-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

إسهامات حضارية : مكة المكرمة

الباحث :  سكينة حسن
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  7
السنة :  السنة الثانية - خريف 2019م / 1441هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 15 / 2019
عدد زيارات البحث :  464
سلامٌ عليكِ يا مكّة..

يا حرمَ الله الآمن...
سلامٌ عليكِ حين وطأَ أرضَك الأنبياء، صالحٌ بعد صالح..
سلامٌ عليكِ حين تمتم الخليل لقرّة عينه إنّي أرى..، تبسّم ثغر الغلام ممتثلاً، ففداه ربُّه بذبحٍ عظيم..
سلامٌ عليكِ حين رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد بيتك العتيق...
أحرمتُ إليكِ من كلّ شيءٍ إلّا الشوق
وجئت راجيًا خلع نعل ذنوبي، وولوج الوادي المقدّس حافيًا..
هنا البيت العتيق، هنا مقام إبراهيم، هنا زمزم، هنا الحطيم...
وهنا أنبت الله اليتيم نباتًا حسنًا، وأدّبه تأديبًا حسنًا، فأينع شجرةً طيّبة رحمةً للعالمين..
وهنا الوحي، هنا الآيات البيّنات، هنا الرحمة واللطف الجميل..
سلامٌ عليكِ يا مكّة كلّما شدّ الرحالَ إليكِ شائقٌ، وغار في الوجد من لم يستطع إليكِ سبيلاً.

تاريخ مكّة:
مسقط رأس رسول الله محمد، تقع في الحجاز في شبه الجزيرة العربيّة، وهي من أقدس مدن الإسلام، اسمها المشهور مكّة، لكنّها ذكرت في القرآن الكريم بأسماء أخرى منها: بكّة، أمّ القرى، البلد الأمين. وقد أشار المؤرّخون إلى أسماء متعدّدة منها: أمّ رحم، الحاطمة، الرأس، صلاح، العرش والمقدّسة.[1]
تقع مكّة في وادٍ محاطٍ بجبالٍ ذات شعاب، ليس فيها شجرٌ ولا ثمر: {وادٍ غير ذي زرع}، مناخها صحراويّ جاف لوقوعها في منطقة مداريّة، ومياهها شحيحة ما خلا بئر زمزم، الذي يعدّ مصدر المياه الطبيعيّ الوحيد في المدينة المقدّسة.
كانت مكّة قريةً صغيرة متواضعة سكنها بنو النبيّ آدم(عليه السلام)، إلى زمن طوفان النبيّ نوح(عليه السلام). ويذهب كثير من المؤرِّخين والمفسِّرين إلى القول بقدم المدينة والبيت العتيق.
بدأ توافد الناس إليها بعد أن أسكن الخليل إبراهيم(عليه السلام) زوجته هاجر وابنه إسماعيل(عليه السلام)،
﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ (سورة إبراهيم، الآية37). وقد غاب عنهما مدّة  ليعودَ، فيجد رحمة الله قد أحيت ما كان رميماً؛ حيث تفجّر زمزم ينبوعاً، وسرت الحياة في عروق الوادي المقدّس.

شرع إبراهيم(عليه السلام)، بمعيّة ولده إسماعيل(عليه السلام) بإعادة بناء البيت العتيق، الذي أصبح محور اقتصاد مكّة بعد الأذان بالحجّ إليه.
بعد قبيلة جرهم، وقبيلة خزاعة التي راجت في عهدها عبادة الأوثان، آل أمر مكّة إلى قريش، وهي فرعٌ من قبيلة كنانة، تحت إمرة قصيّ بن كلاب الجدّ الرابع لرسول الله(صل الله عليه وآله وسلم)، الذي قام بإصلاحاتٍ واسعة غير مسبوقة النظير في البلدة والبيت الحرام.
وفي سنة 571م، قدم البلدَ الأمين صاحب جيش الفيل أبرهة الحبشيّ، سعياً لهدم الكعبة، فاستقبلته الطير الأبابيل بحجارةٍ من سجّيل، وفي العام نفسه شاءت الرحمة الإلهيّة أن يسطعَ نور محمد بن عبد الله(صل الله عليه وآله وسلم)على العالم، حتى إذا بلغ أربعين سنةً حُمِّل الأمانة الإلهيّة، فكان نِعْمَ بشيرٍ ونذير[2].

معالم مكّة:
المسجد الحرام:
هو المسجد الأعظم في الإسلام، وقد روي عن رسول الله: “صلاةٌ في مسجدي تعدل عند الله عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد، إلّا المسجد الحرام، فإنّ الصلاة فيه تعدل مئة ألف صلاة”[3].

