-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : نحو حياة زوجية طيبة

الباحث :  د. أحمد علي الشامي
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - صيف 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 4 / 2019
عدد زيارات البحث :  1160
لا شكّ أنّه لا يمكن لمقالة أن تتناول موضوع الزواج الناجح عند الشباب من كلّ جوانبه؛ لما يُثار حوله من إشكاليّات تجعله أكثر تعقيداً، لكن ذلك، لا يعفي من ضرورة التصويب على الفاعل الأشدّ تأثيراً في إثارة تلك الإشكاليّات وطرحه في هذه المقالة.
في هذا المجال، يُلفت الباحث في الاجتماع الإنسانيّ إلى مستوى الاهتمام المتنامي بمسألة الزواج وتشكيل الحياة الأسريّة، ولا سيّما لدى الشباب، والذي يدفع نحو مزيد من الفضول العلميّ هو أنّ هذا الاهتمام يكثر في المجتمعات الغربيّة، على خلاف الانطباع السائد بأنّ الأسرة لم تعد تتصدّر قائمة الأولويّات في تلك المجتمعات. فبمجرّد أن يضغط الباحث على محرّك البحث الإلكترونيّ تبرز أمامه سلسلة من الدراســـات العلميّة التي تنشرها مراكز دراســـــــات غربيّــة، والـــتي تكاد تُجمع على أهمّيّة زواج الشباب، وما يُحدثه ذلك من تأثيرات إيجابيّة عليهم وعلى المجتمع عامّة.
بينما تكثر في مقابل ذلك المؤشّرات التي تتحدّث عن تراجع ملحوظ في المجتمعات الشرقيّة في الإقبال على الزواج وتشكيل الأسرة، ولا سيّما، في المجتمعات ذات الثقافة الإسلاميّة، وهذا يتعارض مع الثقافة الدينيّة التي تولي اهتماماً بالغاً بالتزويج، حيث تعتبره كمالاً للإنسان. فالأدبيّات الإسلاميّة التي تحثّ على الزواج واسعة ومتنوّعة، منها، ما ورد عن الرسول الأكرم s: «ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من التزويج»[1].
فالمسألة تتجاوز كونها مجرّد أزمة ثقافيّة؛ لأنّ الأدبيّات الإسلاميّة ذات الصلة لا تزال تنساب ضمن أطر المجتمعات الإسلاميّة، الضيّقة منها والواسعة، فما أن يبلغ الشاب عمراً معيّناً حتّى يصبح عرضة لأكثر الأسئلة تداولاً: متى سنفرح بك؟ ويتبع ذلك استحضار تلك الأدبيّات التي تضع الشاب المنكفئ عن الزواج، في موضع المخالف والعاصي لتعاليم دينه الحنيف، وهذا ما يعفي المقال من حاجة الإسهاب في الحديث عن أهمّيّة التزويج.
لكنّ الذي يستحق التوقّف أمامه، ما يتضمنه الميل السلبيّ عن الزواج في مجتمعاتنا من تبريرات دفاعيّة، وفي مقدمتها، أنّ الزواج لم يعدّ مصدراً للسعادة، حيث يستدلّ على ذلك بمؤشّرات ما عادت خافية على أحد تتناول الارتفاع المتنامي لمعدّلات حالات الإعراض عن الزواج والانفصال بين الأزواج.
في الحقيقة، إنّ ما يقدّم من تبرير هو انعكاس لقراءة غير موضوعيّة لتلك المؤشّرات السلبيّة، وخاصّة حين يتمّ تعميم التجارب الفاشلة في الزواج على الزواج بشكل عام. وهنا، من المفيد قراءة معطيات الدراسة التي أجراها باحثون من «كلّيّة فانكوفر» البريطانيّة[2]؛ لاستطلاع ما إذا كان الزواج مصدر سعادة أم لا؟ حيث كشفت الدراسة التي جُمعت بياناتها من حوالي 30 ألف شخص، بين عامي 1991 و 2009، أنّ المتزوّجين منهم يشعرون بالسعادة والارتياح بالحياة أكثر من العازبين. وقال البروفيسور «جون هليويل»، المشارك فى إعداد الدراسة، أنّه مع مرور سنوات من الزواج لا يزالون أكثر ارتياحاً. وخلُصت الدراسة إلى استنتاج واضح وجليّ، بأنّ أُوْلى دوافع عدم انخفاض مستوى السعادة في الزواج مع مرور الوقت، هو الاختيار الصحيح للشريك.
