-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : دور الإعلام الجديد في نشر ثقافة الاستهلاك

الباحث :  آلاء شمس الدين
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  7
السنة :  السنة الثانية - خريف 2019م / 1441هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 14 / 2019
عدد زيارات البحث :  456
نمرّر أيدينا بسلاسة على الشاشة الصغيرة، وعيوننا متحجّرة عليها، نتلقّى كمًّا هائلاً من المعلومات والصور التي يتشاركها الناس والمؤسّسات في عالم مترابط، عالم مواقع التواصل الاجتماعيّ. هذه المنصّات ليست منصّات محايدة، ونحن لا نعيش خارجها، فكلّ ما تقدّمه هذه الشاشة الصغيرة من تحفيز، هو رسالة لعقلنا وسلوكنا.
في كلّ مرّة نفتح إحدى منصّات مواقع التواصل الاجتماعيّ تزداد فرصة اطلاعنا على مزيد من الآراء ومزيد من الأشخاص والصور، ما يزيد حاجتنا ورغبتنا للإشباع والتفاعل حتى نشعر بوجودنا، ولا يكون ذلك إلا عبر الاستهلاك. نحن لا نستهلك الوقت فقط، إنّما نستهلك البضائع والحاجات الكماليّة التي يتم التسويق لها على أنّها أساسيّة، وقد بات ذلك أسهل وأسرع، فهناك توجّه كبير من قبل المؤسّسات والشركات للتسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ من أجل انخراط أعضاء العالم الافتراضيّ في الاستهلاك.
وتشير الإحصاءات إلى أنّ استراتيجيّات البيع عبر منصّات التواصل قد زاد الاعتماد عليها في عام 2019، حيث إنّ نسبة 40% من الشركات التي شاركت في استطلاع Hootsuite أشارت إلى أنّها تبنّت تنفيذ استراتيجيّات البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ هذا العام. في السابق كانت تشنّ الحروب لفتح أسواق تصريف لبضائع الدول «الكبرى»، أمّا اليوم فإنّ كلّ ما تحتاجه الشركات المتعدّدة الجنسيّات والشركات العربيّة والمحليّة هو الصورة والكلمة، والدعاية والإعلان على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

الاستهلاك الرقميّ وعولمة القيم:
يقول «مارك زوكربيرغ»، مؤسّس موقع فايسبوك: «الفيسبوك لم ينشأ في الأصل ليكون شركة. لقد أوجد لجعل العالم أكثر انفتاحًا واتصالاً».
ففي ظلّ هيمنة مواقع التواصل الاجتماعيّ، نجد أنفسنا أمام ثقافة جديدة على واقعنا الاجتماعيّ والاقتصاديّ، ثقافة تفتح رؤى جديدة للعالم، هي ثقافة الاستهلاك بكلّ صورها وأشكالها.
فمنصّات الفيسبوك، والانستاغرام، والتويتر التي جعلت الناس كأنّهم على أرض كبيرة جرداء، تؤسّس لعولمة القيم والثقافة؛  فالإعلانات والصور والفيديوهات التي تعرض بشكل غزير ومكثّف على مواقع التواصل الاجتماعيّ لا تكتفي بتسويق البضائع، بل يتمّ من خلالها تسويق أذواق وأساليب غذائيّة منمّطة، واختيارات في الألبسة مستنسخة عن ثقافات لا تشبهنا،  وتعمل بنعومة على ترسيخ إيقاع جديد للحياة، وتحفيز رغبة الاقتناء والاستهلاك.
والاســتهلاك هو ركـــيزة الحياة الجديدة التــي تنــــشرها مــواقع التواصل الاجتماعيّ، وقد أصبح هدفًا وأسلــوبًا من أساليب التمايز الاجتماعيّ التي فرضتها هذه المواقع، وهذا يؤدّي إلى تدافع الأفراد  نحو الاســتهلاك بصرف النظر عن حاجتهم الفعليّة. وانتشــرت مؤخّرًا ظاهرة «الاستهلاك المظهريّ»، الذي يعني الاستهلاك المفرط للسلع، والترفيه، وعرضها على مواقع التواصل للتباهي بها أمام الآخرين. الأمر الذي يقود معظم الأفراد إلى التوجّه المفرط نحــو المـتعة الحسّيّة وإلى الترفيه عن طريق استعمال المنتجات المختلفة.

وكلّ ذلك يتلخّص في أبسط محفّز وهو «الرغبة في الشعور بالرضى».

