-----------

نظام يقوم مقام الإله Geostorm للمخرج دين ديفلن

{ زينب عقيل }

نظام يقوم مقام الإله Geostorm للمخرج دين ديفلن

بطل متهور، ذو شخصية غير مبالية، يتولى وحده حماية الأمن القومي الأميركي المهدد. ويقود فريقاً متعدد الجنسيات لإنقاذ الكوكب، وقد تزعمت الولايات المتحدة الأميركية حماية العالم من الكارثة، وإنقاذ الكوكب في آخر جزء من الثانية، وذلك بسبب مؤامرة على رئيس الولايات المتحدة - الذي بيديه وببصماته فقط يمكن إنقاذ البشرية-  ولكن يقف في طريقه شخص بيروقراطي (أي موظف حكومي) يعرقل مهامّه في اللحظات الحرجة جداً. وبطلنا هذا، هو الأكثر حظاً دائماً والأكثر ذكاء غالباً، من نُظرائه من الجنسيات الأخرى. وهو بفضل العلم الذي أنجزه، يفترض أنّه يقوم بمهام الإله، خاصة فيما يتعلق بالكوارث الصناعية والطبيعية – أو تلك المتعلقة بالتغير المناخي بسبب الاحتباس الحراري.

قد يتبادر إلى ذهنك فيلم :

“The Day After Tomorrow”

أو ربما :

”Independence Day”

وقد يكون:

“2012”، “Deep Impact”، “doomsday rock” Armageddon”،أو”meteor storm”،“asteroid”،”without Warnning”، إلخ..  وقد لا يكون آخرها الفيلم  الذي أُطلِق مؤخراً (في تشرين الأول سبتمبر من عام 2017). من إخراج “Dean Devlin” وبطولة”Gerard Butler” .

الفيلم يتميز عن غيره بأنّه نموذج كامل لكلّ تلك الكليشيهات الهوليوديّة. إذ يبدو أن صانعي الأفلام في هوليود، وعلى مدى أكثر من نصف قرن، لم ينتهوا من استنفادِها بعد. وقد أصبحت أنماطاً تُسهّل التنبّؤ بالأحداث في معظم أفلام الحركة الأميركيّة.

يُعاين فيلم «Geostorm» مجموعة علماء من 19 دولة، توصّلوا في المستقبل القريب أي في عام 2019، إلى حلّ مشكلة الاحتباس الحراريّ، من خلال شبكة من الأقمار الصناعيّة تلفّ الغلاف الجويّ للأرض. ضمن نظام يدعى «Dutch Boy». هذه الأقمار قادرة على التحكّم بأيّ ظاهرة مناخيّة يُمكن أن تهدّد حياة الناس في أيّ دولة. وفي أحد الحوارات، يقول ED Harris - الذي يؤدّي دور نائب الرئيس الأميركيّ – إنّ «هذا النظام يقوم مقام الإله».

بدأت القصة عندما حصل خلل في نظام “Dutch Boy“ فبدأ بإبادة قُرى كاملة صِحراويّة في مناطق شرق آسيا بالجليد. وفي الصين ارتفعت درجة حرارة الأرض بدأت القصّة عندما حصل خلل في نظام «Dutch Boy « فبدأ بإبادة قُرى كاملة صِحراويّة في مناطق من شرق آسيا بالجليد. وفي الصين ارتفعت درجة حرارة الأرض لتنفجر أنابيب الغاز في مشهد مهول. ثمّ اجتاحت المياه عدداً من المدن الكبرى الساحليّة في دُبي وإيطاليا وأميركا اللاتينيّة، في مشهديّات مُخيفة تسقط فيها العواصم على طريقة الدومينو. ولإثارة أكبر، يُعرض الفيلم بتقنيّة 3D  و 4D في بعض الدول. 

شركات كبرى تمول الفيلم وتروج لمنتجاتها

المشاهد الخارجيّة في هذا الفيلم، لا تكاد تخلو من السيّارات الإلكترونيّة الذكيّة. وكما في معظم الأفلام، ثمّة شركة كبرى متعدّدة ومتعدّية الجنسيّات تعمد إلى التمويل مقابل الترويج لمنتجاتها. لذلك «قرّرنا أن تكون كلّ السيارات في الفيلم إلكترونيّة» يقول مخرج الفيلم «Dean Devlin»  في أحد المقاطع الترويجيّة على موقع youtube . ويؤكّد ذلك مشرف المؤثّرات البصريّة «»Jeffry A. Okun، «لدينا مجموعة Mercedes-Benz B-Class، إنها حقاً مذهلة».

وفي السيناريو تظهر الدعاية واضحة جداً لهذه السيارة، إذ تقول العميلة السريّة المسؤولة عن أمن الرئيس الأميركيّ Abbie Cornish: «حقّاً، هل سنخطف الرئيس في هذه السيّارة الناعمة في القيادة؟». وبعدها نرى كيف تُثبت هذه السيّارة قدرتها الانسيابيّة في عمليّات المطاردة والهروب.

خطف رئيس الولايات المتحدة

في متتاليات السيناريو، كان لا بــــدّ مـــن خطـــف الرئيس. وذلك بعدما تبيّن لـ  (Gerard Butler Jake) وأخيه الموظّف الحكوميّ Max (Jim Sturgess)، بأنّ فايروساً جرى زرعه داخل النظام، والمتّهم الأوّل هو الرئيس الأميركيّ (president palma Andy Garcia)، إذ هو الوحيد الذي يملك شفرات البرنامج، وهي بصمات يديه العشْر. وهم مضطرّون لاختطافه قبل موعد العاصفة الكونيّة المدمّرة للبشريّة خلال أقلّ من ساعة، وذلك لإعادة تشغيل النظام والقضاء على الفايروس. ليتبيّن فيما بعد أنّ الرئيس كان ضحيّة مؤامرة من قبل نائبه (Dekkom (Ed Harri.

