-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : ظاهرة الطلاق عند جيل الشباب

الباحث :  معتصم أحمد قوتة
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - صيف 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 4 / 2019
عدد زيارات البحث :  363
تمثّل ظاهرة الطلاق ـ باعتبارها ظاهرة اجتماعيّة ـ أحد مظاهر الاختلالات البنيويّة التي أصبحت تميّز المجتمعات العربيّة الراهنة، فالازدياد المضطرد لها أصاب المؤسّسات الاجتماعيّة العربيّة بحالة من «الذهول» جعلها تبحث عن حلول سريعة ـ ومتسرّعة أحياناً ـ لظاهرة هي من التعقيد بدرجة تجعلها مستعصيّة عن كلّ مقاربة انفعاليّة أو استعجاليّة. وتبدو أهمّيّة مقاربتها مقاربة سوسيولوجيّة وعلميّة ممتدّة عبر الزمن، ومؤطّرة مؤسّساتيّاً بشكل يحدّد لها أهدافاً، ويسخّر لها إمكانيّات ووسائل متوائمة مع أهمّيّتها. والأمر هكذا، فإنّ الطلاق يحتاج إلى فهم أسباب حدوثه بغية الوصول إلى إدراك آثاره، ومن ثم العمل على استنتاج حلول ناجعة له.

الطلاق بين الأمس واليوم:
عند الاطلاع على الإحصائيّات الرسميّة وغير الرسميّة يصطدم الباحث والمهتم بالقضايا الاجتماعيّة بتزايد حالات الطلاق في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة وغير الإسلاميّة، ويجد أنّ أكثر أسباب الطلاق متشابهة، وإن كانت بعض الأسباب قد اختفت أو قلَّت في الأدبيّات والدراسات التي تناولت ظاهرة الطلاق؛ مثل: تعدّد الزوجات أو عدم تنظيم الإنجاب، أو الأمّيّة، أو الفقر المُدقع (الشديد)، إلا أنّنا نجد في المقابل أنّه قد برزت الخيانة الزوجيّة باعتبارها واحدة من أهم أسباب الطلاق بعد أن كانت من الأسباب الثانويّة في أدبيّات ودراسات الماضي، لعلّ ذلك يعود إلى عصر التكنولوجيا، وشبكات التواصل الاجتماعيّ (الفايسبوك والتويتر وغرف الدردشة)، ودورها في عقد علاقات محرّمة بين الرجال النساء، أو نسج علاقات تشوبها الشبهات والانحرافات على أقلّ تقدير. كما أنّ الأمّيّة تراجعت ـ باعتبارها سبباً رئيساً من أسباب الطلاق ـ ليحلّ محلها العلم والثقافة.
ومن المعروف أنّ الأمّيّة قد تراجعت في المجتمعات العربيّة، بفضل الجهود المبذولة في محاربتها، ولكنّنا أصبحنا أمام أمّيّة وجهل من نوعٍ آخر..، يتمثّل في جهل كلٍّ من الزوجين لمعنى العلاقة الزوجيّة وقدسيّتها، والتي تقوم على الاحترام المتبادل والمحبّة بين الشريكين، كما أنّها مودّة ورحمة وإخلاص وتفانٍ ومسؤوليّة.