الاستهلاك الرقميّ وتغيّر معايير النجاح:
«أنا أمتلك فأنا الأقوى»
تؤسّس منصّات التواصل الاجتماعيّ مجتمعًا متمركزًا حول الأشياء، فكلّما امتلكنا أكثر أصبحنا أكثر نفوذًا وشهرة. وأكثر ما تروّج له هذه المنصّات هو «التفاهة»؛ لأنها صنعت ظاهرة من «المشاهير» الفارغين وأكثرهم رواجًا «الفاشينستا»؛ أي المرأة التي تتمحور حياتها حول كيفيّة إظهار جمالها من خلال اللباس وأدوات التجميل، وهي إحدى الصرعات الأخيرة في عالم الاستهلاك، وقد تكون من أسوأ أنواع التأثير التي يتمّ استخدامها في عمليّة التسويق، حيث ينشأ جيل كامل يعيش في عالم التواصل الاجتماعيّ، يعرض حياته ومقتنياته الجديدة –كلّ يوم- على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعيّ، ليكسب مزيدًا من المعجبين. وللأسف! تفشّت هذه الظاهرة بين أوساط الشباب والنساء، فلم تعد القدوة أبدًا للشابات والشباب الذين يصنعون الحدث، وإنّما لمشاهير «التفاهة».
استخدمت الشركات ظاهرة «مشاهير منصّات التواصل الاجتماعيّ» للتسويق لمنتجاتها، فأصبحت وسيلة ترويج مبتكرة للوصول لأكبر شريحة ممكنة من المستهلكين. ويعتبر التسويق عبر «المشاهير» أحد أهمّ توجّهات التسويق خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تخطّط  67% من العلامات التجاريّة لزيادة ميزانيّات الإنفاق على هذا التوجه خلال العام القادم، وخاصّة للترويج عبر الإنستاغرام.
وتكمن خطورة هذا الأمر في تنميط القدوة بصورة مثاليّة، فتصبح حياة هؤلاء «المشاهير» هي الحياة الطبيعيّة والمثاليّة التي يتمنّاها المتابعون على مواقع التواصل الاجتماعيّ. وهؤلاء يسوّقون لأنفسهم بوصفهم شخصيّات ناجحة استطاعت أن تتسلّق سلَّم النجاح والشهرة في وقت وجيز. بالتالي تحوّلنا إلى مجتمع استهلاكيّ بامتياز؛ حوّل مفاهيم تحديد معيار النجاح، فالمعيار الوحيد الذي يتمّ الاعتراف به اليوم هو المعيار المادّيّ فقط.
ويرى المحلّلون أنّ الاستهلاك المفرط يُخمد العقل ويفقده القدرة على التفاعل والتفكير والتحليل، حيث يتعامل الذهن مع المنتجات باستسلام وخضوع، بخلاف الإنتاج الذي يتطلب اتخاذ القرارات والمفاضلة بين الاختيارات والتجريب والمحاولة.
يتكوّن معنى الثقافة في أيّ مجتمع مما ينتجه، ولكن نحن من نعيش تحت وطأة شهوة الامتلاك والاستهلاك، في أي ثقافة نعيش؟ وما هو إنتاجنا الفعليّ لمجتمعاتنا العربيّة؟ خاصّة بعدما أصبح الاستهلاك الوظيفة العاديّة لحياتنا، وكأنّنا من دون أن نملك لا نكون شيئًا. ولكن من وضع هذا القانون؟ ولمصلحة مَن يتمّ استنزاف قدراتنا الشرائيّة؟
استطاع الغرب من خلال الإعلام الجديد تصميم مجتمعات قائمة على الاستهلاك، لكنّ الإشباع الدائم لشهوة الاستهلاك وسيلة مدمّرة للثقافة، وخاصّة لنا نحن الشباب. فبدل أن تكون التكنولوجيا وسيلة لخدمة البشريّة، أصبحت مصدر ثقافة استهلاكيّة، وقلّصت هدف وجودنا على قيد الحياة إلى غاية واحدة، هي: الاستهلاك من أجل البقاء.
إنّ وصول المجتمعات  والأفراد إلى مستوى رفيع من التطوّر الإنسانيّ،  يرتبط بترك شهوة التملّك. ونحن الشباب في هذا المخاض الذي تعيشه البشريّة علينا أن نحدّد هدفنا وحاجتنا بوضوح، وأن نكون فاعلين في شتّى الميادين، ننتج ثقافة تشبهنا من خلال فاعليّتنا في الحياة. فنحن نكون أحسن وأقوى لا بامتلاكنا الأشياء، بل بصناعة أنفسنا ومجتمعاتنا بالمعرفة والإيمان، وأن نكون نحن من يختار ماذا نملك بحسب حاجتنا.