-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : الإعلام الجديد والأمن الأسري؟!

الباحث :  زهراء السيد
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  7
السنة :  السنة الثانية - خريف 2019م / 1441هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 14 / 2019
عدد زيارات البحث :  2051
يلعب الإعلام دورًا مهمًّا في مجتمعاتنا، وتتفاوت أهمّيّته من حيث تقديم المادّة الإعلاميّة المتنوّعة التي تستهدف فئة محدّدة من الناس.
وقــد أصــبحت وســــائل الإعلام قادرة على تصوير القضايا والأحداث والأشخاص خلافًا للواقع الفعليّ، وهي تعمل على توظيف مفهوم الصورة الذهنيّة، فتعرض جزءًا من الصورة الحقيقيّة عن قضيّة ما وتقدّمها للجمهور على أنّها تمثّل الصورة الحقيقيّة بكامل أجزائها، وبسبب تعرّض المتلقّي المستمرّ لوسائل الإعلام تتكّون لديه صور ذهنيّة متعدّدة عن جملة من القضايا أو الأحداث بناءً على الاتجاهات السياسيّة والفكريّة والثقافيّة لتلك الوسائل.‏‏
وفي ظــــلّ التــطوّر الهائـــل في التكنولوجيا، لم يعد الإعلام مقتصرًا على التلفزيون والراديو والجريدة، إنّما تعدّاه إلى ما يسمّى «الميديا - media” التي شملت المواقع الإلكترونيّة والصحف والمجلّات الرقميّة. وهذه المواقع هي شبكات مجَّانيّة متاحة لكلّ شرائح المجتمع، صُمّمت لتسهّل العمل على مستخدميها؛ أيًّا كانت انتماءاتهم أو خلفيّاتهم أو لغاتهم، فأصبحت تلك الشبكات والمواقع وسيلة مهمّة جداً في نقل المعارف وتبادل الخبرات ودعم العلاقات بين مستخدميها، حتى أصبحنا نعاني ممّا يمكن تسميته بـ  «إدمان مواقع التواصل الاجتماعيّ»، الأمر الذي كان له تأثيره على المجتمع بشكلٍ عام، وعلى الضبط الاجتماعيّ بشكل خاصّ.
إنّ كلًّا منّا يعي أهمّيّة التواصل باعتباره عمليّة هادفة تقوم على نقل المعلومات وتبادل الآراء والخبرات من أجل تحقيق التفاعل والتفاهم وتبادل الثقافات، سواء أتمّ ذلك بطريقة مباشرة أم غير مباشرة.
وقد أصبحت الشبكات الاجتماعيّة جزءًا لا يتجزّأ من حياة الأفراد، وخاصّة الشباب منهم؛ لأنّهم الأكثر استخدامًا لمواقعها، فبات يتمّ الاعتماد على العلاقات الافتراضيّة التي تضحّي بالقيم العائليّة والاجتماعيّة.

من هنا قد تُطرح الإشكاليّة الآتية: ما هو أثر الإعلام الجديد على الأمن الأسريّ؟
لا شكّ أنّ الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، فإذا كانت العلاقات بين أفرادها سليمة وتفاعليّة، فسيؤدّي ذلك إلى خلق بيئة إيجابيّة تسهم في تغيير المجتمع بشكل إيجابيّ.
يشير علماء الاجتماع إلى أنّ الإعلام الجديد وبالتحديد مواقع التواصل الاجتماعيّ أثّرت سلباً على العلاقات الأسريّة؛ حيث اتّسعت دائرة  التباعد، وغاب الحوار، ونشأت فجوة في الأفكار بين الآباء والأبناء؛ ما أضعف الصلة والتقارب، وأفقد دفء العلاقات في الأسرة لصالح علاقات الصداقة الافتراضيّة، علماً أنّ الأمن والسكينة هما الأساس الذي تنشأ عليه الأسرة كما ورد في الآية الكريمة: ومن آياتهِ أنْ خَلقَ لكم من أَنفسِكم أزواجاً لتَسكنوا إليها وجَعل بينَكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون(سورة الروم، الآية 21).
وفي عصر التقنيات والفضائيّات المفتوحة أصبح الإعلام شريكاً مباشراً للأسرة في عمليّة التنشئة الاجتماعيّة، وقد يكون شريكاً سلبيّاً؛ لأنَّ التنشئة التقليديّة التي تقوم بها الأسرة تعمل وفق نظام اجتماعيّ مرتبط بالدين والعادات والتقاليد، أمّا التنشئة الناتجة عن الإعلام، فهي تنشئة هجينة من ثقافات متعدّدة لا يمكن وضع ضوابط لها أو السيطرة عليها. إنّ هذه الوسائل التكنولوجيّة الجديدة، بما تمتلكه من قدرة هائلة على جذب المتلقّي، كان لها الأثر البالغ في مــخاطبة العقول والأذهان، فقد مكّنت الأفراد من التعبير عن أنفسهم وطرح أفكارهم وتجاربهم وعرض خبراتهم لمن حولهم، كما سمحت لهم بتكوين علاقات جديدة، ولكن في مجتمع افتراضيّ ينخرط فيه كلّ فرد تبعًا لميوله وتوجّهاته.

