-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : الشباب ومنصات السوشيال ميديا

الباحث :  خضر حيدر
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  7
السنة :  السنة الثانية - خريف 2019م / 1441هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 14 / 2019
عدد زيارات البحث :  413
“العالم، بفضل تكنولوجيا الإعلام والاتصالات المتطوّرة، بات قرية كونيّة مصغَّرة”
مقولةٌ ظلّت على مدى عقدين لازمةً تُتداول على ألسن الناس، وخصوصاً الباحثين في مجال الإعلام والسياسة وعلم الاجتماع، لكن لم يكن يدور في بال مَن أطلقها أنّه سيأتي يومٌ تتقلّص فيه هذه القرية أكثر فأكثر، حتى يصير التعرّف على العالم ضمن حجرةٍ في منزل، أو داخل سيّارة، أو ربما تحت ظلّ شجرة، وكلّ ذلك بفضل وسائل التواصل الاجتماعيّ التي دخلت كلّ البيوت دون استئذان، وباتت في متناول الكبار والصغار، يواكبون من خلالها الأحداث لحظة بلحظة، بل باتوا- أيضاً- قادرين على المشاركة في صناعة الخبر ونشره في أرجاء الكون بثانية واحدة.
ولا شكّ في أنّ تلك الأرقام التي توردها الأبحاث والدراسات حول نِسَب استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ بلغت درجات قياسيّة؛ فقد كشف تقرير أجرته شركتا “هووت سويت” و “وي آر سوشيال” المتخصّصتان في هذا المجال، أنّه قد بلغ عدد مستخدمي الإنترنت 3 مليار مستخدم حول العالم، أي ما يقارب 40% من سكّان الكرة الأرضيّة. وأظهر التقرير أنّ مستخدمي الشبكة العنكبوتيّة عبر الهواتف الذكية بلغ 2,780 مليار شخص[1].

من هنا يمكن أن يُطرح السؤال الآتي:
أيُّ ثورة هذه التي قلبت أنماط الحياة وأنظمة القيم، خصوصاً لدى جيل الشباب الذين تقع عليهم مهمة بناء مستقبل أوطانهم وتقرير مصير شعوبهم؟
واقع الحال أنّها حياة جديدة ومذهلة، لا بل مقلقة، هي مذهلة لأنّه صار بمقدور أيّ فرد أن يبني منصّته الخاصّة التي يطلّ بها على العالم، مبدياً آراءه بلا قيود ولا ضوابط، كما صار قادراً على المساهمة في إحداث ثورات، أو قلب معادلات، أو تشكيل رأي عامّ حول قضايا مختلفة في وطنه، بل على مستوى العالم؛ وهي مقلقة لأنّ مستخدمها بات عرضة لأهواء لا يحدّها حدّ، ولشائعات تنهمر عليه من كلّ حدبٍ وصوب، مع ما يترتّب على كلّ ذلك من تداعيات وآثار خطيرة.

الفئة الأكثر تفاعلاً؟!!
لا يخفى أنّ فئة الشباب هي الأكثر تفاعلاً مع وسائل التواصل الاجتماعيّ، وأسباب ذلك عديدة ومتنوّعة يمكن إجمالها بما يأتي:
- أوّلاً: إنّ الشباب يجدون في هذه المنصّات باباً يدخلون منه للتعرّف على عوالم مجهولة، ونافذة يطلّون من خلالها على الأحداث المحيطة بهم، ويتفاعلون معها، بغية المشاركة في صناعتها.
- ثانياً: إثبات الذات؛ فالشاب (ذكراً كان أو أنثى) يكون في ذروة الاندفاع لتحقيق الطموحات والمواهب بكلّ إمكاناته وقدراته، كما يكون بطبعه شعلة متّقدة طامحة إلى الحرّيّة، فيجد في هذه المنصات قاعدة منيعة للانطلاق، ويجد في نفسه الأهليّة ليكون قائداً قادراً على التعبير عما يجول في نفسه من أفكار.
- ثالثاً: إنّ الثورات والتحرّكات الشعبيّة والاضطرابات والاعتصامات التي تنطلق في غير مكان من العالم، عصبها الأقوى هم الشباب الذين لم تعد تكفيهم البيانات الإعلاميّة الرسميّة، أو مركزيّة القرارات، بل صار كلّ فرد منهم مهيَّأً لأن يقود من منصّته حراكاً، أو يُرَوِّج لفكرة ورأي بلا حسيب ولا رقيب. وليس غريباً أن نسمع اليوم بكثرة ما أطلق عليه “الجيش الإلكترونيّ” للتعبير عن الحملات المنظّمة التي تقوم بها مجموعات شبابيّة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ للتعبير عن موقف داعم لفريق، ومناهض لفريق آخر.