لكن إلى أيّ مدى كانت أهداف  المؤامرة مُقنعة؟! وكيف استطاع Jake إزالة الفايروس من النظام؟ من الأفضل عدم التدقيق!! بل التركيز في الأبطال الذين أنقذوا الكوكب في الثواني الأخيرة!

المخاوف الأميركية الكبرى

حبكات وشخصيات ونهايات مُتشابهة، يجري اقتباسها من سرديّات المجتمع الأميركيّ. تندرج تحت مفهوم الأساطيرالرائجة التي يجري تخيّلها وتصديقها دونما دليل. والحكومات الفيدرالية لا تقصر في تغذية هذه السرديات، التي بدورها تعزز سلطة الأيديولوجية الرأسمالية. ومن الأساطير السياسيّة الأساسيّة السارية في المجتمع الأميركي، التي تشكل أنماط تفكير جماعية، أنّ:

- كل المشاكل تأتي من الخارج ومن الجماعات الأجنبية.

- قادة الولايات المتحدة الأميركيّة هم أبطال خارقون وقادرون على إنقاذنا من أي خطر.

- مهمة المواطن هي التضحية والعمل بجدّ والمزايدة من أجل القادة السياسيين.

فتتكون مجموعة من القضايا تحت عنوان «المخاوف الأميركية الكبرى»، يحتاج إليها السياسيون في حملاتهم الانتخابيّة، ولدى إقدامهم على احتلال شعوب جديدة. فالأسطورة الأكثر رواجاً كمصداق وكنتيجة عمليّة لكلّ تلك السرديات، تتلخّص في أن الأمن القومي الأميركي سيكون مهدداً إذا لم تتدخل الولايات المتحدة لإنقاذ شعوب العالم. وبذلك فقد أصبحت وغدت وأمست الديموقراطيّة شماعة لإبادة الهويّات وسلب الشعوب.

هذه «المخاوف الكبرى» تبدو كبئرٍ ارتوازيّة لا يجف لدى المنتجين في هوليوود. يلعبون على أوتارها في صناعة سيناريوهات مختلفة بنسبٍ متفاوتة لتصبح جاهزة للاستهلاك. ويعوضون عن أيّ نقص في السيناريو أوعدم القدرة على الإقناع، بكاريزما النجوم المُمثّلين. خاصّة في الأفلام المتعلّقة بالكوارث الطبيعيّة والقضاء على العالم. إذ تُشكّل عامل جذبٍ بنيويٍّ لإثارة الجمهور الفضولي، لمشاهدة كيف يُمكن لقوى الطبيعة أو تدخل الإنسان، تدمير شوارعه ومُدنه الضخمة.

 لكن هل حقاً تندرج قضايا المناخ والاحتباس الحراريّ تحت عنوان «المخاوف الأميركيّة الكبرى»!!

يُذكر أنّه في عام 1971 اجتمع أبرز العلماء في العالم لبحث مخاطر التغيّر المناخيّ، ونادوا بضرورة ترشيد استهلاك الطاقة، إلّا أنّ شركات النفط الكبرى ومناجم الفحم احتجّت بأنّ مسألة الاحتباس الحراريّ مُجرّد كذبة. وفي عام 1981، بدأت قضيّة الاحتباس الحراريّ تأخذ منحًى سياسيّاً في الولايات المتّحدة، عقب انتخاب الرئيس ريغان، الذي لم يهتمّ بمطالب المنظّمات البيئيّة. وقد اعتبرت الإدارة الأمريكيّة أنّ القضيّة مُجرّد وَهْم. وأنّه لا توجد تأكيدات تخص مخاطر مُحتملة. وهو المسار نفسُه الذي سار عليه الرؤساء الجمهوريّون في التعامل مع القضيّة إلى اليوم. وهذا ما فعله الرئيس الجمهوريّ دونالد ترامب مؤخّراً، إذ أعلن عن انسحابه من «اتفاقيّة باريس للمناخ»، التي وقّع عليها أوباما عام 2015. معتبراً أنّ «الاتفاقيّة تُعيق قدرات الولايات المتّحدة الاقتصاديّة، وأنّها قد كلّفتها مليارات الدولارات، وتزيد التكلفة على الشعب الأمريكيّ». كما تعهّد بالخروج من أيّ اتفاقيّة «لا تضع أميركا أوّلاً».

سم في عسل

لطالما نجحت الولايات المتحدة الأميركية في فبركة السيناريوهات الرنانة، ونحت المصطلحات الغامضة التي تحتمل في معناها أكثر من تأويل واحد. فتربّعت من خلالها على عرش البروباغندا الإعلاميّة. وهي إلى اليوم لا تألو جهداً ولا تترك ميداناً لا تروج لنفسها من خلاله، على أنها الحامية والضامنة لحقوق الشعب، ولعل هوليوود هي الميدان رقم واحد لبثّ السموم بقوالب من حلوى، تدمّر من خلالها الجهاز المناعيّ لثقافات الشعوب. ولمّا كان السلاح الأقوى لأيّ أمّةٍ ثقافتها، فإنّها بعد تسمم هويتها، ستصبح جاهزة للاستعمار.

--------------------

زينب عقيل : دبلوم صحافة وباحثة في علوم الإعلام والاتصال