-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

بوصلة : واجب المبادرة

الباحث :  زينب عقيل
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  1
السنة :  السنة الاولى - شتاء 2018م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  May / 1 / 2018
عدد زيارات البحث :  820
واجب المبادرة
شهد منتصف القرن الماضي على أحد المنعطفات الهامة في التاريخ العربي الحديث. إذ نمت في أوساط الشباب حركةٌ ثقافية نابعة من حاجتهم إلى مجلاتٍ ومنابرَ ثقافيةٍ، تحمل نبضَهُم المتدفقَ وعياً وحماسة. فبرَزت مجموعة من المجلات التي استهدفت رفع المستوى الفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ. ونجَحَ بعضها في تقديم الفكر الفعّال، الذي تصادقَ وتعاطى مع حاجات ذلك المجتمع وهمومِه وتطلُّعاته، وأثّر فيه بقدر ما تأثّر به.
لا ريب في أن حركة التاريخ البشري تسيرُ في خطٍّ بيانيّ تصاعديّ، بنحوٍ لم تعرف المجتمعاتُ الإنسانيّةُ حالةَ ستاتيكو في حياتِها المديدة. فالمسيرةُ البشريّةُ في تقدّمٍ وتطوّرٍ مستمرّين. ولكن، يُمكن القول، إنَّ العاملَ المتغيرَ للمشهدِ الثقافيّ في السنواتِ الثلاثين الأخيرة، يوازي العاملَ المتغيرَ على مدى ثلاثةِ قرون.
هذ الطفرة، انعكَست بنيويًّا على هويّة الحضارةِ الإنسانيّة. فالتوغُّلُ في أسرارِ الطبيعةِ المحيطة، والغوص في الفضاء السيبيريّ، يساهمان في خدمة البشريّة في عالم الأشياء أيُّما خدمة! ولكن، هل يقدمان نفس الخدمة في عالم الأفكار والقيم، كما يتوجّس المفكرُ العربيّ مالك بن نبي؟. فالعناصر الماديّة تتغيّر بسرعةٍ أكبر من العناصر المعنويّة في المجتمعات الإنسانية. ما يولّدُ «فجوة ثقافية»، تُحتّم على المجتمع  أن يعيدَ تنظيمَ نفسِه بعدَ كلّ اختراعٍ وتقدُّمٍ تقنيّ، حتى تتكيّفَ جميع عناصره وتسيرَ جوانبُ الثقافة، الماديّةُ والمعنويّة، جنبًا الى جنب.
ولكن، يبدو أنّ هذا التطوّر الآليّ قد أوصل إلى نقطة «تشييء الإنسان» كما يرى الفيلسوف هربرت ماركيوز. فيُصبح المعيار هو المظهر والتملُّك لا الجوهر والإنسان بما هو كائن، كما عبّر إريك فروم. وبدورِنا، لا نعلمُ إذا كان حضورُنا في هذا العصر نعمةٌ أم نقمة!
لقد وظّفَ بعضُ الفلاسفةِ والمفكرين هذا التطوّر العلميّ في تفعيلِ نزعةِ الإلحادِ والشكّ في كلّ ما هو إلهي وديني. فمقولةُ فرويد «إن الدين ما هو إلا عُصاب تشكو منه الإنسانية»، ولازمةُ ماركس الشهيرة «إنّ الدين أفيون الشعوب»... إلخ، تتردّد أصداؤها حتى في الفضاء العام العربيّ. لكأنّ من نطق بها قد أنقذ البشريةَ من مشاكلِها كافّة! ولكأنّه لا ثقافةَ لعربيٍّ إلا ما تثاقفَهُ من الغرب الماديّ.
الواقع أن الاستهلاك الثقافي هو أكثرُ تدميرًا للأجيال من الاستهلاك البضائعي. لقد اقتحمت هذه التصورات عن الله والكون والإنسان مناهج التربية والتعليم في مختلف المراحل الدراسية، والفروع والاختصاصات الجامعية. بحيث يتشكّلُ وعيُ شبابِنا اليوم على ضوء مضامينها. فينساقُ بعضُهم وراء هذه النزعةِ المثقلةِ بالإلحاد، اللاأدرية، اللادينية، العلمانية، التشكيك بالوحي والقرآن، وتشويه صورة النبي...
