اللوحات الكلاسيكيّة لسادة عصر النهضة. لكنّه يُضفي عليها ذلك التشويه أو الدّمار المُتعمَّد في سؤال هامّ: لماذا نتخلَّى عن الماضي عندما يُمكننا إعادة تصوّره كما نُريد؟
لذا كان استكشاف ما تحت السّطح هو غَرَضُ الفنّان. فبدلاً من أن يكون العالمُ مقدّماً داخلَ لوحة، تُصبح اللوحةُ نفسَها جزءاً من قصّة غير مُكتملة، تدعو العين للبحث والتنقيب. هذا لأنّ التاريخ هنا لا يُقدم نفسَه بشكل مُتسلسل وسَلسٍ، تستطيع العين استيعابَه وحفظَه، بل إنّه بوّابة زمنيّةٌ تنفتحُ على العوالم الداخليّة. لكلّ لحظة ضنيناً بها وقد أُخذت منّا. إنّه تحلّلٌ وسقوطٌ لكلّ ذريعةٍ لوجودِنا، لنكتشِف أنّنا نُواجه المُبهم، اللا شيء، إنّه جحيم يتغذّى على ضياعٍ يتملّكُنا شيئاً فشيئاً، وأسئلةٍ تتراكم من دون أجوبة.؟!
منهجيّـــــة ساموري الـــــتي يــــــعتمِدُها في لوحاته، هي محاولةٌ لوضع اللاوعي في إطار التـــجربة، النقــــــاش، التحلـــــيل. الأمــــــــــر الذي يعكــسُ معرفَتَه واطلاعَه على نظريّاتِ التحليل النفسيّ، ونجاحه في توليفها في أعماله. فنرى أعماله تتميّز بمزيج من العنف والوساوس والهلاوس، والموت والتحلّل، وماهيّة كلّ تلك المصائر الحتميّة، أو ما يُطلق عليها: الأسئلة الكُبرى..؟!
وهو هنا لا يُقدّم أجوبةً تستَندُ إلى مجهودٍ من البحث والتنظير، بل إنّه يُقدّمها كـــــما هــــي، كحالة تستوجب التأمّل من كلّ شخص. فكُتْلتُه لا تملك الحيّز الكامل للوجود. وجوهٌ غير مُكتملة أو ذائبة في الخلفيّة السوداء وحسب، تحاول دوماً إيجاد لغة بصريّة لمشاهدِها. تتيح له المساحةَ اللازمة لتكتملَ في مخيّلتِه، والخروجَ بأفضلِ تمثيلٍ بصريّ لما يدور في نفسه..