-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

إسهامات حضارية : المدينة المنورة مهد الحضارة الإسلامية

الباحث :  سكينة مصطفى
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 23 / 2019
عدد زيارات البحث :  345
أيّها الطبيب الدوّار بطبّه، سلام اللّه عليك
عذُبٌ دواؤك... وفي جعبتك كلّ العقاقير
ملأت الزمان من خير يديك، وبلسمت جراحات القرى والقبائل.
وعينا يثرب كان فيهما رَمَدٌ، فسقيتهما من ماء وردك الخالص، وآخيتهما وصافيتهما.
كذا غدت شرايين الجزيرة فوّاحةً بعطر معروفك، ومستنيرةً بنور علمك وحبّك.
براحتيك عجنت الكون حتى استحال ورديّاً، وأعدت ترتيب الزمان والمكان.
في كلّ المدن والأرجاء نراك، في كلّ العالم نلمح طيفك
 لكنّ «أرض طيبة» تشبهك أكثر، لذا نأتيها، نستطلع أخبارها وأحوال معالمها، نقترب منك أكثر، أوليس ثراها قد احتضنك؟

أتيتُـكِ ماشياً ووددت أني          ملكـت سواد عيني أمتطيهِ

وما لي لا أسير على المآقي       إلى بلدٍ رســـــــــــولُ اللّه فيهِ

تعدّ المدينة المنورة من أهمّ المدن الدينيّة في الحجاز، اكتسبت أهمّيتها بعد هجرة النبي الأكرم s  إليها، واتخاذها مقرّاً له، وجعلها عاصمة لدولة الإسلام. كانت تسمّى قبل ذلك بـ «يثرب» فسمّاها s  «طيبة». تقع في الشمال الشرقيّ لمدينة مكّة المكرّمة، وتبعد عنها حوالي 450 كيلو متراً. تضمّ عدداً كبيراً من الأماكن المقدسة، أبرزها المسجد النبويّ الذي يحتضن المرقد المشرّف للنبيّ محمدs .
كان يتوزّع سكانها- قبل الإسلام- على مجموعة من القبائل اليهوديّة (بنو القنيقاع، وبنو النضير وبني قريظة)، بالإضافة إلى القبيلتين العربيتين الكبيرتين الأوس والخزرج.
عرفت بطيب هوائها، وغزارة آبارها؛ لذلك اهتم أهلها بالزراعة وغرس الأشجار، ولا سيما أشجار النخيل، فكانت ثمرة التمر عمدة الاقتصاد في المدينة المنورة.

الهجرة النبويّة إلى المدينة:
بعد أن ضاق الخناق على رسول اللّه s  والمؤمنين في مكّة، شدّوا الرحال نحو المدينة المنورة، حيث كان ينتظرهم الأنصار سنة 12 للهجرة، وقد استمرّت إقامة النبيs  عشر سنوات، عمل فيها على إحياء المدينة عمرانيّاً، وذلك من خلال:
بناء المسجد: تسجّل الوثائق التاريخيّة أن أوّل عمل قام به الرسول الأكرمs  أنّه أمر ببناء مسجد في المدينة؛ ليكون  مكان اجتماع المسلمين واتحادهم، ومركزاً  عبادياً وثقافيّاً وسياسيّاً ينطلقون منه في مهمّاتهم الكبرى.
إصدار المعاهدة: دوّن النبيs معاهدة بين المهاجرين والأنصار وكافّة سكّان المدينة؛ حدّد لهم فيها الواجبات والحقوق، كما دعا فيه اليهود وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم، واشترط عليهم.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: آخى النبيs بين المهاجرين والأنصار في الحقوق والمواساة؛ وذلك لبناء جوّ من الألفة والتعاون والتفاهم في المجتمع الإسلاميّ الجديد.

المسجد النبويّ الشريف:
قلب المدينة، وشريانها النابض، تألقت واستضاءت مِن نوره لتكون أشهر المدن الدينيّة التاريخيّة بعد مكّة المكرمة التي تبرّكت بالمسجد الحرام.
عندما قدم النبيّ الأكرمs إلى المدينة المنوّرة في السنة الأولى للهجرة، اختار ذلك المكان المقدّس؛ لبناء المسجد الشريف، فاشترى الأرض وأمر بتسويتها، وشاركs في عجن الطين، وضرب اللبن، وطلب من أصحابه إحضار جذوع النخيل لتكون أعمدة للمسجد، والجريد ليكون سقفاً له. وقد استغرق بناء المسجد ما بين سبعة أشهر وسنة، على قول بعض المؤرِّخين، وقد بلغت مساحته آنذاك 70 ذراعاً طولاً، 60 ذراعاً عرضاً.
بنى أصحاب النبي بيوتاً إلى جانب المسجد ليسكنوها، وكانت أبوابها مفتوحة إلى المسجد؛ فأمر s قبل معركة أحد بسدّ جميع الأبواب إلا باب بيت ابنته فاطمةh. وفي السنة السابعة للهجرة تمّ توسيع المسجد، وذلك بعد فتح خيبر، فأصبحت مساحته 10000 ذراع عرضاً في ارتفاع سبعة أذرع. ثم توالت أعمال التوسعة في صدر الإسلام، واستمرت عبر التاريخ حتى أصبحت مساحة المسجد (16326) متراً مربعاً. أما أعمدة المسجد الشريف المعروفة بـ «أساطين المسجد» فما زالت في مكانها منذ بُنيت على عهد النَّبيs، لكنها كانت من جذوع النَّخل، وأصبحت- حالياً- من الرُّخام والمرمر.
للمسجد النبويّ الشريف فضلاً وقداسة وعظمة؛ فالصلاة فيه كما ورد عن النبيs: «تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ عَشَرَةَ آلافِ صَلَاةٍ فِي غَيرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ تَعْدِلُ مِائَةَ أَلْفِ صَلَاةٍ»[1].
وهو من المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، في الحديث: «لا تشدّ  الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى»[2].
وما يزيد المسجد الشريف قداسة وبركةً، احتواؤه المرقد الطاهر لرسول الرحمة محمدs، الذي يتشّرف المسلمون بزيارته حبّاً لرسول اللّهs، وطمعاً في نيل الثواب الجزيل عند اللّه ورسوله؛ فقد ورد عن النبيs في فضل زيارته: «مَنْ‏ زَارَنِي‏ بَعْدَ وَفَاتِي‏ كَانَ‏ كَمَنْ‏ زَارَنِي‏ فِي‏ حَيَاتِي‏ وَكُنْتُ‏ لَهُ‏ شَهِيداً وَشَافِعاً يَوْمَ‏ الْقِيَامَةِ»[3]، وفي حديث آخر: «مَن زارَ قَبري بَعدَ مَوتي، كانَ كَمَن هاجَرَ إلَيَّ في حَياتي، فَإِن لَم تَستَطيعوا، فَابعَثوا إلَيَّ بِالسَّلامِ فَإِنَّهُ يَبلُغُني»[4].
وروي عنهs- أيضاً- في فضل زيارة قبره الشريف: «مَن أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة»[5].
وفي المسجد الروضة الشريفة التي قال النبيs أنّها روضةً من رياض الجنَّة، وهي تُقصد على مدار الساعة للفوز بالصلاة عندها، لما لها من الفضل والشرف، وتقع ما بين بيت النبيs، ومنبره الشريف كما ورد في الحديث عن رسول اللّهs: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة»[6].