وحينَ يتمُّ تسويقُ الأفكارِ كسِلع، لا يبقى على الشعوبِ المستعمَرةِ -نفسيًا- إلا التهامَها. فما الحال والديكتاتوريّةُ والبطالةُ والأميّة، وتحديّات النظام العالميّ الجديد، ومؤخّرًا تحديّاتُ التكفير، قد وضَعَت شبابنا اليوم إما في صدارةِ مواجهتِها وإما في الانفعال السلبي بها، وأعادَت ثقافتَنا نحن العرب إلى الأدراج المقفلة! وما القولُ وسنّة الكون، أنّ النهضات والثورات، إنّما تنطلقُ من نفسِ ثقافةِ الأمة!
إلى ذلك، فإن ثورةً أخرى قد شرَعَت في إعادةِ تشكيل العلاقات الاجتماعيّة والثقافاتِ الساريةِ في المجتمعات. هي الثورةُ الرقميّة. التي وجد الشباب فيها فضاءً يعبّرون فيه عن آرائهم التي يتمّ تغييبها في الواقع العربيّ، وينشرون فيها أعمالَهم وإبداعاتِهم التي لا تلقى رعايةً ملموسة، كما يتفاعلون ويناقشون ويتحاورون في كافة الميادين الثقافية.
والواقع أنّ تصرف الأفراد في الفضاء الواقعي ليس هو الذي يُرى في الفضاء السيبيريّ تماماً. ذلك أن التصرف في الفضاء الأخير، يتحلّل فيه الفرد من قيودات الزمان والمكان، ومن مسؤوليّة وجوده، ومن أدواره الاجتماعيّة، ومن القيود السياسيّة والدينيّة والأخلاقيّة والقِيَميّة. ما يعطيه قدرًا كبيرًا من الحرية التي ربّما لا يتمتّعُ بها في واقع حياتِه الطبيعيّة. الأمرُ الذي يشيرُ إلى تحديات عدّة، منها ربما «ضعف العقل الجمعيّ في الفضاء الواقعيّ، في إفراز قواه والمحافظة عليها بمستوى عالٍ من الضبط والتحكم، أو التوجيه الاجتماعي العام للجماعات والأفراد».
أمام هذا المشهد، وكمساهمةٍ منّا واقعياً وسيبيريّاً في مواجهة التحديات الفكريّة والعَقَديّة وغيرِها. ولإعطاء مساحةٍ لنشرِ إبداعاتِ الشباب ومساهماتِهم الفكريّةِ والأدبيّةِ والفنيّة. ولتوفيرِ منبرٍ للتعبيرِ عن آرائهم ووجهاتِ نظرِهم، ولبناءِ موقعٍ للتحاورِ والنقاش وتبادل الخُبُرات... نطلِق مجلّة «مع الشباب»، مجلةً ورقية وإلكترونية. ورقيّة لكي تعيدَنا إلى زمن رومانسيّة الحبر ورائحةِ القرطاس اللَّذيْن  أقسم الله تعالى بهما في كتابه الحكيم (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ )، وإلكترونيّة لنواكبَ التفاعليّة الرقميّة ونكونَ فاعلين ومنتجين للثقافة من خلالها.
قد يقولُ قائل، إنّ في ذلك طموحًا رفيعًا، خاصّة في ظلّ الكسلِ الفكريّ الناتج عن الاستهلاك، والبرمجةُ الذهنيّةُ كما سَبَق، وكذلك التدرٌّج نحو انعدام الاجتهاد والحماس نحو التطوّع. وأيّ توقّعٍ أو استنتاجٍ لصعوبةِ الأمر سيكون منطِقيًا، إلا أنّ ذلك لا يُعفينا من واجب المبادرة. فكم من بلد تحررّ بفعل مبادراتٍ بَدَت في بداية الأمر ضربًا من المستحيل. وكم من مشاريع طموحة بات أصحابُها في همّ، ثم أصبحوا على مؤسساتٍ كبيرة.
سكرتير التحرير
زينب عقيل