-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : الشباب يصون هويته ويحميها

الباحث :  نوال خليل
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 23 / 2019
عدد زيارات البحث :  481
عندما نصف بعض المجتمعات بأنّها مجتمعات حيّة ونضرة وتسير نحو البقاء والتقدّم والكمال، غالباً ما يكون الوصف مرتكزاً على النظر إلى مميّزات فئة الشباب؛ لما تستبطنه من صفات الخير والصفاء والنقاء والتألّق والنورانيّة والمحبة والطهارة والنشاط والحيويّة والبهجة والاستعدادات المتنامية، ولأنّ فئة الشباب تمثّل الامتداد الحيويّ للأمّة، وقلبها النابض، وصورتها المستقبليّة.
وتعتبر مرحلة الشباب بلحاظ التربيةالإسلاميّة، بداية بلوغ الرشد ونيل الكمال الإنسانيّ، حيث يتمكّن الشاب عن وعي وبصيرة ومن دون تقليد، من اختيار رؤية عقديّة توحيديّة ونظام قيميّ إسلاميّ، يستند إليهما بوصفهما إطاراً معرفيّاً وفكريّاً ثابتاً؛ لهداية ميوله ومشاعره ودوافعه وضبط غرائزه،وتنظيم سلوكاته العمليّة، وفعالياته وأنشطته الحياتيّة في المجالات الفرديّة والاجتماعيّة كافّة،وبالتالي يكون الشاب سائراً على هدي الإيمان وقادراً على تدبيرأموره الاجتماعيّة والاقتصاديّة[1] والاهتداء نحو الهدف المنشود من الخلق.

الأخطار المحدقة بمرحلة الشباب:
غالباً ما نلحظ أنّ الانعكاسات السلبيّة للمراحل العمريّة السابقة وتردّداتها ترمي بظلّها على مرحلة الشباب، فنرى أمامنا شخصاً في سن الشباب من حيث العمر، ولكنّه لا يزال أسير خصائص المراحل العمريّة السابقة من حيث الخصائص والمميّزات، حيث نجد أنّه يعاني من تضييع الهويّة والهدف في الحياة، وعدم القدرة على تحمّل المسؤوليّة، وعدم تمكّنه من تدبير أموره الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وقد لا يكون قادراً على التخطيط لمستقبله العلميّ والعمليّ والاجتماعيّ، فيكون مدفوعاً دوماً من سلطة خارجيّة ليتقيّد بالمبادئ والقيم والسلوكات السامية والحسنة، ولا يكون التزامه نابعاً من إرادته ومن باطن نفسه. وأحياناً أخرى نرى أنّ الشاب يتجاوز خصائص المرحلة العمريّة السابقة، ولكن بإخفاق، فتتشكّل لديه هويّة مشتّتة بعيدة عن مبادئ الإسلام وقيمه، ويكون مبتلياً بالانحرافات الفكريّة والأخلاقيّة والعمليّة، ويعيش حالة من الضياع وانعدام الأفق، ورد في الحديث عن الإمام عليّg: «وقد تأتي عليه (أي الإنسان) حالات في قوّته وشبابه يهمّ بالخطيئة فتشجّعه روح القوّة، وتزين له روح الشهوّة، وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة، فإذا لامسها تفصّى من الإيمان، وتفصّى الإيمان منه»[2].
وهذا ما يمثل أمامنا تحدّياً كبيراً في العمل التربويّ، فتتجه كل المساعي نحو هدايةالشباب المسلم كي يتمتع بالمواصفات والمميّزات والكفاءات التي تؤهّله للقيام بمسؤوليّاته الفرديّة والاجتماعيّة ونيل الدرجات الرفيعة للحياة الطيّبة في مسار القرب من اللّه،بحيث تمهّد عمليّة التربية في المراحل العمريّة السابقة لتشكّل الرشد والاهتداء عند الشاب المسلم، وتعينه أيضاً على معالجة الانحرافات والآفات التي يمكن أن يُبتلى بها، وذلك نظراً لما يواجهه في الحرب الناعمة من إغراءات بمختلف الأساليب والوسائل الإعلاميّة، وفي مختلف تطبيقات التواصل الاجتماعيّ والألعاب الإلكترونيّة؛ وذلك من أجل حرفه عن هدفه المنشود في الحياة، ومن أجل الحدّ من إنتاجيّته ومساهمته في تقدّم مجتمعه وتطوّره.

الأبعاد المختلفة لهويّة الشاب المسلم:
قد نلحظ الشاب المسلم بلحاظه الفرديّ ومسؤوليّته تجاه نفسه، وقد نلحظه بلحاظه الاجتماعيّ الضيق ومسؤوليّته تجاه أسرته وأقاربه وأقرانه، أو بلحاظه الاجتماعيّ الأوسع ومسؤوليّاته تجاه مدينته ووطنه، أو بلحاظه الاجتماعيّ العالميّ والأمميّ ومسؤوليّاته تجاه الأمّة الإسلاميّة والعالم بأسره، وهو ما يستلزم منه التعرّف على مجموعة المميّزات والصفات والقدرات والمهارات التي تمكّنه من القيام بهذه الأدوار والمسؤوليّات، فلا يحصر نفسه في دائرة ذاته أو بيئته الاجتماعيّة الضيقة، بل يكون مشاركاً أساسيّاً في بناء الحضارة الإسلاميّة وتحقيق المشروع المهدويّ العالميّ.  