المعالم التاريخيّة والدينيّة الأخرى في المدينة:
مساجد المدينة المنورة:
تميّزت المدينة المنورة بمساجدها التي يقصدها الزوار للزيارة والصلاة والتقرّب إلى اللّه تعالى، ومن أبرزها:
مسجد قبا: وهو أوّل مسجد بني في الإسلام، قال تعالى عنه: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}2.
مسجد عليّg: حيث نُقل أنّ عليّاً g كان يتعبّد في ذلك المكان أثناء حصار الأحزاب للمدينة في معركة الخندق.
مسجد الشجرة: أو «ذو الحليفة» أو «أبيار عليّ»، وهو أحد مواقيت الحج ومساجد الإحرام.
مسجد الجمعة: عندما كان النبي s  متجهاً من قباء إلى المدينة أدركته الجمعة في قبيلة بني سالم فصلى في بطن الوادي، فعرف المكان بـ «مسجد الجمعة».
مسجد العمرة: ويعرف بـ «مسجد عرفات» يقع في قبلة مسجد قبا، سمّي كذلك لأنّ النبي s  كان واقفاً هناك يوم عرفات، فبُسطت له الأرض ليشاهد الحجيج في عرفات.
مسجد عتبان بن مالك: وهو من المساجد التي تقع في منطقة قبا، نسبة إلى عتبان بن مالك السلميّ أحد نقباء الأنصار.
المساجد السبعة: شُيّدت على سفح جبل سلع شمال غربي المدينة، وهي: مسجد عليّ g، مسجد سلمان، مسجد فاطمة h، مسجد أبو ذر، مسجد ذي القبلتين، مسجد أبو بكر ومسجد عمر.
مقبرة البقيع: تقع في الجانب الشرقيّ من المدينة، وهي من أشهر المقابر الإسلاميّة وأقدمها، دُفن فيها أربعة من أحفاد رسول اللّهs ، وهم: الإمام الحسن بن عليّ، والإمام زين العابدين، والإمامين محمد الباقر، وجعفر الصادقg. وكذلك دُفن فيها العبّاس عمّ النبيّ s  وابنه إبراهيم وبناته وعماته، وأم البنين، وكثير من الأصحاب والتابعين والصالحين والشهداء. وكان النبي s  إذا مرّ بالبقيع قال: «السَّلامُ عَلَيكُمْ مِنْ دِيارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُون»[7].
جبل أحد: يعدّ من أطول جبال الجزيرة العربيّة، حيث يمتد على مسافة 7 كلم طولاً، وعلى مساحة قدرها 3 كلم عرضاً، سميّ بأحُد لانفراده عن سلسلة جبال المدينة الأخرى، وقد شهد جبل أُحُد المنازلة التي دارت بين الحقّ والباطل في السابع من شوال في السنة الثالثة للهجرة وضمّت تربته رفات الشهداء الذين سقطوا في تلك المعركة.
دار كلثوم بن هدم وسعد بن خيثمة: كانتا مأوى للمهاجرين الأوائل، وقد نزل النبيs  في دار كلثوم بعد هجرته، وكان يخرج لملاقاة الناس في بيت سعد.
أحيا المدينة بهجرته، وزادها نوراً وعزّاً وقداسة بمسجده، وجعلها ملاذاً للزائرين بمرقده؛ لذلك تطيب النفوس، وتسكن الأرواح... في أرض القداسة؛ «أرض طيبة».

------------------------------
[1]- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ ، ج96، ص241.
[2]- النيسابوري، أبو الحسن: صحيح مسلم، (لا ط)، دار الفكر، بيروت، (لا ت)، ج4، ص126.
[3]- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ،  ج97، ص142.
[4]- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ،  ج97، ص143.
[5]- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ،  ج96، ص379.
[6]-  المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ ، ج97، ص192.
[7]-  المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ،  ج99، ص298.