حرب الجيل الرابع!!!
على الرغم من فوائدها الكثيرة، تبقى منصّات “السوشيال ميديا” حقلاً منتجاً للقيم السلبيّة. وبسبب عدم القدرة على التحكّم بها، تشكّل مجالاً خصباً للتلاعب بالعقول والتأثير على الميول النفسيّة والمعنويّة. فهي دائماً عرضة للاختراق، ومطيّة لفبركة الشائعات، وحرف الأمور عن نصابها الحقيقيّ، الأمر الذي كانت له عواقب سلبيّة شتّى على الدول والمؤسّسات، وكذلك على الأُسر والأفراد والمجتمعات الأهليّة.
في هذا السياق، يتحدث علماء الاجتماع عن حرب من نوع جديد تسمّى “حرب الجيل الرابع”[2]، لها أسلحتها وتقنيّاتها الخاصّة المتمثلة بالشائعات والفتن والأخبار المضلِّلة. يقول عنها المفكّر الفرنسيّ “روجيه غارودي”: “الآن يقاتل الغرب بالحرب الصفريّة، فالعدو يقتل نفسه، والعدو يدفع ثمن السلاح، والعدو يطلبنا للتدخّل فلا نقبل”[3].
أمّا الروائيّ الأميركيّ “مايكل فروست”، فيؤكّد: “أنّ الإنترنت هو المكان الأسرع والأكثر تداولاً للشائعات غير الحقيقيّة”[4].
ويقول المؤرّخ الإسكتلنديّ والكاتب “توماس كارليل”: “إنّ أوهامنا تتفاعل مع احتياجاتنا وآمالنا، وتنتج من هذا التفاعل ظروف خصبة تعيش فيها الشائعات التي تنتشر بسرعة أكبر”[5].

مكافحة الأخبار الكاذبة:
على الرغم من كون الغرب هو الموطن الذي نشأت فيه الميديا، لكنّه لم يستطع التحكّم بآثارها وتداعياتها الخطيرة على مواطنيه فضلاً عن مؤسّساته الحكوميّة، ولعلّ من أهم القضايا التي شكّلت هاجساً يوميّاً لدى السلطات المحلّيّة، ومراكز الأبحاث العلميّة هي الأخبار الكاذبة والوهميّة التي تعجّ بها وسائل التواصل، والتي انعكست في كثير من الأحيان على الأمن القوميّ والاقتصاديّ لبعض الدول.
ففي دراسة حول ظاهرة انتشار الأخبار الكاذبة قام بها باحثون أميركيّون من جامعة “ماساشوستس للتكنولوجيا” ونشرتها مجلة “ساينس”، تَبَيّن أنّ 3 مليون شخص قاموا بإعادة “تغريد” أخبار غير صحيحة 4 مليون مرة على موقع “تويتر”. وخلص الباحثون إلى أنّ المحتويات الزائفة، سواء أكانت نصًّا أو فيديو أو صورة، تتمتع بفرصة انتشار تتجاوز 70% مقارنة بالحقيقيّة[6]، كما أشارت الدراسة إلى أنّ وزير العدل الألمانيّ هيكو ماس دعا إلى نصّ قانون ضد “خطاب الكراهيّة” و”الأخبار الكاذبة” على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وهذا الأمر دفع موقع “فايسبوك” إلى طرح تطبيق جديد في ألمانيا هدفه التأكّد من الأخبار قبل نشرها[7].
من هنا، تعمل الهيئات الرسميّة والأمنيّة والاجتماعيّة وغيرها في كلّ دول العالم على تشكيل أجهزة لمكافحة آفّة الشائعات والأخبار الكاذبة.
وقد نهت التعاليم الدينيّة، ولا سيّما الإسلاميّة بشدّة عن سَوق الاتهامات والافتراءات، ونشر الأخبار قبل التحقّق من صحّتها؛ لما تنطوي عليه من إشاعة الفساد في الأرض، حيث يقول تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (سورة الحجرات، الآية 6).
وفي مورد آخر نهى القرآن الكريم عن الخوض في قضايا ومواضيع لا دراية لنا فيها؛ لما لذلك من تبعات سلبيّة، بل مدمّرة، قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (سورة الإسراء، الآية36).