وهو من المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرحال، في الحديث: «لا تشدّ  الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى»[4]
 تتوسطه الكعبة المشرّفة، التي رفع قواعدها إبراهيم وإسماعيل(عليه السلام)، كما حدّثنا القرآن الكريم في قوله سبحانه: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
(سورة البقرة، الآية127)؛ لتكون قبلة للمسلمين. وللكعبة أركانٌ أربعة: الركن الأسود، الركن الشاميّ، الركن اليمانيّ، والركن العراقيّ، وفي أعلى جدارها الشماليّ يوجد ميزاب الرحمة المطلّ على حِجر اسماعيل.
 يضمّ المسجد الحرام- أيضاً- مقام نبي الله إبراهيم(عليه السلام)، حجر إسماعيل، الصفا والمروة، بئر زمزم، الحجر الأسود والعديد من المشاعر المقدّسة الأخرى.

مشاعر الحجّ المقدّسة:
تحتضن مكّة مشاعر الحج المقدّسة، كما أنّ فيها عددًا كبيرًا من الآثار الإسلاميّة نذكر منها:
عرفات: يقصدها الحجيج في اليوم التاسع من ذي الحجة لأداء أوّل واجبات الحج.
مِنى: يقصدها الحجيج في أيام التشريق الثلاثة (العاشر والحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة) لرمي الجمرات (الحصى) بعد جمعها من المزدلفة. كما أنّ فيها يتم الذبح أو النحر، والحلق أو التقصير.
غار حراء: هو الغار الذي كان يتعبّد فيه رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم)، والذي نزل فيه الوحي الإلهيّ. يقع في أعلى جبل النور، شرقيّ مكّة.
غار ثور: هو الغار الذي لجأ إليه النبي(صل الله عليه وآله وسلم) أثناء الهجرة، يقع جنوب مكّة.
مقبرة المعلّاة: من أقدم المقابر، وقد ضمّت رفاة كثير من المسلمين الأوائل منهم: جدّ الرسول عبد المطلب، عمّه أبو طالب، السيّدة خديجة وابنها القاسم ابن رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم)، وأول شهيدين في الاسلام ياسر وسميّة.

مساجد مكّة:
تضمّ مكّة عدداً من المساجد المهمّة أبرزها: مسجد الخيف، مسجد النحر، مسجد البيعة، مسجد غدير خم، مسجد الجن، مسجد الراية.

فضائل مكة وخصائصها:
ورد في الحديث: “ أحبّ الأرض إلى الله تعالى مكّة، وما تربةٌ أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من تربتها، ولا حجرٌ أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من حجرها، ولا شجر أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من شجرها، ولا جبال أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من جبالها، ولا ماء أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من مائها”[5].

وعن رسول الله: “إنّ مكّة بلدٌ عظّمه الله وعظّم حرمته..”[6].
ولأجل حرمتها عند الله - عزّ وجلٌ - كانت لها خصائصٌ تميّزها عن غيرها من بقاع الأرض؛ فقد حُرّم فيها القتال ابتداءً: وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ (سورة البقرة، الآية191).
وعن رسول الله: “..ألا إنّ الله قد حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرامٌ بحرام الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد”[7].
والحرمة تنسحب على كلّ ما فيها من الصيد ونزع الشجر وذبح الصيد وتملّك اللقطة في الجملة.
ومن خصائصها حرمة دخول غير المسلمين إليها: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا(سورة التوبة، الآية28).

أَيَا أمّ القرى ويا أمن الخائف المستجير، بوركتِ...
بوركتِ يوم حباكِ ربّكِ واجتباكِ واختارك منبتًا للصادق الأمين، وأوّل مهدٍ للرسالة المحمّديّة. فارتضاكِ لنفسه حرمًا ولبيته العتيق سكناً، وغرس في أفئدة العاشقين أشجار الشوق إليكِ. بوركتِ يا مكّة...

------------------------------------
[1]-  يراجع: الخليليّ جعفر: موسوعة العتبات المقدّسة، ط2، مؤسسة الأعلميّ، بيروت، 1987م، ج2، ص13.
[2]- يراجع: الخليليّ، موسوعة العتبات المقدّسة، (م. س)، ج2، ص52.
[3]- المجلسيّ، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1983م، ج96، ص381
[4]- النيسابوريّ، أبو الحسن: صحيح مسلم، (لا ط)، دار الفكر، بيروت، (لا ت)، ج4، ص126.
[5]- الصدوق، محمد بن بابويه: من لا يحضره الفقيه، (لا ط)، منشورات جماعة المدرّسين، قم، (لا ت)، ج2، ص243.
[6]-  السيوطيّ، جلال الدين: الدرّ المنثور، (لا ط)، دار الفكر، (لا ت)، بيروت، ج1، ص124.
[7]-  المجلسيّ، بحار الأنوار، (م. س)، ج21، ص135.