مخاطر الطلاق:
 ظهر في بعض المجتمعات العربيّة ما يعرف بالطلاق المعلّق أو الصامت، وهو أن تعيش المرأة مع زوجها تحت سقف بيت واحد دون أن تكون هناك علاقة ودّيّة أو جنسيّة بينهما؛ لذا قد يتوهم الناس أنّ هذين الزوجين لم يعرفا الطلاق والانفصال يوماً، ويعود ذلك لعوامل اجتماعيّة، أبرزها الخوف من الفضيحة، والحرص على الأولاد، وما شابه ذلك. ولعلّ آثار ظاهرة الطلاق غير المعلن أكثر خطورة من انفصال الزوجين دون طلاق؛ إذ إنّ الزوجين المُطلَّقين يصيبهما حالة من الاكتئاب والشكّ، وتتحوّل حياتهما إلى جحيم لا يُطاق، وقد تقود إلى حالات انتحار أو دعارة أو زنا، كما أنّ ذلك من أهمّ أسباب تشرُّد الأبناء وضياعهم، أو تأخّرهم دراسيّاً، وضياع مستقبلهم، فبعض الأطفال وهم في عمر الزهور يجد نفسه في الشارع، يتسكّع ليوفّر له ولأمّه لقمة العيش كما في الدول والمجتمعات الفقيرة.
وللأسف، فإنّ دور المؤسّسات الاجتماعيّة الحكوميّة والخاصّة التي تعنى بالطفولة والأمومة والأسرة ضعيف في قدرته على الحدّ من ظاهرة الطلاق؛ وذلك بسبب إمكاناتها المحدودة، وعدم التعاون والتنسيق فيما بينها، وتزايد حالات الطلاق. وتشير الدراسات السابقة إلى أنّ أغلب حالات الطلاق تقع بين الفئات العمريّة الشابّة، أي من 25-30 سنة، وتكون بين حملة الشهادة المتوسطة والثانويّة بشكل أكبر، بالقياس إلى حمَلَة الشهادة الجامعيّة، ويرجع ذلك إلى تعقّد الحياة وتطوّرها، وفقدان القناعة والرضى من حياة الناس.
إن أوَّل مَن يتأثر بالطّلاق هم الأبناء الذين يضيعون بين الأمّ والأب، ويغرقون في بحر من المشاكل النفسيّة، ويشعرون بالنقمة والتمرد على المجتمع نتيجة شعورهم بالحرمان من حنان الأبوين وحمايتهما، وهي مشاكل قد تبقى ملازمة للإنسان في كلّ مراحل عمره، أما الزوجة فهي الخاسر الأكبر في مجتمعاتنا العربيّة؛ إذ تحيط بها النظرة السيّئة (بوصفها امرأة مطلَّقة)، ناهيك عما يستتبع ذلك من أحقاد وكراهيّة بين عائلتي الزوج والزوجة، ما يؤدّي إلى تفكّك المجتمع.

لكي لا يقع الطلاق:
لقد أصبح من الضرورة بمكان أن تقوم مراكز مختصّة بتهيئة الشباب المقبلين على الزواج، بحيث يتمّ توجيه النصائح المفيدة حول سبل معالجة المشاكل والخلافات فيما بينهم، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المشاكل التي قد تبدو صغيرة ينبغي ألا تُهْمَل، لأنّها ستتراكم مع الوقت، وأفضل الأساليب لحلّها هو اعتماد الصراحة والصدق، والاستعانة بذوي الخبرة والحكمة من الأهل والمقرَّبين.
أما الخطوبة فينبغي ألا تقلّ عن السنة، ليتعرّف كل من الشريكين إلى الآخر، وهنا يجب عدم التصنّع والتكلّف خلال تلك الفترة، أما بعد الزواج فالأفضل ألا يحدث إنجاب في السنوات الأولى للزواج، إذ إنّ أغلب حالات الطلاق تقع بين المبتدئين في الزواج، وربما تكون لأتفهِ الأسباب، حيث يصطدم الزوجان بعدم قدرتهما على تفهُّم بعضهما بالشكل المطلوب، وعدم القدرة على التخلّص من مرحلة ما قبل الزّواج، وخاصّة عند الزّوج، وعدم التّأقلم مع المرحلةِ الجديدة المختلفة في حياة كلٍّ منهما. 
كما يجب أن يكون الوالدان مثالاً حيّاً وقدوة صالحة في الإخلاص والصدق والتفاني، والسعي لتربية الأبناء منذ الصغر على تحمّل المسؤوليّة، وزرع الوازع الدينيّ في نفوسهم، لكي يكونوا مهيَّئين للزواج، يفهمون معناه، ويقدّسونه، ويقتدون بأسلافهم في حياتهم الزوجيّة.
ختاماً، إنّ الزواج هو عقد شراكة سامية بين الزوج والزوجة من أجل بناء منزلٍ هانئٍ سعيد؛ لذلك ينبغي أن تعتمد هذه الشراكة على الاختيار الحرّ والمتبادل بينهما، دون أيّ نوعٍ من أنواع الضغط أو الإكراه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن يتنازل كلٌّ منهما للآخر، لكي يحدث بينهما التفاهم والانسجام اللازمان لبناء دعائم الأسرة والمجتمع؛ بعيداً عن المشاكل التي تكون نتيجتها -غالباً- الطلاق مع ما له من تداعيات سلبيّة على الأسرة والمجتمع.