لتفادي الجريمة الإلكترونيّة...
بما أنّ “السوشيال ميديا”، صارت وسيلة فعّالة تلجأ إليها المنظّمات الإرهابيّة، وشبكات الإجرام المنظّم، للترويج لأفكارها، وتنفيذ مخطّطاتها، فهذا يعني أنّ لها مخاطر أمنيّة أيضاً؛ لذا تجهد المنظّمات المعنيّة، ومنها الإنتربول، لوضع استراتيجيّات تهدف إلى مكافحة هذه الأعمال التي تهدّد أمن الدول والمجتمعات.
إلى ذلك، بات المجتمع المصغّر، أيّ الأسرة، والعلاقات الاجتماعيّة والعائليّة عرضة للتفتّت؛ لما تنطوي عليه وسائل التواصل الاجتماعيّ من مواقع تفتح أبواباً لرياح التفلّت الأخلاقيّ، كما تبني جُدُراً سميكة أمام التواصل المباشر بين الأفراد، ولا سيّما إذا وصل استخدام الشبكة العنكبوتيّة إلى حدّ الإدمان.
ولا تقتصر سلبيّات الإدمان الإلكترونيّ على الكيان الأسريّ، بل تطال ـ أيضاً ـ الجانب الصحيّ والنفسيّ للشخص؛ فبالإضافة إلى ما يشعر به من إرهاق جسديّ، وقلق، وأرق، واكتئاب، جرّاء الاستخدام المفرط لوسائل التواصل، قد يصل به الأمر إلى حدّ الضرر العقليّ.
وفي هذا الإطار، أجرت مجموعة من الباحثين في جامعة “هيوستن” الأميركيّة دراسة نشرتها صحيفة “جورنال أوف سوشيال أوف كلينيكال”، خلصت إلى أنّ مدمني موقع “فايسبوك” يمكن أن يصابوا بأضرار نفسيّة حادّة، وقال المشرف على الدراسة “ماي لي ستيرز”: “إنّ معظم الناس يميلون إلى التفاخر؛ لذلك هم يصوّرون أنفسهم دائماً بأفضل الأحوال مقارنة بالآخرين الأقلّ حظّاً، لكنّ الاستخدام المتواصل للموقع يهبط مزاجهم العام، ويولّد حالة من تدنّي الاحترام للذات، ومع الوقت يشعرون بالأسوأ”.

كذلك أجرت جامعة “نونتغهام ترينت” البريطانيّة 43 دراسة خلصت فيها إلى أنّ الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي يعدّ مشكلة عقليّة تتطلّب علاجاً.
أخيراً، ينبغي التذكير بأنّ الغاية مما أشرنا إليه، ليس شرح فوائد “السوشيال ميديا” بقصد الترغيب، ولا الإضاءة على مخاطرها بقصد الترهيب، إنّما الغاية هي وضع الأمور على نصاب الحذر، والفهم الصحيح في طريقة التعامل مع عالم بات بالنسبة إلى ملايين من الناس أمراً واقعاً، وجزءاً من نمط الحياة المعاصرة، وهذا يقتضي أن يتنبّه القيِّمون على المؤسّسات التربويّة والفكريّة والثقافية إلى حقيقة ما تحويه الميديا وسائر مواقع التواصل الاجتماعيّ من مواد يختلط فيها الحسن والقبيح، بما لذلك من أثر كبير على بنية القيم الأخلاقيّة والمعنويّة في مجتمعاتنا.
وعليه، فقد أصبحت الحاجة ماسّة وضروريّة لبلورة علم ميديا إسلاميّة؛ أساسه مكارم الأخلاق النبويّة، تنتظم من خلاله قواعد التعامل والسلوك حيال الموجات الهائلة من المعلومات المشوّهة التي تخترق بيئاتنا الإسلاميّة من كافّة الشرائح والأعمار.

