-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحياة الطيبة : حجاب للشهوة وسفور للعقل

الباحث :  الشيخ د. محمد شقير
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 23 / 2019
عدد زيارات البحث :  357
عند البحث في فلسفة جملة من القضايا الدينيّة، لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ للدين مبنىً ومعنىً، ظاهرًا وحقيقةً، جسدًا وروحًا، وهذا يعني أنّ التركيز على المبنى والظاهر والجسد، وإغفال المعنى والحقيقة والروح سيؤدّي إلى فهم الدين وقضاياه فهمًا ناقصًا بل مشوّهًا.
ومن تلك القضايا قضيّة الحجاب؛ حيث تضع المرأة لباسًا على جسمها بطريقة تسهم في ستر مفاتنها، وحجب الجانب البدنيّ والماديّ فيه؛ لصالح إظهار الجانب الإنسانيّ والمعنويّ في شخصيّتها.  فما هو المقصود من الحجاب، وما هي فلسفته الدينيّة؟
إنّ الحجاب في فلسفته هو منعٌ لغلبة البعد الحيوانيّ على البعد الإنسانيّ والعقليّ في الشخصيّة، إذ إنّه في جوهره موقف يغوص إلى أعماق النفس الإنسانيّة؛ لإعلاء شأن العقل على غيره، وبتعبيرٍ آخر، الحجاب سفور للعقل وإظهار له.
 فرمزيّة الحجاب تتجاوز الجانب الشكليّ لتصل في تعبيرها إلى واقع النفس الإنسانيّة، وإلى طبيعة الصراع الدائر فيها بين الشهوة والعقل، أو بين البعد الحيوانيّ والبعد المعنويّ، أو بين الجانب المتسافل والجانب المتعالي، حيث يكون الحجاب هنا مناصراً للعقل والبعد المعنويّ في شخصيّة الإنسان.
يقول اللّه تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (سورة الأعراف، الآية26). وتشير الآية إلى أنّ ثمّة نوعين من اللباس؛ لباسٌ ظاهريٌّ يغطّي البدن، ولباس باطنيّ، وهو لباس التقوى. وبينهما علاقة تبادليّة؛ فالأوّل يعبّر عن الثاني ويحفّز عليه، والثاني يقود إلى الأوّل؛ لأنّ من يمتلك التقوى لا بدّ أن يمتثل لأحكام اللّه تعالى، سواء أكان في قضيّة الحجاب أم في غيره من القضايا الحياتيّة والإنسانيّة.
وهذا يعني أنّ الحجاب الذي هو لباسٌ للبدن في روحه دعوة إلى التقوى، وهي حاجة أساسيّة للإنسان لا تقلّ عن حاجته للطعام؛ فمن خلالها يسلم من أخيه الإنسان، ويكفّ أذيّته عنه، ويأمن شرّه، وبها يستر مساوئ الأخلاق وذميم الملكات، بل يعمل على إبدالها بمحاسن الأخلاق، وجميل الصفات وممدوح الملكات، وهذا هو الحجاب في حقيقته وجوهره وفلسفته.
وعليه لا يضرّ في الحجاب أنّ بعضهم لم يفهمه على حقيقته، ولم يستهدِ إلى فلسفته، فإذا كانت الحضارة تحتاج إلى ترشيد العقل وسلامة النفس من الموبقات والرذائل، فإنّ في الحجاب دعوة إلى تحرير العقل من أسر الشهوة، وتحفيزٌ لطهارة النفس وإعمارها بالتقوى. وهذا يعني أنّ الحجاب لن يكون تعبيرًا عن «الحرمان والمنع والتحريم». فالحرمان الحقيقيّ يكمن في عدم فهم حقيقة الحجاب، والمنع الحقيقيّ هو ألّا تأخذ بالأسباب التي تسهم في منع سفور الشهوة وحجاب العقل.
وفي المحصّلة، إنّ الحجاب في فلسفته يعمل على المنع من سفور الشهوة لصالح حجابها، وليس كبتها، ويعمل على المنع من حجاب العقل الصالح ظهوره وسفوره.

الصورة المشوّهة للحجاب؟!!
أما الأسئلة التي تطرح، فالإنصاف منّا يقتضي أن نقول إنّها أسئلة في غاية الأهميّة، حيث إنّ الإسلام لا يدعو النساء إلى مجرّد الحجاب، بل يدعوهنّ إلى الحجاب الذي يستر الرذائل وينمِّي الفضائل، الحجاب الذي يستر الخبث والشقاوة لصالح العفّة والطهارة، الحجاب الذي يستر في الإنسان بعده الحيوانيّ والشهوانيّ لصالح بعده الإنسانيّ والواعي.
وبالتالي ما ذنب الدين إذا كان بعض منهنّ يتخذنه مطيّة لأغراض دنيويّة خاصّة، وما جرمه إذا كان بعضهنّ يمارسنه بشكل خاطئ، أو تُلقينه على أساس أنّه مجرد تقليد اجتماعيّ موروث. فهل نتخذ هذه العيّنات ذريعة من أجل تقديم صورة غير صحيحة عن الدين، فنقول على سبيل المثال: «إن الحرمان والمنع والتحريم برزت جزءاً أساسيّاً من إيديولوجيا دينيّة وسياسيّة مقنعة وانعكس ذلك بصورة الحجاب»؟!!.
إنّ هذا فهمٌ خاطئ للدين والحجاب، وإنّ حقيقة الحجاب كما يجب أن تكون عليه لا تؤخذ من الذين لا يملكون فهمًا علميًّا ومنهجيًّا وعميقًا للدين وللحجاب، بل تؤخذ من الذين يلتزمون الدين وقضاياه عن وعي وعلم ومعرفة لا عن وراثة وتقليد، حيث إنّ الحجاب مسألة دينيّة، والمسائل الدينيّة لا تُبنى رؤيتها ولا يكوّن فهمها من خلال استطلاع جزئيّ للآراء، إنّما من خلال الرجوع إلى أهل المعرفة والخبرة بالدين وفلسفته وأحكامه وقضاياه.
أخيراً، إنّ تمسّك المرأة بحجابها، على أساس فهمها لحقيقته وفلسفته الدينيّة، سيختلف تماماً عمن تلتزم به لعادة أو تقليد أو زيّ؛ فالأولى تدرك جيّداً أنّها بحجابها تُظهر الجانب المعنويّ في شخصيّتها على حساب البعد الماديّ الجسديّ؛ ما يعني انتصار العقل على الشهوة، وبناء حصانة للمرأة ولأسرتها ومجتمعها. بينما حجاب الثانية لن يكون إلا غطاءً تستر به جسدها.