الإعلام الجديد بين مفيد وخطِر:
على الرغم من وجود إيجابيّات للمواقع الإلكترونيّة تتمثّل في زيادة ثقافة الجمهور وجعله أكثر تفاعلاً مع المحيط، بحيث يكون مواكبًا للتطوّرات والمستجدّات، وهي تساهم في حصول الأفراد على كمٍّ من المعلومات بطريقة سهلة وسريعة.... لكنّها في الوقت نفسه أثّرت سلبًا على الفرد وجعلته أسيرًا لها، ليصبح الهاتف الذكيّ أو الحاسوب أو غيره من الوسائل التي أغرقته في بحر الحياة الافتراضيّة أكثر قربًا إليه من أيّ شيء آخر، وبدل أن تكون العلاقة وطيدة بين الأفراد، أصبحت كذلك بينهم وبين الآلة.
هذا الأمر انعكس بشكل كبيرٍ على الأسرة بعد أن انغرست التقنيّات والتكنولوجيا الحديثة فيها، ما خلق تباعدًا بين أفرادها وزعزع تواصلهم، ومتى تزعزع التواصل القائم على تفاعل الأفراد وفهم احتياجاتهم ونشأتهم بشكل سليم بعيدًا عن الانحراف الخُلقيّ والسلوكيّ، فإنّ المجتمع سيصاب بحالة من التفكّك وضعف التفاعل الاجتماعيّ أيضًا.
لا بدّ من عرض إيجابيّات هذه التقنيّات الحديثة وتوضيح سلبيّاتها التي إذا ما تمّ تجنّبها وفهم ما ينتج عنها، فإنّه من المؤكّد أنّ ذلك سيؤدّي إلى الحفاظ على الأمن الأسريّ القائم بالدرجة الأولى على فئة الشباب؛ لأنّهم الأكثر انخراطًا في عالم التكنولوجيا.
تتمثّل إحدى إيجابيّات الإعلام الجديد في أنّها تقلّل الجهد المطلوب لأداء المهمّات والأعمال، وتسمح للأسر بالمشاركة في العديد من الأنشطة بعد زيادة وقت فراغهم، ومعرفتهم كيفية استثمار هذا الوقت، خاصّة إذا خصّص جزء منه لتعليم الأطفال أو لتبادل الخبرات وتنمية القدرات داخل المنزل.
لكن هذا لا يعني دمج الوسائل الجديدة بشكل يوميّ في حياة الأسرة؛ لأنّ ذلك سيعرّض التطوّر الفكريّ واللغويّ عند الأفراد للخطر، وسيحدّ من خيالهم، خاصّة إذا أمضوا وقتًا طويلًا في غرفة منعزلة، وسيتحوّل التواصل بينهم من تواصل أسريّ إلى تواصل اجتماعيّ خارج دائرة الأسرة.
وبحسب دراسات أجراها علماء اجتماع حول أثر الإعلام الاجتماعيّ على الأطفال، تبين أنَّه يسهم في عزلتهم عن أُسرهم، ويصبح التواصل بين أفراد الأسرة قليلاً، وهذا يُضعف دور الآباء والأمّهات في تقديم النصح والإرشاد لأبنائهم، ويقلّل من العلاقات الدافئة والصادقة بينهم، ما يجعل الأبناء يبحثون عن حلول لمشاكلهم خارج إطار الأسرة من خلال الرجوع للأصدقاء والمجموعات الافتراضيّة التي قد تُشَكِّل قدوة سيّئة في بعض الأحيان. وهناك- أيضًا- مشكلة الإدمان على استخدام مواقع التواصل؛ حيث ترى عالمة النفس (كيمبرلي يونج) أنّ استخدامها أكثر من 38 ساعة أسبوعيًّا يعدّ إدمانًا[1].