لقد لامست الدراسة البريطانيّة أكثر العوامل تأثيراً في نجاح الحياة الزوجيّة أو فشلها، فما من عصر من العصور قد خلا من أشكال التحدّيات والعوائق والمنغّصات، وإن اختلفت بين عصر وآخر، ومع ذلك بقيت الحياة الزوجيّة تنتج عبر الأسرة أفراداً، منهم من يدفع مجتمعه نحو التقدّم، ومنهم من يدفعه نحو التخلّف، ويعود ذلك إلى جملة من العوامل، يتقدّمها مستوى الالتزام بالمعايير الصحيحة لاختيار للشريك.
وبناءً عليه، فإنّ القراءة التي يمكن أن تؤسس لعلاقة زوجيّة ناجحة كنتيجة، يجدر بها ابتداءً بيان المعايير التي تمكّنها من ذلك، بوصفها مقدمات أساسيّة. وفي هذا المجال، نستحضر المعايير التي أوصانا بها القرآن الكريم وأهل بيت النبوّة b، وبما أنّ المجال لا يتسع للإحاطة بكل هذه المعايير، نكتفي بذكرها بعضها:
أولاً: التديّن لا الدين فقط: إنّ أولى المعايير في اختيار الشريك، هو معيار التديّن، وفي هذا المجال، يجب إزالة التباسَيْن يُعيقان المقاربة الموضوعيّة لهذا المعيار الأساس، أوّلها، أنّنا عندما نرجع إلى قول الرسول الأكرم محمّدs: «عليك بذات الدين»[3]، يذهب بعض الأشخاص إلى أنّ الرسول s قد خصّ المرأة بهذا المعيار دون الرجل، مع أنّ الحديث قد جاء في معرض إجابة أحدهم عن سؤال حول مواصفات الزوجة الصالحة له، وما يدلّ على أنّ هذا المعيار هو للرجل كما هو للمرأة، كثرة الأحاديث التي تضمّنتها سيرة أهل بين النبوة b حول معيار التديّن للزوج الصالح، منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يُروى عن الإمام الحسن بن عليّ g عندما جاءه رجل يستشيره في تزويج ابنته، فقال له: «زوّجها من رجل تقيّ، فإنّه إن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها»[4].
أمّا الالتباس الثاني، فهو أنّه كثيراً ما يقع الخلط بين الدين وبين التديّن، فالأوّل يصلح في جانب منه لحلّية أصل الزواج، ولكنّه ليس كافياً لاختيار الزوج المناسب؛ فكثير من الشباب يركّزون على طائفة الشريك ومذهبه أكثر ممّا يركّزون على حقيقة تديّنه، وشتّان بين من يكتفي بحمل اسم الدين وبين من يعمل به. فالتديّن هو الصفة الملازمة للإنسان الذي يؤمن بأنّ الله يراه في كل نواياه وأفعاله؛ لذلك، يحرص على عدم المعصية؛ وعندما يكون الدين هو الحبّ، يغدو الظلم مظهراً للمعصية.
ثانياً: جمال الداخل قبل الخارج: دعونا نسلّم بأنّ الاختيار بالإكراه أو بالواسطة قد انحصر كثيراً، ما يعني، أنّ أغلب حالات الاختيار باتت تتمّ بالاختيار، ومع ذلك، يقف من يُجري معاملات الطلاق مندهشاً، عندما يسمع من أحدهم أنّه ما عاد يطيق النظر إلى الطرف الآخر والعيش معه، على الرغم، من امتلاك هذا الآخر لمواصفات خارجيّة تخالف هذا الشعور. ولكن السبب في الحقيقة هو أنّه عندما تمّ الاختيار قد جرى تجاوز واحدة من أهم المعايير التي حددها الرسول الأكرم محمّد s للزوجة المناسبة في قوله: «إيّاكم وخضراء الدِّمَن، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدِّمَن؟ قال: «المرأة الحسناء في منبت السوء»[5]. وهذا المعيار الذي قيل بحق الزوجة ينطبق على الزوج أيضاً، ففي رواية عن حسين البشّار قال: كتبت إلى أبي الحسن g: إنّ لي ذا قرابة قد خطب إليّ وفي خُلُقه سوء، فقال: «لا تزوّجه إن كان سيّئ الخلق»[6].
ثالثاً: التكامل لا النِديّة: ليس من المبالغة القول إنّ تسلل فكرة المساواة الكليّة بين الذكر والأنثى إلى شخصيّة الشريك، باتت تقف خلف كثير من الخلافات الزوجيّة، فهذه الفكرة التي تنتشر في مجتمعاتنا والتي تتعارض مع الدين الإسلاميّ، ترى بأنّ الأنثى مثل الذكر، لها ما له وعليها ما عليه؛ ولذلك نجد أنّه عندما ينتفي الاختلاف يسقط التكامل، فتكون النديّة هي الحاكمة بين الشريكين. وهي بذلك، تتعارض مع حقيقة تكوينيّة أشار إليها خالق الخلق، في قوله تعالى: Nلِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاًM [7]؛ أي في تسخير القدرات المتفاوتة ليعيْن كلّ منهما الآخر -التفاوت بينهما في الاستعدادات الجسميّة والنفسيّة- دون أن يكون لهذا التفاوت ارتباط بالنقص أو الكمال؛ فالحياة الاجتماعيّة حتى تعمر، إنّما تحتاج إلى هذا التكامل، فهي تحتاج على سبيل المثال، إلى قوّة جسديّة في الرجل، كما أنّها تحتاج إلى قوّة عاطفيّة في المرأة؛ لذلك فإنّ واحدة من عوامل نجاح الزواج، هي ضرورة الاتفاق المسبق حول هذه المسألة الجوهريّة قبل الإقدام على الزواج؛ لأنّها ستحدّد أسس العلاقة بين الشريكين وفي إدارة المنزل والحياة الأسريّة عامّة.
وفي الختام، بات من الموضوعية الإقرار، بأنّ ما تشهده مجتمعاتنا من نموّ لظواهر سلبيّة، يعود بجانب أساسيّ إلى ابتعادنا عن المعايير التي أوصانا بها القرآن وأهل بيت النبوّة b، ولا سيّما في اختيار الشريك الصالح، فقد بتنا نتعامل مع هذه المعايير بوصفها ثانويّة، حتى إنّ بعضاً منّا لم يعد يعيرها الأهمّيّة التي تستحق، مقابل تزايد اهتمامنا وتفضيلنا للمعايير المادّيّة، ـ التي يفد أكثرها من خارج ثقافتنا ـ والتعامل معها بوصفها أساسيّة لبناء حياة عصريّة.

علّ الوعي بهذه الحقيقة يُسهم في

بناء حياة زوجيّة طيّبة...

-----------------------------------
[1]- النوريّ، حسين: مستدرك الوسائل، ط2، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت، 1408هـ، ج14، ص: 152.

[2]- يراجع: دراسة بريطانيّة: الزواج يجعلك أكثر سعادة، موقع اليوم السابع الإلكترونيّ، بتاريخ 19 ديسمبر،2017.

[3]- الكلينيّ، محمد بن يعقوب: الكافي، ط3، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1367هـ، ج5، ح1، ص: 332.

[4]- الطبرسيّ، رضيّ الدين: مكارم الأخلاق، ط6، منشورات الشريف الرضيّ، (لا م)، 1392هـ، ص: 204.

[5]- الكلينيّ، الكافي، (م. س)،  ج 5، ص: 332.

[6]- المجلسيّ، محمد باقر: بحار الأنوار، ط3، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1403هـ،
ج 100، ص: 235.

[7]- سورة الزخرف، الآية: 32.