وفي هذا الصدد لا بدّ لنا من الاعتراف بأنّ المهمّة شاقّة، ولكنّها ليست مستحيلة، إذا ما تمّ توظيف الجهود الخلاّقة في هذا الاتجاه، فقد آن الأوان لوضع البرامج والاستراتيجيّات العلميّة الدقيقة لإعادة الاعتبار للبناء الأخلاقيّ في عالم الميديا، ولا سيّما في أوساط الشباب المسلم، حيث تنخرط الغالبيّة العظمى منهم في لعبة التواصل الاجتماعيّ من دون أيّ ضوابط أو معايير قيميّة تحدّدها الجهات المعنيّة.

ولعلّ أبرز الضوابط والمعايير التي ينبغي العمل بها:
- أولاً: الجانب الشرعيّ: وهو الالتزام بالأخلاقيّات التي حثَّ عليها الإسلام، والنأي بالنفس عن التصرّفات المسيئة التي نهى عنها. ففضاء الشبكة العنكبوتيّة مفتوح على الأفكار والصور والفيديوهات التي تفسد الذوق والأخلاق، كما فيه أهواء منفلتة من عقالها قد تؤدّي بمن يتَّبعها إلى المهالك.
- ثانياً: الجانب العقديّ: وهو الحرص على حماية العقيدة الإسلاميّة من هجمة التيارات المعادية، سواء أكانت قادمة من الغرب الاستكباريّ، أم من منظّمات الإرهاب التكفيريّ التي ينوء بها مجتمعنا. وفي المقابل، على شبابنا تحويل هذه المنصّات إلى قواعد إظهار سماحة الدين الإسلاميّ والفكر المتنوّر الذي يواكب حركة التطوّر في المجتمعات على مرّ العصور.
- ثالثاً: الجانب النفسيّ: وهو الجانب الذي ينبغي التنبّه إليه جيّداً؛ لما له من انعكاس على توازن الفرد وتفاعله مع المحيطين به من أسرة ومجتمع، فالاستسلام الكلّيّ لما تعرضه وسائل التواصل الاجتماعيّ المختلفة، يجعل الشباب رهائن الأفكار المتلاطمة، عاجزين عن تكوين وجهة نظر خاصّة، كما تجعلهم انطوائيّين غارقين في الكآبة، وغير متفاعلين مع الآخرين.
- رابعاً: تعزيز ثقافة التشكيك بيقينيَّة الأفكار والصور والأفلام المركَّبة التي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعيّ، بوصفها عاملاً أساسًا في الحدّ من عمليّات التضليل.
إنّ هذه الأمور وغيرها مسؤوليّة الشباب أولاً، ومسؤوليّة الجمعيّات الدينيّة والهيئات الرسميّة والأهليّة ثانياً. وبتضافر الجهود واجتماعها نستطيع أن ننأى بشبابنا ومجتمعنا، بعيدًا عن مهاوي الزلل والمعاصي والأخطاء المدمّرة.

-----------------------------------------
[1]ـ   يراجع: موضع France 24.
[2]ـ  يراجع: عليويّ، عامر: حروب الميديا، صحيفة «الرأي» الأردنيّة، الأردن، 21/2/2019.
[3]ـ  يراجع: عليويّ، عامر: حروب الميديا، صحيفة «الرأي الأردنية»، 21/2/2019.
[4]ـ  (م.ن).
[5]ـ  (م.ن).
[6]ـ  تقرير نشره موقع «دولتشي فيلي» الألمانيّ.
[7]ـ  (م.ن).