مخاطر الإعلام الجديد:
يتلخّص تأثير الإعلام في التباعد الأسريّ في الآتي:

ـ تزعزع العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأسرة.

ـ غياب الجلسات العاطفيّة والودّية بينهم.

ـ جعل الفرد منعزلًا عن أقرانه في مجتمعه الخاص.

ـ تفكّك الروابط الأسريّة وقطع سبل التواصل مع الأقارب.

كما يمكن إدراج الآثار السلبيّة للإعلام على المجتمع بشكلٍ عامّ في العناوين الآتية:
التنشئة الاجتماعيّة: تسعى بعض وسائل الإعلام إلى إزالة بعض القيم وتثبيت أخرى، وذلك من خلال ما تقدّمه من نماذج تتعارض مع متطلّبات الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تسعى الأسرة لتوفيرها للأبناء.
الاستثارة العاطفيّة: تتعمّد بعض وسائل الإعلام استثارة مشاعر السخط والتمرّد من خلال عرضها وتركيزها على مشاهد العنف وإثارة الغرائز، فيسهل تحكّمها بأفكار الأفراد وأفعالهم.
تقليد ثقافة الآخرين: يميل الشباب من خلال تواصلهم مع أصدقائهم الافتراضيّين إلى محاكاتهم والتأثّر بثقافتهم المغايرة لثقافتهم الأصيلة، ويظهر ذلك من خلال تقليد الملبس والمأكل، إضافة إلى احتمال وقوعهم تحت تأثير ثقافة العنف والابتزاز والتهديد وتشويه صورة الآخر وغير ذلك.
تفشّي ظاهرة الثقافة الهابطة: ويساعد على ذلك اهتمام الشباب- الذين يمثّلون الفئة الأكثر فاعليّة في المجتمع- بالموضة؛ من ملابس، وقصّات شعر، وعمليّات تجميل، والتوجّه إلى تقليد الإعلاميّين، وغيرهم من الشخصيّات المشهورة. والأخطر الاهتمام بالثقافة الغربيّة وتقليدها على حساب الثقافة الملتزمة التي تطوِّر شخصيّة الأفراد وترفع من شأن أمّتهم.[2]
أخيراً، تكمن أهمّيّة توعية أفراد في اختيار ما هو مفيد من البرامج، واستخدام الوسائل التكنولوجيّة الجديدة بشكل سليم، إضافة إلى ضرورة مراقبة السلوك لتجنّب التأثيرات السلبيّة التي تهدّد أخلاقيّات الفرد ومعتقداته، وللعمل على حماية الأسرة العربيّة من تأثير ثقافة العولمة من خلال ترسيخ العقيدة في نفوس الأطفال والشباب، سواء أكان على المستوى النظريّ أم العمليّ، وهذا منوط بالأسرة والمدرسة ودور العبادة والنوادي الثقافيّة ووسائل الإعلام. كذلك لا بدّ أن تقوم الأسرة بدورها في توجيه أبنائها نحو استثمار أوقاتهم في العمل التطوعيّ، والقراءة وممارسة الهوايات، بعيداً عن إدمان شبكات التواصل الاجتماعيّ، وأن تعمل على توجيههم نحو استخدام الشبكة العنكبوتيّة لأغراض علميّة تعليميّة؛ منها: إجراء الأبحاث مثلاً؛ لأنّ في ذلك توسيعًا لآفاقهم المعرفيّة. والأهمّ هو غرس القيم الإيجابيّة لدى الأبناء التي تساعد على ضبط سلوكهم أثناء استخدام شبكات التواصل الاجتماعيّ؛ وأهمّها قيمة الانضباط الداخليّ والرقابة الذاتيّة.
في الختام، لا بدّ من الاعتراف بأنّ الإعلام الجديد فرض نفسه، وبات لا بدّ من وجوده، وتأثيره واضح جدّاً، خصوصًا على فئة الشباب؛ لذلك من الضروريّ الالتفات إلى كيفيّة التكيّف معه والاستفادة منه لحماية المجتمع والأسرة من التباعد والتفكّك من خلال نشر الوعي بين الأفراد لتمكينهم من فهم الإعلام وأهدافه وتوجيههم للاستخدام الصحيح والفعّال.

-------------------------------------------
[1]   يراجع: هشام البرجي، تأثير شبكات التواصل على العلاقات الاجتماعيّة في الأسرة
. www.acrseg.or.2016
[2] يراجع: أسعيد، محمد توهيل: هذه هي العولمة، ط1، دار الفلاح للنشر والتوزيع، الكويت، 2002م، ص398.