كيف تستفيد من نعمة الشباب؟
إنّ مراجعة النصوص الدينيّة تكشف أن ّثمّة صورة نموذجيّة رسمها الدين للشاب المسلم في اغتنامه من نعمة الشباب، وبما أنّها كثيرة يَصعب إيرادها كلّها في هذه المقالة؛ لذا سوف نشير إلى مسألتين أساسيّتين فقط.
- أولاً: تؤكّد الأحاديث الشريفة المنقولة عن رسول اللّهs مسألة إفناء المسلم شبابه في طاعة اللّه،وعدم انخداعه بزخارف الدنيا وملذّاتها ولهوها؛«إن أحبَّ الخلائق إلى اللَّه عزَّ وجلَّ شاب حَدَثُ السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله للَّه وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول هذا عبدي حقّاً»[3] ، وفي حديث آخر: «ما من شاب يدع الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة اللَّه إلا أعطاه اللَّه أجر اثنين وسبعين صدِّيقاً»[4] . وعن الإمام الحسنg: «يا معاشر الشباب عليكم بطلب الآخرة، فقد واللّه رأينا قوماً طلبوا الآخرة فأصابوا الدنيا والآخرة، وواللّه، ما رأينا من طلب الدنيا فأصاب الآخرة» [5].
- والمسألة المحوريّة الثانية هي في طلب العلم؛ لكونه ضمانة للاستقامّة والاقتدار، وحصانة من الوقوع في الضياع والإثم على أشكاله، فقد ورد في الحديث: «لستُ أحبُّ أن أرى الشاب منكم إلاّ غادياً في حالين، إما عالماً أو متعلّماً، فإن لم يفعل فرَّط وضيَّع، فإن ضيَّع أثِمَ، وإن أثِمَ سكن النار، والذي بعث محمداً بالحق»[6] .
وفي حديثٍ آخر:»يا معشر الفتيان حصّنوا أعراضكم بالأدب ودينكم بالعلم»[7].
فهوية الشاب المسلم تتبلور في مسألتين أساسيّتين هما طاعة اللّه وطلب العلم النافع، ومنهما تنشأ كلّ الفضائل الأخرى؛ من الاقتدار، والحكمة، والبصيرة، والعزّة، والاتّزان، والغيرة، والحياء، ونصرة الدين، والدفاع عن المظلومين والجهاد... وغيرها.

الشباب المسلم يصنع الحضارة الإسلاميّة:
يؤدّي الشباب المسلم الدور الأساس في تقدّم مجتمعهم وصيانته في وجه مختلف المخاطر والتحدّيات، وذلك من خلال مشاركتهم في مختلف النشاطات العلميّة والاجتماعيّة والسياسيّة والجهاديّة.
ويكاد يتفق علماء المسلمين وكثير من القادة في العالم على البعد الاستراتيجيّ لدور الشباب في الحياة العامّة وبناء المجتمعات وتطوّرها؛ وذلك من خلال:
- حثّهم على التمتع بالحيويّة  والنشاط والإبداع والخلاّقية في مختلف الميادين.
- توجيههم نحو العمل وتجنّب البطالة والكسل.
- تكريس طاقاتهم الهائلة  في سبيل الرقيّ والتكامل وخدمة بلادهم وأُسَرِهم.
- التأكيد على أنّ بقاءالأمل والنظرة المتفائلة للمستقبل، ونبذ الخوف واليأس يعدّ العنصر الأهم الذي يحكم حياة الشباب وحركة عملهم.
- التسلّح بالعلم والبحث العلميّ؛ لأنّهما الوسيلة الأبرز لعزّة الأوطان وقوّتها.
- تعزيز الاقتصاد المستقلّ لبلادهم، وتطبيق العدالة ومكافحة الفساد الاقتصاديّ والأخلاقيّ والسياسيّ.
وركيزة هذه الأعمال كلّها المعنويّة والأخلاق؛لذا لا بدّ أن يسعى الشباب إلى تكريس القيم المعنويّة من قبيل: الإخلاص، والإيثار، والتوكّل، والإيمان بالذات وبالمجتمع. والتحلّي بفضائل الأخلاق، وأهمّها: حبّ الخير، والتسامح، ومساعدة المحتاجين، والصدق، والشجاعة، والتواضع، والثقة بالنفس، وسائر الأخلاق الحسنة،وذلك باعتبار أنّ هذه القيم المعنويّة والأخلاقيّة هي الموجّهة لكل الحركات والنشاطات الفرديّة والاجتماعيّة، وهي حاجة أساسيّة للمجتمع.

[1]- (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ  وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا) النساء: 2.
[2]- الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي، ط4، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ .ش، ج2، ص283.
[3]- الهندي، علاء الدين: كنز العمال، لا ط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409هـ، ج15، ص785.
[4]- الكاشاني، محمد محسن: الوافي، ط1، مكتبة أمير المؤمنين، أصفهان، 1416هـ، ج26، ص194.
[5]- الري شهري، ميزان الحكمة، ج75، ص284.
[6]- الطوسي، أبو جعفر: الأمالي، ط1، دار الثقافة، قم، 1414هـ ، ص 303.
[7]- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ ، ج 23، ص 236.